المستشار طارق عبدالفتاح يكتب: عزالدين السيد حياة حافلة بالإنجازات.

كما أن في الأعوام، عام للحزن ، ففي الأيام كذلك ، يوم للحزن ، الثاني والعشرين من مايو ، يوم فاضت روحه الطاهرة إلى العلياء والملكوت ، يوم فارق الحياة الدنيا عند الساعة الخامسة عصر الجمعة الرابع من شعبان ، الثاني والعشرين من مايو 2015 م .. كان يوما لا ككل الأيام، جمعة مباركة ، وأصيل وساعة إجابة تتدلى فيها رحمات السماء إلى الأرض لترافق الأرواح الصاعدة إلى أعالى الجنان حيث الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون ، وزمرة الأطهار الطيبين الأخيار . في تلك الساعة صعدت روح الفقيد الغالي ، والد الجميع عزالدين السيد ، رحمه الله رحمة واسعة وجعله في السابقين المقربين .
مثل ساعة رحيله ، كانت ساعة ميلاده يوم ذكرى المولد النبوي الشريف، يوم ولد الهدى والكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء .. وبين الساعتين عاش الفقيد واحدا وثمانين عاما حياة حافلة ، عريضة ، عديدة الإنجاز للإنسانية والوطن والأهل والأصدقاء والأحباب … مثله ، لا حاجة له ليطلق إسمه على طريق أو قاعة أو صرح مشيد ، ليخلد إسمه ويرتفع ذكره ، فهو في قلوب الناس قبل ألسنتهم ،

وأفضل الناس في الورى رجل
تقضى على يده للناس حاجات

بل هو في ضمير الأمة وتاريخها الناصع كسياسي مخلص لبلده ، شديد الولاء لأجندة الوطن ، ولا شيء غير الله و الوطن والحقيقة . لقد كانت تلك طاقته ودافعه القوي يوم كان وزيرا للصناعة والتجارة في الستينات حين أصدر حزمة قرارات سودنة التجارة الخارجية . كان السودان قد نال استقلاله، والاقتصاد والتجارة في قبضة الشركات الاجنبية ومتعددة الجنسيات .. بعض تلك القرارات ما زال ساريا حتى يومنا هذا دليلا على أن ذلك الجيل كان عميق الفهم والإدراك قوي الشكيمة والعزيمة ، شديد الإنتماء للوطن واستقلاله . جيل أتى من مدارس شتى ، وأولها مدرسة أستاذ الأجيال إسماعيل الأزهري ، التي كان الفقيد ينتمي إليها . كنت أستمع إليه وهو يحكي مرارا عن الزعيم بشغف كبير ، وتلك قصص ربما سجل بعضها في كتابه ، السيرة الذاتية ( تجربتي في السياسة السودانية ) . وفيه من الدروس الوطنية الكثير ، لا تصلح فقط لناشئة الساسة بل حتى القدامى الأحياء منهم ، كيف يساس الناس ويدار الوطن ، وما أكثر العبر وأقل الإعتبار… ومن غير المنشور في كتابه ، أن أحد الزعماء من جيل الإستقلال مات لرحمة مولاه ، وبينما الراحل عزالدين وآخرون في صيوان العزاء ، جاءه التاجر الدائن وهمس في أذنه أن على المرحوم دين في عنقه ، مبلغ خمسمائة جنيه سوداني ، استلفه منه ويريد سداده . طمأنه الراحل وقام من مقامه وتكلم إلى المرحوم عبدالخالق محجوب ، الذي كان ذا نفوذ وسلطة في سنوات مايو الأولى. واتفق الرجلان عزالدين وعبدالخالق على قضاء دين المرحوم ، واجتمعوا ليلتهم في منزل عبدالخالق في امدرمان ، وجمعوا لفيفا من تجار ذلك الزمان ، ثم إنتهى الامر بجمع المبلغ كاملا وسداده صباح اليوم التالي . لم يمنع الإختلاف السياسي والانتماءات المتباينة ، أن يسعوا لقضاء دين المرحوم الذي كان يخالفهم أيضا !!

لقد بنى الراحل المقيم صروحا في التاريخ والقلوب ، طاب مسكنه فيها كما مسكنه في جنات النعيم:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيها
لكل نفس وإن كانت على وجل
من المنية آمال تقويها
المرء يبسطها والدهر يقبضها
والنفس تنشرها والموت يطويها
إن المكارم أخلاق مطهرة
الدين أولها والعقل ثانيها .

رحم الله الرجل الصالح ، والد الجميع عزالدين السيد، رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واجمعنا به في أعلى الجنان مع صحبة الاخيار الأطهار، وبارك في عقبه وذريته، وارزقه شفاعة الرسول الأكرم ، محمد، صلى الله عليه وسلم . آمييين .

تعليقات
Loading...