آيات وحكايات..

رحاب محمد عثمان.

القرآن الكريم هو الكتاب الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الفصل ليس بالهزل، فيه نبأ من قبلكم ، وفصل مابينكم.
القرآن ليس كتابا للتعبد فحسب ، بل للتفكر والتدبر.
وتحتشد سور القرآن بالكثير من القصص والحكايات ، من الأمم والقرون السابقة ، بعضها نزل تسرية للنبي صلى الله عليه وسلم ،وبعضها للعبرة والعظة ، (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ، وإن كنت من قبله لمن الغافلين )
منحني شهر رمضان فرصة للتأمل والتدبر ومدارسة الفرقان، وتقليب بعض كتب التفسير، فكنت أمر بكثير من الآيات  خلال تلاوتي وتذكرني بمواقف عديدة ، وحكايات شائقة، تنعش  فكري، وتحي موات روحي ، وتحرضني على التفكير ، وكثيرا ماترتبط عندي بعض الآيات ببعض الأشخاص ، وتذكرني بهم  ، فكأنني أسمعها لأول مرة.
وفي القرآن كثير من الآيات أنزلت في أناس عاصروا نزوله ، وإن لم يورد القرآن أسماءهم ،وهذا بعض  مااهتمت به علوم القرآن من تبيان أسباب النزول والمحكم والمتشابه،والناسخ والمنسوخ.
عندما نعي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان البعض حديثي عهد بالإسلام ، كادت تحدث فتنة، حتى الصحابة رضوان الله عليهم ، وفيهم عمر بن الخطاب لم يصدقوا وفاة الرسول ،كان موقف الصديق يومذاك بمثابة البوصلة التي حددت التاريخ نحو الرجل الذي سيملأ الفراغ الكبير الذي تركه الرسول صلى الله عليه وسلم عند رحيله ، وهنا تجلت حكمة أبي بكر الصديق، ورباطة جأشه، وثبات جنانه،  فقال : من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا  قد مات، ومن كان يعبد الله ،فإن الله حي لايموت، وتلا قول الله تعالى: (وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل،أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه ، فلن يضر الله شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين) آل عمران ، فقال الصحابة : فو الله لكأن الناس يسمعون هذه الآية لأول مرة، أما عمر فقد وقع على الأرض ،حين علم من كلمات أبي بكر إنّه الموت حقا !.
كان الرئيس الأسبق جعفر نميري ،كثيرا مايردد في خطاباته الجماهيرية ،موجهاً سهامه لمعارضي نظامه،قول الله تعالى:(وإذا قيل لهم لاتفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) البقرة
عندما رجحت كفة الإخوان المسلمين في الإنتخابات الرئاسية بمصر ، وأعلن عن الفوز الساحق لمحمد مرسي، صدر الطيب مصطفى  عموده زفرات حرى بأخيرة الصيحة بقوله تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا  في الأرض، ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين) القصص
د/ الصديق البخاري وزير التربية والتعليم السابق بالنيل الأبيض عندما  امتطى سيارة أحد المسؤولين السابقين  ، وكانت آلت إليه بعد إقالة ذاك المسؤول، طفق يردد قوله تعالى: (وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، وتبين لكم كيف فعلنا بهم) إبراهيم.
الداعية والعالم الراحل التجاني حسن الأمين، سمعته يقرأ قول الله تعالى في معرض حديثه عن الخيل ، في رواية عن سليمان عليه السلام: (ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق) سورة ص.
القيم على دعم  صندوق الشريعة الإسلامية الشيخ  الراحل أحمد محمد الحسن ،سألته في حوار قصير ،نشر بأخيرة السودان الحديث عن آيات يكثر تردادها فأجابني : قوله تعالى : (فلذلك فادع واستقم كما أُمرت) سورة الشورى . وكانت حياته بالفعل تجسيداً لمعنى هذه الآية.
” إنا كفيناك المستهزئين ” سورة الحجر، هذه الآية  استشهدت بها الزميلة الصحفية عفاف بابكر ، فنزلت على أنفسنا برداً وسلاماً  خلال الحملات الإعلامية للتصدي للرسوم الكاريكتيرية  الغربية التي استهدفت شخص النبي الكريم ، صلوات الله وسلامه عليه.
الزميلة والصديقة تهاني بشارة ،عندما يضيق بها الحال ، وكثرة التنقل بين المؤسسات الصحفية تجد عزاءها في قول الله تعالى: (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، واجعل لنا من لدنك ولياً، واجعل لنا من لدنك نصيراً)، فهل وجدت تهاني عزاءها وراحتها في الهجرة للإمارات؟!
أستاذة اللغة الانجليزية بمرحلة الأساس الزميلة رشيدة محمود ، تنصح زميلاتها المعلمات بقراءة قوله تعالى : “وله ماسكن في السموات والأرض”، وتقول أن هذه الآية شفاء للآلام والأوجاع العضوية.
إبن خالتي محمد الفاضل عباس كان كلما أمَّنا في الصلاة يقرأ خواتيم الكهف، دون أن يربطها بيوم الجمعة،وانتقل للرفيق الأعلى قبل أن يقرأ مقالي هذا.
وشقيقي مروان دائماً مايتلو خواتيم الزمر عندما يكون إماماً ، اما شقيقي الأصغر منتصر فيقرأ : من سورة النور: “الله نور السموات والأرض،مثل نوره كمشكاة…الآية”
سورة يوسف كلها تذكرني بعمي بابكر عثمان ، فقد كنا نتحلق حوله، ونحن صغاراً في الأمسيات،ويسرد علينا قصة سيدنا يوسف وعداوة إخوته ،والقائه في الجب ومكوثه بالسجن ، وتفسيره لأحلام الملك والبقرات السبع، وكانت هذه القصص تحلق بنا في سماوات الخيال والابداع.
رحم الله عمي عمر عثمان ؛فقد حفظت عنه منذ صغري:”ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ،وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”؛فقد كان يردد هذا الدعاء عقب صلاة التراويح ،في حوش  جدي الخليفة علي.
عندما قرأت كتاب رجال حول الرسول للمفكر الإسلامي خالد محمد خالد لأول مرة ، ولما ينضج فكري ، وتكثر قراءاتي،وجدت في مقدمته : (لقد كان في قصصهم عبرةً لأولي الألباب ، ماكان حديثا يفترى ، ولكن تصديق الذي بين يديه) انبهرت بهذه الكلمات ، وطربت لها ، ظننته هو من كتبها ، حتى وجدتها في سورة  يوسف.
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن، واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة.

تعليقات
Loading...