–مفاهيم المركز والهامش… Center &Margin
أجبر السودانيون الإنجليز على مغادرة بلادهم في أول يناير ١٩٥٦م وفي حلوقهم غصة وفي وجدانهم هزيمة وانكسار و هم يعانون هذه العقدة ومرارة الهزيمة حتى اليوم ولا يضيعون أية فرصة لعقاب السودانيين و الثأر والاقتصاص منهم. حكم الإنجليز الهند الغارة و قهروا شعوبها قرابة القرنين و نيجيريا و كينيا ويوغندا قرابة القرن و عجزوا أن يقهروا السودانيين فأعادوا لهم السلطة بعد حوالي سبعين سنة لم يذوقوا فيها استقرارا. قاوم السودانيون الإستعمار ابتداءً من الخليفة عبدالله وانتهاءً بمؤتمر الخريجين والجمعية التأسيسية ، مرورا بالبشرى والفاضل في الشكابة شريف بجنوب الجزيرة وأسد الشرق عثمان دقنة وود حبوبة في شمال الجزيرة و السحيني في دارفور و المك عجبنا في جبال النوبة وكلها ثورات ومقاومة جهاد إسلامية و ثورة ٢٤ ومؤتمر الخريجين و الجمعية التأسيسية .
ترك الإنجليز السودان بحدوده المعروفة و عاصمته الخرطوم و ميناءه بورتسودان ومدني عاصمة مشروع الجزيرة وعطبرة عاصمة السكك الحديد و تسع مديريات ، ست في الشمال و هي الشمالية ( عطبرة) و البحر الأحمر( بورتسودان) و الخرطوم (الخرطوم) والنيل الأزرق (مدني) و كردفان(الأبيض) و دارفور(الفاشر) و ثلاث في الجنوب أعالي النيل(ملكال) و بحر الغزال(واو) و الإستوائية(جوبا) .
ترك الإنجليز أربعة مدارس ثانوية ٣ في كل الشمال وادي سيدنا للشمال و الشرق و الخرطوم و حنتوب لوسط السودان و خورطقت لكل غرب السودان و رمبيك لكل جنوب السودان. ترك لنا الإنجليز خدمة مدنية جيدة و قوة دفاع السودان و كلية غردون التذكارية و كلية كتشنر الطبية و مشروع الجزيرة و السكة حديد و مطار الخرطوم و ميناء بورتسودان و النقل النهري في كوستي ومالية فيها ملايين الجنيهات الإسترلينية.
ورث الحكم الوطني تركة الإنجليز واجتهدوا ليبنوا عليها السودان المستقل أصابوا و أخطأوا.
ترك الإنجليز مشكلة الجنوب شوكة مسمومة في خاصرة السودان ليعاقبهم بها لأنهم تجرأوا و أجبروه على الخروج مكرها.
نشأ مصطلح الهامش حديثا وهو مصطلح سياسي عصري.
الهامش معنى وصف لمساحة يعني رقعة محددة و بها أطراف. هامش الصفحة الورقية يعني به العلماء المسلمون الشروحات الملحقة بالنص أو المتن. المركز هو الوسط و مركز الدائرة وسطها و هامشها محيطها. و يعني أن الوسط أو المركز و الأطراف أو الحواشي يكمل بعضها بعضا و لا ينفصلا.
شاءت أقدار الله أن يدخل الإنجليز السودان من مصر شمالا فاختاروا الخرطوم مركزا أو عاصمة و لو جاءوا من الغرب لاختاروا الفاشر أو الأبيض أو نيالا مثلا.
انشغل الحكام الوطنيون بالإدارة و السياسة أكثر من إدارة التنمية و الإقتصاد والعدالة الإجتماعية و لذلك نشأت الأحزاب نشأة خاطئة على أساس من يَحكم السودان و ليس كيف يُحكم السودان؟ و من هنا نشأت المشكلة المركزية الأبدية الصراع حول السلطة.
ورثت الأنظمة الحاكمة الوطنية التراث الإداري و المالي البريطاني و انشغلت عن البناء والتعمير و التنمية و توزيع السلطة و الثروة و العدالة الإجتماعية.
إستعار السياسيون السودانيون العنصريون الساخطون على طريقة الحكم الوطني المركزي و إهماله ، غير المتعمد ، الأطراف أو الأقاليم من مصطلح المركز و الهامش شعارا سياسيا لاقتسام السلطة و الثروة التي ورثها السودانيون من الإنجليز و لم يخططوها أو يبتكروها و لكن فات عليهم توزيعها بعدالة. هذا سلوك بشري عفوي لم يكن مخططا لسيطرة البعض على الآخر و ظلمه أو استعماره .
استغل الإستعمار هذا الشعار لتمزيق الوطن إلى قسمين مركز و هامش و ما تفرع من ذلك من مفارقات الفقر و الغنى، الرفاه، التهميش، التحضر و التخلف.
دفع هذا الوضع السلبي الموروث البعض إلى حمل السلاح للوصول لاقتسام السلطة و الثروة و ما نحصد ثماره المرة حتى اليوم بطريقة استنزفت الموارد الإقتصادية و البشرية و أثارت الفتنة و الإقتتال إلى يومنا هذا. استثمر إخوتنا في جنوب السودان شعارات الشمال العربي المسلم ضد الجنوبي الزنجي المسيحي أو الوثني و حملوا السلاح ضد أشقائه في الشمال و بعد الدمار و الخراب انفصلوا و كونوا دولتهم المستقلة. اقتدي بهم بعض الانتهازيين في دارفور و رفعوا شعار التهميش و المهمشين و حملوا السلاح يريدون الانفصال أو اقتسام السلطة و الثروة.
تسبب المنهج التعليمي البريطاني ، مباشرة أو غير مباشرة ، في ما نعانيه الآن و لا يتسع المجال لتفصيله.
نواصل بإذن الله.
تعليقات