السودان على درب ثورات الربيع العربي

تقرير:أحمد بامنت

— الربيع العربي

  حمل الربيع العربي لأغلب الدول التي شهدت ثورات حالة من التشرذم والإنقسام والإقتتال ومازالت تلك الدول تعاني جراء تلك الثورات والواقع الذي يشهده السودان لايختلف كثيرا عنها  مع وجود الفارق المتمثل في سلمية التغيير فبعد ثورة ديسمبر المجيدة التي عكست اصالة وجسارة الشعب السوداني إلا أن عملية التغيير اليوم  تمر  بمنعطف خطير ومعها الدولة السودانية بمفهومها القطري المتعارف عليه ويقف السودان علي مفترق طرق،، وإستناداً على  مآلات و نتائج الثورات العربية نستطيع أن نقول  ان  السودان ينحى منحى مماثل، وهذه ليست نظرة تشاؤمية سوداوية تقوم على قراءة وتتبع لمسار التغيير ولن نستطيع أن نقول غير ذلك، إذ كيف لنا  أن نتحدث عن إستمرارية الدولة القطرية في ظل تنامي وتصاعد خطاب الكراهية والدعوات بحق تقرير المصير والإنفصال  التي تصدرت المشهد في ظل تراجع هيبة الدولة وتراخيها في التعامل بالحسم المطلوب إزاء تلك الأصوات ومع عدم وجود مؤسسات راسخة تعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة الجامعة الذي يستوعب كافة أشكال التنوع والتباين في الدولة السودانية.

 — خطاب يستوعب التنوع..

السودان كان كغيره من أغلب الدول العربية مثالاً   لدولة نامية لم تتمكن من  بناء المؤسسات. الديمقراطية وفق مفاهيم حديثة للهويات الوطنية والمواطنة ولم تستطيع القوى السياسية والنخب  على مدار تاريخ الدولة السودانية منذ الاستقلال أن تقدم خطاب سياسي جامع يستوعب التنوع والتعدد الإثني المتبابين على طول القطر وظلت الانظمة السياسية الحاكمه تفرض حال الإستقرار عبر القبضة الأمنيه وبالقوة الجبرية لصناعة شكل مصطنع من أشكال الوحدة القطرية  أو عن طريق و إعتماد منهجية  المحاصصات المناطقية والقبيلة والتي لا تحقق شعوراً حقيقياً بالمواطنة والإنتماء ،ولهذا نجد ان أغلب تلك النماذج تسقط أمام أبسط التحديات .

وحتى لانذهب بعيدا عن سياق القضية والسؤال الجوهري الذي نحاول إيجاد حلول له والمتمثل في مقومات وحدة السودان كقطر واحد وتفنيد ودحض تلك الدعوات الإنفصالية التي تبرز هنا وهنالك لابد لنا من التوقف عند مفهوم الدولة الدولة القطرية الحديثة والتي تعتمد على مدى قدرة مؤسساتها على تسيير شؤونها ومصالحها الداخلية والخارجية فهي ترتكز على المؤسسات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية في بسط هيمنتها على الدولة (الأرض والسكان).

— الدولة واحتكار العنف..

 يرى الفيلسوف الألماني ماكس فيبر أن الدولة هي من تحتكر العنف المسلح من خلال فرض الهيمنة والسيطرة بواسطة الجيش والأجهزة الأمنية، وهذا يعني أن وظيفة الدولة هي الدفاع، وفرض القانون والنظام، وحفظ وحماية الفقراء، والإقتصاد، الصحة العامة، والتربية والتعليم.

فإذا ما حاولنا إسقاط هذا المفهوم على السودان لمعرفة مدى قوة وصلابة الدولة السودانية وبحثنا في كافة الدساتير الموضوعة فإنها لم تستطيع أن تحقق

التعايش السلمي والإندماج وإدارة التنوع إلا من خلال أنظمة شمولية  قابضة لهذا مازلنا ندير جدلا عميقاً  حول الهوية ومازالت النخب السياسيه توظف القبلية لضرب الخصوم ولتكسب عبر تسييس القبيله .

ويرى أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإستراتيجية محمد الطاهر بابكر أن تلك الدعوات المطالبة بحق تقرير المصير والإنفصال ماهي إلا محاولة لنيل حقوق مستحقه ليس بالضروره الحق في  الإستقلال من الدولة القطرية بمفهومها المتعارف بل هي نوع من أنواع المطالبة بتحقيق قيم العدالة والمساواة وأشار إلى الإختلاف بين هذه الدعوات وبين تجربة جنوب السودان وقال حيال جنوب السودان فإن الإختلاف الثقافي ،الإجتماعي ،الإثني والديني كان كبيرا وأن الإختلاف برز قبل إستقلال الدولة السودانية إلا أن فترة حكم الإخوان في ظل النظام المباد عمق من تلك الخلافات ولم ينحصر الأمر في الإختلاف فحسب وهو ما مهد الإنفصال وقال عنه أنه بمثابة جرج نازف في خاصرة الدولة السودانيه وقلل من صدى تلك الدعوات التي تتردد الآن وعزا تلك الدعوات إلى  التهميش الإقتصادي الذي تحسه وتتجرعه تلك المجموعات  فضلا عن أسباب آيدلوجية وعقدية في كل من النيل الأزرق وجنوب كردفان إلا أنها يمكن استيعابها وتوظيفها كمصدر قوة من خلال التنوع والتباين الذي ينبغي أن يكون في الدولة.

جملة القول ان تحديات المرحلة الإنتقالية أعقد بكثير مما يظن البعض وهي لن تتوقف على إنتصار طرف سياسي  على آخر وتتعدى ذلك التشاكس بين مدنيين وعسكر فهو تحدي يهدد وحدة وسلامة الدولة السودانية.

تعليقات
Loading...