أميمة عبدالله تكتب:إليه.. إلى ياسين.

الخرطوم :مرايا برس

تحياتي يا ياسين
انتهى العيد، عدنا إلى بيوتنا بعد صلاة الظهر مباشرة إذ لا شئ نفعله ، الحر كالعادة على حاله القديم الذي تركته ، تكاد الشمس أن تمشي بيننا ، الحر يطفئ الحياة و يبطئ الحركة
هذا غير أن القرية اصلا ليست بحاجة الى حر كي تسكن ، لقد اكتسبنا في الفترة الأخيرة عادة الحزن وعدم اللامبالاة ، صرنا لا نكثرت للسعادة ولا لمحفزاتها و لا لأخبارها ، ولا نتحسسها
لا نفرح لعرس ولا لعيد و لا لولادة جديدة
لماذا يصبح الإنسان هكذا؟
هل لأننا تقدمنا في العمر وصار سكان القرية كلهم عجائز ، أم لأننا بعيدين اصلا عن ضجيج المدن و اخبار البلاد الكبيرة أم لأن كل البلاد حزينة أم لأنه ومنذ أربعين عاما لم يحدث لنا شئ هو ذات الظلام الذي انجبتني أمي فيه وهو ذات مصباح الزيت وهي ذاتها غرف الطين والبيوت التي بلا سور وهي ذاتها المسافات التي قطعتها جدتي قديما ومن بعدها أمي ومن بعدهما أنا لجلب الماء
هو ذات الحفير القديم والدرب والأشواك والخوف من العابرين الغرباء
أعرفت يا ياسين لماذا انتهى العيد سريعا
لأننا لم نعد نشعر بالفرح
هكذا ، لم نعد نشعر بشئ
دخلنا إلى بيوتنا مباشرة بعد صلاة الظهر كأن الدنيا ليست عيد ، ما يدهشني هنا مقدرة الحزن الخفي على الإختباء بين الصدور زمنا طويلا حتى أننا اعتدنا عليه
هذا العيد بالذات لم نخبز فيه الكعك المحلى بالسكر ولا بسكويت الشاي، كل البيوت لم تخبز.
عم حسن ، هل تذكره ؟
نعم أنه هو ذاته صاحب دكان القرية الوحيد ، قال ان أسعار السكر والدقيق في المدينة الكبيرة أصبحت تفوق مقدرته المالية مائة مرة أو تزيد ، عليه أصبحت القرية بلا دقيق ولا سكر ولا زيت ولا حتى كمون
الناس أيضا لم تشتري لصغارها ثياب ولا مفرقعات التسلية لذلك رجعنا إلى بيوتنا باكرا واكتفينا بصلاة العيد مع الشروق
طبعا ليس في بيتنا صغار يا ياسين ، أخوتي لم يرجعوا منذ رحيلكم ذاك و أنا لم اتزوج ، دخلنا البيت أمي وأنا
الحمد لله أن في دكان عم حسن وجدت ورقة وقلما ، وهو يمد لي القلم مازحني قائلا
خطاباتك هذه لن تصل إلى ياسين، لا تتعبي نفسك
ومن قال أنني اكترث إن وصلت أو لا
أنا اكتب لك لأن لا شئ أفعله ولدي الكثير جدا من الوقت
ولأن الملل لا يطاق
الكتابة تبعد عني شبح الموت، مات الكثير جدا من أهل القرية ، من الجيران وجيران الجيران ، أخبار الموت أصبحت قريبة من بعضها
هل شاخت الحياة وأرادت أن تتخلص منا قبل الختام
على العموم يا ياسين
كل سنة وأنت بخير
نسيت شيئا
لأن الخطابات تذهب الى المدينة بلا ظروف أقول لكل من قرأ خطابي هذا صدفةً أو فضولا
#كل سنة وأنت بخير.

#سمرا

تعليقات
Loading...