كثيرا ما بحثت عن مقالات تحليليلة لكتّاب سودانيين تشرّح الازمة السودانية بعيدا عن الصخب والعمى السياسي لكني لم اجدها ..
-ليس عجزا في المفكر السوداني ولكن لأن ريح السياسة عصفت بهم ..
او لربما تماشيا مع الترند السائد كما يقول اخواننا المصريين :
(اشتري دماغك يا عم ) …
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله -واخو الجهالة في الشقاوة ينعم …
واليوم سأحاول قراءة المشهد السوداني من زوايا ليس بالضرورة ان تكون ذات علاقة مباشرة بالسياسة في تعريفها الكلاسيكي اليومي …
فدعوني اولا ان اسمي الاشياء كما نسميها نحن في ونستنا العادية ..
وسأقول (الغرابي -ود البحر – ادروب الخ ..) حتى تبدو الصورة بطبيعتها بدون تكلف .. فأنا امقت هذا الادب المحنط في الكتابة ..
أحد اولاد الغرب كتب قائلا ( مجموعات الوسط النيلي انتهزت الفرصة بعد الاستعمار وقفزت على مقاليد السلطة وسيطرت على الاقتصاد والمجتمع ..
وهذه حقيقة -لقد استأثر اولاد البحر بالمناصب والسلطة بعد الاستقلال وتكونت بينهم شلة الرأس مالية الوطنية والسياسيين .. اي اوليغارشية بالاصطلاح السياسي الفلسفي لمعنى (الشلة ) …
ثم جاءت فترة من تاريخ السودان تراجع اولاد البحر ودخل اولاد الغرب بكل ثقلهم في المعادلة بحكم تطور المجتمع والتعليم لا سيما في حقبة الانقاذ…
ويجب ان انوه هنا انه لا توجد حقبة سياسية في تاريخ السودان (دلّعت) ابناء اقليم بعينه كما فعلت الإنقاذ مع اولاد الغرب..
فالصراع الدارفوري-دارفوري ليس صناعة اولاد بحر ولا صناعة انقاذية – وانما هو صراع نابع من صميم التاريخ والثقافة والجغرافية المحيطة بهذا الاقليم ..
والا لماذا لم تختفي الدوشكات والتاشرات حتى الان؟…
وفي اي مكان في العالم ستجد (اوليغارشية) تحكم ..
إذن كيف تشكلت اميركا؟. هل كان مع (بنجامين فرانكلين) وبقية الآباء المؤسسين افارقة وهنود حمر؟..
واميركا لم تزل تحكمها الاوليغارشية والعرقيات الباذخة في التاريخ الاميركي ..فكل عتاولة المؤسسات البيروقراطية في اميركا ستجدهم من ابناء (الواسب) المؤسسين لليونايتد استيت اوف اميركا .. ومن لم يكن (منفّل) من العرق الأصلي ستجده من ضمن اوليغارشية النخب المتخرجة في جامعات محددة بعينها ( استانفورد كولموبيا ييل ) وباراك اوباما انموذجا -فالشلة او النخب تتكون ثقافيا او اثنيا ومهنيا ….
الاسلاميون في السودان شكلوا شلّة اوليغارشية ضمت خريجي جامعة الخرطوم خاصة منظري الدولة في الفكر السياسي والديني ..
وهذا طبيعي اذا افترضنا ان جامعة الخرطوم كان ينظر اليها الغربال الذي يفرز البركاوي من الكرموش ..
فكان البركاوي يذهب به الى جامعة الخرطوم -الجميلة ومستحيلة ..
اما الكرموش فيتساقط من الغربال ليتم قبووله داخل وخارج السودان ..
فالمؤتمر الوطني مثلا كأي حزب كان فيه (جخانين كثيرة اشبه بأم فتفت) وفيه صقور وحمائم تعمل بقانون الداروينية -فيصعد العضو فيه او يهبط بحسب مقدرته في الصراع داخل هذه المجموعات..
اما بقية كيزان الصف الرابع كان يتم توزيعهم في المحليات والولايات وبيروقراطية الدولة والجمعيات الخيرية وما شابه ذلك …فأستطاعوا هم ايضا ان يكونوا اوليغارشية – لا اعلم ماذا اسميها ..وهؤلاء هم من شوهوا التجربة لانهم لم يدخلوا التنظيم من باب الفكرة ..
ففي كل مكان وزمان ستجد شلة نافذة اوليغارشية يجمعها التنظيم او المصلحة او حتى العرق.