الرفيع بشير الشفيع يكتب : الطريق لتحرير وأفرقة السودان يمر بالكرملين أيضا، (٢).

الخرطوم :مرايا برس

بالطبع لم يمر مقالي بالأمس تحت نفس العنوان ، لم يمر مرور الكرام على النقاد السودانيين وغيرهم، خصوصا أؤلئك الذين يجدون في أنفسهم علة امام أي دعوة تدعو للتقارب بين الدول العربية في ظل الفوضى الخلاقة (الهجمة العلمانو-صهيونية) على السودان والمنطقة العربية، والتي يتولى كِبرها العلمانيون السودانيون وفي المنطقة ، وقد تم إتهام المقال بالدعوة ، لعروبة السودان ، مقابل أفريقانيته، كما كنت اتوقع ، بسبب ترحيبي بموقف بعض الدول العربية مع الجيش السوداني والقوات الامنية الاخرى ، في ظل تلاحم الجيش وموقفه في حرب الخليج الحالية (بين الشيعة والسنة)، والتي تمثل احد اجندة مشروع التفتيت الجديد للمنطقة.

ومصداقا لقول الله عز وجل ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وحتى أنني اوردت في مقالي بالأمس كل الحجج التي تعضد الدعوة للحفاظ على خلاسية السودان، في هويته وثقافته ، حججا تاريخية وسياسية وحضارية ، إلا أن الصف الأول من وراء الموجهات الفكرية السارية في السودان ، لا يترك للحق قناةً إلا ركّب فيها سنانا.

وحصر مقالي بالأمس في قصد الدعوة لعروبة السودان فقط، خارج النص وعن الموضوع تماما ، وينم عن غبن معين تجاه العروبة ، وهذه هي (الفرشة) التي يقوم بها اليسار عموما وعلى رأسهم الشيوعيين لكي يؤثروا على عقول الناس الانطباعية على ما يتمنون ، حتى يمرروا مشروع تحرير السودان عن عروبته التي تمثل إحد شقي معادلة هويته ، وهي المرتكز الثقافي واللغوي لمنابع دينه، عبر التكريه في العروبة التي تمثل حاضنة الإسلام.

القصد من التكريه في العروبة ليس هو العروبة نفسها لأن اليسار امثال حزب البعث والحزب الناصري يرفعان شعار ، أمة عربية واحدة ذات رسالة واحدة ، والقومية العربية على التوالي ، ليس حبا في العرب ولا العروبة انما هذا الشعاران هما وليجة ( مدخل ) مناسب لتفتيت العروبة نفسها والهدف الاخير هو الإسلام، بدليل أن الذي أسس حزب البعث (العربي الإشتراكي) هما صلاح البيطار، (يهودي ماركسي )، وميشيل عفلق ( مسيحي)، وعبدالناصر الذي أسس القومية العربية وقام بفتنة اليمن لحرب الامام احمد وفيصل بن عبدالعزيز ( وحل مشكلتهما السودان)، انما كان عبد الناصر الذي يتبع له الحزب القومي السوداني ، كان في حربه مع الفيصل والامام أحمد يمثل التيار (العلماني) الذي حول مصر الى ما هي عليه الان ونشر القومية العربية ، مقابل القومية الإسلامية ، وهذه صنعة صهيونية قصد منها تمزيق الصف الاسلامي العريض من (افغانستان وماليزيا وكوسوفو الى الخرطوم وصنعاء ومراكش والخليج) ، حتى تحصر اسرائيل رقعة الحرب في دول عربية يسهل تستيتها وتقسيمها .

ظهرت الاحزاب العلمانية كلها ( الحزب الشيوعي، والناصري والبعث ، والجمهوريين وزادت وتيرة الحرب بين الشيعة والسنة وبين الصوفية والسلفيين).

بعد ان الحرب العالمية الاولى والثانية والتي وقفت فيها (الدولة العثمانية) مع المانيا ( حارب ما يقارب عشرين الف مسلم في صفوف هتلر)، وتركيا كانت تقوم بدور توحيد الدول العربية مع دول اسلامية اخرى ( ولو انها مثلت من العلمانيين كإستعمار لمحاربتها كآخر خلافة اسلامية)، ككتلة اسلامية ، مقابل الكتلة العلمانية الجديدة التي أنشأتها الصهيونية ( ماركس نفسه يهودي المانيا ،كذلك أنجلز) ، واستخدمت الصهيونية العلمانية العربية في منطقة الخلافة الإسلامية حتى تسهل موضوع قيام اسرائيل واعادة رسم الدول العربية على غرار خارطة سايكس وبيكو ، وهذه هي الخارطة التي تقوم عليها الدول العربية الان ، وقد تمكنت العلمانية فيها كما نرى.

الآن وفي ظل تفتيت المفتت وتقسيم المقسم على غرار خارطة جديدة رسمها الصهيوني (برنارد لويس ) على الدول العربية ، حصل موضوع(شك لأوراق) من جديد يتمثل في الفتن الأيديولوجية مقابل الاسلام او من يتبنوا شعار (الحاكمية لله) ، مقابل العلمانية ، مقابل الملكيات ، مقابل احياء نعرات ، شيعة ، سنة ، صوفية ، اخوان مسلمين وهكذا ،صنعت الفوضى الخلاقة في المنطقة لتفضي للتقسيم الجديد.

في ظل هذا ، تم تأليب الدول الأفريقية ايضا وحدث اتصال كبير بين العلمانية ، تقودها الاحزاب اليسارية وعلى رأسهم الحزب الشيوعي السودان ( حتى بعد نهاية مرجعيته في الاتحاد السوفيتي، والذي ترعرعت فيه النظرية الماركسية الصهيونية التي أنشأت الشيوعية)، ذلك الاتصال عزز العداء للعروبة والدول العربية في كثير من الدول الافريقية بالطريقة التي ذكرناها وذكرنا على اثرها موضوع الهوية الافريقية الجامعة، البانافريكانيزم .

وهذا مع ذلك ، جعلنا ننبه لخطور شعارات تحرير السودان، وأفرقته في مقالنا بالأمس ، والذي حاول البعض حشره بين الحرب المعلنة والخفية بين اليسار وبين موقف الإسلاميين من تأييد موقف الدول العربية الجديد ، خصوصا دول الخليج مع جيش السودان، وهذا بدوره يخدم الوقوف مع تعزيز دور السودان العربي- الأفريقي والوقوف بصورة مباشرة او غير مباشرة ضد أفرقة السودان ( جعله افريقيا فقط)، ونزع طابع الخلاسية العربية الافريقية ، ثقافيا وجغرافيا وسياسيا ودينيا كما يدعو له اليسار ، وهذا هو سر الهجوم الخجول بالأمس من مقالنا الذي يدعو الى الحفاظ على معادلة الأفرو-عربية السودانية ( الخلاسية العربية والتي تجري في دماء الشعب السوداني كله الا بعض جيوب القبائل الافريقية الخالصة او العربية الخالصة).

غريب القراءات يتهمني بأنني أقف مع العروبة ضد الأفريقانية في السودان ، ولم اذكر ذلك في مقال ، وترحيبي بموقف الدول العربية الحالي مع الجيش السوداني ، انما تمليه ضرورة ذكر ذلك بإعتبار أن الجيش السوداني هو اخر معاقل الحفاظ على السودان في شكله الحالي وبخلاسيته ودينه وهويته وجغرافيته ، لما قبل الطوفان.

تعليقات
Loading...