نوح السراج يكتب: في الذكرى ال16 لرحيل الأستاذ الفاضل سعيد.

الخرطوم :مرايا برس

خمسون عاما من العطاء، ظل يردد دائما ولدت مسرحيا ولن أموت الا على خشبة المسرح
في العاشر من يونيو من العام 2005م وعقارب الساعة تشير الى السادسة مساء الجمعة في مدينة بورتسودان رحل عن دنيانا فارس وملك الكوميديا السودانية الفاضل سعيد , اثر علة لم تمهله طويلا حيث كان يعرض مسرحية ( الحسكنيت ) – في ذلك اليوم رحل الفاضل سعيد ورحلت كل الشخصيات النمطية التي كانت تحمل كل واحدة منهم موضوعا اجتماعيا قائما بذاته , استلهمنا منها الدروس والعبر , فقد كانت الشخصيات عبارة عن مدارس متحركة ننهل من معينها العلم والمعرفة , كل بطريقته المعروفة عنها , فغاب عن المشهد في تلك الليلة الحزينة العجب ولن نراه مرة اخرى وهو يمارس جدله الساخر مع سبل كسب العيش وغابت بت قضيم وسيرن الموبايل الذي اشتراه لها ابنها الضارب في الغربة والهجرة دون ان ترد عليه مستنكرة ( ابيت ) وغاب الشيخ كرتوب دون ان يعلن وصيته الاخيرة وغاب العم صابر وهو بين الدخول والخروج من والى الخشبة , خشبة المسرح – كل ذلك حدث بغيابك انت – انت المتعدد الحضور ايها المتوغل في فضاء المسرح حد الافراط في التأويل وحد التعب وانت تسعى نحو الاحتراف والمؤسسة .
الفاضل سعيد ضرار من مواليد امدرمان حي بيت المال , بدا الدراسة في خلوة الحوري ثم مدرسة الهداية الاولية ثم الاقباط الخيرية الوسطى ثم مدرسة جمال عبد الناصر الثانوية , فمدرسة الهداية وجد فيها استاذه خالد ابو الروس الذي كان يدرس الطلبة مادة الحساب واكتشف بالصدفة نشاطه التمثيلي بنادي الزهرة الامدرماني , حيث شاهده مع فرقة السودان للتمثيل الكوميدي فبهره يومها حتى تعلق به وتمنى ان يصبح مثله , وفي المدرسة الثانوية المصرية مدارس البعثة التعليمية وجد هناك امين الهنيدي واستاذ الموسيقي مصطفى كامل ومحمد احمد المصري المعروف ( بأبو لمعة الاصلي ) كل هؤلاء الذين التقى بهم كانوا سببا في ولوجه مجال التمثيل فتأثر بهم , وبعد النجاح الذي حققه كممثل من خلال العروض التي كان يقدمها الطلاب في الاحتفالات التي كانت تقيمها المدارس المصرية وبعد ان منحه الجمهور الذي كان يشاهد هذه العروض الثقة شرع في تكوين فرقة الشباب للتمثيل الكوميدي عام 1955 وضمت الفرقة محمود سراج ابو قبورة الذي جاء في مرحلة لاحقة وعثمان احمد حمد ابو دليبة وعثمان اسكندراني اضافة الى مجموعة من الفتيات , وقام بتسجيل الفرقة في مجلس بلدي امدرمان وكان مقرها نادي العمال الذي احتضن الفرقة التي خرجوا بها من جمهور الفرجة واطار الكشافة والنشاط المدرسي الى فرقة تقدم عروضها الخاصة بها . وهكذا انطلقت مسيرة الاستاذ الفاضل سعيد نحو المسرح.
*مؤشرات في حياة الفاضل سعيد…*
تأثر الفاضل سعيد كثيرا بأستاذه الراحل خالد ابو الروس بأدائه وشعره ومنلوجاته وقال عنه ابو الروس بالحرف الواحد انه الحوار الذي غلب شيخه تواضعا واعترافا منه بموهبته .
بدأ الفاضل سعيد حياته الفنية ممثلا تراجيديا للروايات التاريخية مع الرائد المسرحي الاستاذ ميسرة السراج في فرقة السودان للتمثيل والموسيقى .
*أشهر الاعمال التي قدمها…*
مسرحية ( اكل عيش ) التي كانت عام 1967 وهي مرحلة الانتقال الى المسرحيات ذات الفصول ومع بداية الانتشار وذيوع الاسم على مستوى القطر سافر في جولات عربية كان من ابرزها زيارته للقاهرة لتقديم مسرحية ( اكل عيش ) اول مسرحية عربية غير مصرية تصور وتبث من التلفزيون المصري وبعد 15 عاما سجلها لتلفزيون السودان ومن مسرحياته الاخرى ( دستور يا اسيادي – الكسكته – الفي راسو ريشة – بت الحلال – الناس في شنو – والكثير من الاعمال التلفزيوينة مثل سلسلة ( رمضانيات ) ومسلسل ( موت الضان )
اشتهر الفاضل سعيد بعدد من الشخصيات التي شكلت حضورا طاغيا على المسرح السوداني اشهرها شخصية ( بت قضيم ) الحبوبة الكبيرة – سليطة اللسان – الناقدة بذكاء لكثير من المظاهر والظواهر الاجتماعية الى جانب شخصية ( العجب ) وشخصية ( الحاج كرتوب ) وشخصية ( عم صابر ) وهي جميعها نماذج كاريكاتيرية حية للمواقف الناقدة الساخرة .
شق طريقه بعناء وصبر و مصابرة حتى اصبح رقما لا يمكن تجاوزه في تاريخ المسرح السوداني , وكان من اوائل الذين خرجوا بالمسرح من العاصمة والمجموعات الصفوية القادرة على ارتياد المسرح الى الاقاليم المختلفة حتى جذب اليه هذا الجمهور الذي اصبح يدعوه وينتظره ويتفاعل معه بحب وبعفوية وتقدير متزايد .
الفاضل سعيد اسم لا يمكن ان يتخطاه أي مطلع على مسيرة المسرح السوداني فهو بحق من استطاع الصمود على خشبة المسرح السوداني طوال 50 عاما من الابداع المتواصل بما يمكن ان يؤسس تيارا مسرحيا بل يمكن ان نقول هو التيار المسرحي الوحيد في السودان اذ ظل محافظا ومحتفظا بنمطه المسرحي الذي ظل مفتوحا على كافة التحولات الاجتماعية والسياسية التي مرت على السودان طوال ال 50 عاما الماضية وغرس خلالها هذا الرجل راية فن المسرح وتعهدها بالرعاية والاهتمام , وكان من جراء هذا ان قدم العديد من الاعمال المسرحية السودانية التي اثرى بها الساحة ومشاركا بها في صناعة وجدان درامي للانسان السوداني من ما يؤهل هذا الفنان الكبير الى ان يقال عنه انه صاحب تيار مسرحي متميز بل ولم يكتفي بان طاف على كل مدن السودان وقراه بل لاحق الانسان العربي بأن طاف على بعض الدول العربية وقدم على مسارحها فنه الراقي.
*الفاضل سعيد الشاعر…*
هذا فضلا ان الراحل المقيم شاعر متمكن وله ديوان من الشعر وأغان عاطفية اشهرها ( ابوي يا يابا ما تقول ليه لا ) التي تغنى بها الفنان الشعبي محمد احمد عوض ومنى الخير واغنيات اخرى تغنى بها الفنان عثمان المو ,كما كتب العديد من اناشيد الاطفال المسجلة بالاذاعة .
الحسكنيت أعلى دخل في تاريخ المسرح.
تعد مسرحية ( الحسكنيت ) هي المسرحية الابرز حتى الان في تاريخ المسرح السوداني التي حققت اعلى ايراد في تاريخ المسرح .
*علاقة الفاضل سعيد بنجوم الإعلام المصري..*
احب الفاضل سعيد ارض الكنانة وكانت له صداقات وطيدة مع الاشقاء في مصر وخاصة فاروق الجوهري والاعلامي فؤاد عمر .
شارك في بطولة فيلم ( رحلة عيون ) انتاج مصري سوداني مشترك مع محمود المليجي وسمية الالفي وامين الهنيدي وصلاح بن البادية ومن اخراج انور هاشم
*من أقوال الفاضل سعيد..*
ولدت مسرحيا ولن اموت الا على خشبة المسرح
بعد 50 عاما من العطاء أرغب في اتمام مسرح الفاضل سعيد لتمثل فيه الفرق ويكون مسرحا ومركزا ثقافيا لكل السودان وهذا ما احلم به وبعد ال50 عاما سأقدم العمل الذي اسعى له ولم ات به ان شاء الله .
امثل حتى آخر يوم وانا في طريقي الى مثواي الأخير حتى المائة عام – صدق أن الفاضل سعيد سيمثل الى أن يقع ميتا على خشبة المسرح وصدق انني كان بيني وبين الموت 5 دقائق حينما لزمت سرير المرض بمستشفى ساهرون ثم عدت للتمثيل – بعد ال 50 ان شاء الله لن اتوقف وستزداد المسؤليات تجاه ترشيد الأبناء وإزالة الإحباط الذي يعيشونه اليوم والصمود بلا شك يمكن ان يوصلك الى غاياتك .
الإذاعة أمي لأنني بدأت أتعامل مع أجهزة الاتصال الجماهيري عبرها وكانت هي صاحبة الفضل عليّ بعد الله في الخروج الى الناس بالصورة المرضية , ولفترة طويلة ظلت الاذاعة هي الثقافة السودانية فكل الادباء والفنانين يعود الفضل في انتشارهم للاذعة ورغم ما قلته الا ان الوسيط الوحيد الذي اجد نفسي فيه حقا هو خشبة المسرح ( انتهى ) .
ترك الفاضل سعيد برحيله عن هذه الدنيا فراغا عريضا في المسرح الكوميدي والذي لم يظهر حتى الان من هو في مثل موهبته وشعبيته وقد قدم للامة السودانية ماهو جدير بالإحترام – شارك الأمة همومها وقضاياها وقدم لها عصارة جهده وعمره وهو الأجدر بالاعتزاز عندنا , رحم الله الفنان الكبير المسرحي الفاضل سعيد رحمة وسعة فقد زرع الفرح والبسمة والضحك في القلوب فحصد محبة الناس .

تعليقات
Loading...