أفياء نحن والآخرون

صديقتي قدمت استقالتها غير نادمـة من المؤسسة المالية التي تعمل فيها, وكانت قد وصلت إلي درجة قيادية باجتهادها , ووضع مالي أقل مايقال إنه مريح وامتلكت بيتاً يحسده عليها الكثيرون … هاتفتني مرة وهي تجأر بالشكوي من رب العمل وظلمه لها ، ومالبثت أن سمعت باستقالتها , وتخليها عن كل ذلك النعيم !
المذيعة المشهورة التي منحها الله كل ماتشتهي وترغب : مال وجمال وأسرة مستقرة وأبناء نجباء , حدثتني مرة عن مشاكلها في العمل وتآمر زميلاتها عليها , واستهداف زملائها .!
كثير من الناس إعتاد على الشكوى والتبرم من كل ماحوله ومن حوله حتى تقول ان لا شيئ يعجبه أو يثير إهتمامه قلت لنفسي :
كل من لاقيت يشكو دهره ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
أحد أقربائي مدير لشركة صغيرة وتحت إمرته عدد من الموظفين كان يشكو باستمرار من كثرة الأعمال والأعباء التي تثقل كاهله ، وأنه لا يجد وقتاً لقراءة الصحف أو مشاهدة التلفزيون وكنت وقتها قد فقدت وظيفتي كرئيس تحرير لصحيفة (نون) بعد توقفها ، والفراغ يقتات أيامى ، فأنشدت أبيات العقاد الشهيرة: وخال يشتهي عملاً * وذو عملٍ به ضجرا
ورب المال في تعب وفي التعب من افتقرا
شكاةٌ مالهم حكمٌ سوي الخصمين لو حضرا
فأطربته هذه الأبيات وأصبح كثيراً مايتمثل بها.
كل منا لا يرضى بواقعه ويتطلع لما في يد غيره وفي ظننا دائماً أن ما مالدى الآخر أفضل مما لدينا وأشار لهذا أحد المفكرين بقوله (الآخرون هم الجحيم) وأشار القرآن الكريم لهذا في أكثر من موضع وآية: ( ولاتتمنوا مافضل الله به بعضكم على بعض) وبعض الناس يعتقد أن إبداء الشكوى وإظهار التسخط به ضعفٌ وخور واستكانة ويقولون كما يقول كامل الشناوي:
أنا لا أشكو، ففي الشكوى انحناء
وأنا نبض عروقى كبريـاء
تصوراتنا عن الآخرين دائماً مثالية وتجنح للخيال .. فهم أكثر منا سعادةً , وهم أفضل منا في كل شيئ .. ونحن دائماً في حالة مقارنة ومفاضلة بيننا والآخرين مرده عدم قناعتنا بما بين أيدينا وتحت أبصارنا !!
والروشتة يقدمها علماء النفس والفقهاء أن تنظر إلى من هم دونك ، ولا تنظر إلى من هم فوقك ،وتتأمل ما أنت فيه من نعمٍ ظاهرة وباطنة ،وتحمد الله عليها وتحمل معك زاد الصبر , وانتظار الفرج والدعاء .

تعليقات
Loading...