أميمة عبدالله تكتب :في الثلاثين من ديسمبر

الخرطوم :مرايا برس

الخرطوم :مرايا برس 

ليس لأن هذا هو التاريخ الحقيقي، فالتأريخ الحقيقي هو عمر ينتظر على الرصيف مرور القطار لنرتقيه مودعين الرفاق نصعد اليه حاملين معنا مئات القصص والحكايات ثم لا نعود.
منذ يناير ٢٠٢١ و حتى ديسمبر تسربت الشهور كما يتسرب الماء من الغربال دون أن نشعر بها. مضت. اخذت معها عاماً من أعمارنا و الكثير جدا من طاقة الجسد والعقل وأفراح الروح
انتهى ديسمبر. تسرب بهدوء وسط كثافة الأحداث ، انتهى وكلنا انهاك وتعب.
الحناجر والقلوب والأجساد والشوارع و البيوت ، البلاد كلها متعبة.
تعبنا من إنتظار الغد، وأخبار الغد التي لم تأتي طيلة العام ، تعبنا من تكرار السؤال والترقب. ماالذي سوف يحدث؟.
من سيبقى ومن سيغادر؟.
و كأن الأنفس معلقة بالأجابة
تحولت البلاد إلى بيت عنكبوتٍ كبير واهنٍ، ضعيف، تتقاذفه رياح اللامعقول.
حدث ما لم يكن محسوبا ومتوقعا.
فارقنا الأحباب والأصدقاء ليس لأن الإتصال لم يعد ممكنا بل لأن العزلة والإبتعاد صارت هي الغالبة.
زرنا أمكنة ما ظننا يوما اننا قد نراها وجلسنا إلى اشخاص ليس همهم من الدنيا إلا ان يجدوا على ضرع العنزات لبن في الصباح.
لم يسمعوا بأحد ولا همهم سؤال ولا إجابة ، حياتهم تنطفئ مع المغيب و تبدأ عند الشروق.
ختمنا العام بيقين ان البعض لابد و اننا مفارقيهم و ان الدرب طويل و بلا دليل و لا نجمة هداية.
صارت سمة القلب هي الحزن
عاماً مضى ، تغير شامل و شبه كامل.
انتهت حكايات كانت معلقة وستبدأ حكايات جديدة ، قبرنا في القلب أحلام وأسرار وحكايات وعتاب وخطط من سكر كان عشمنا ان نختم بها العام.
وبعض المشاعر تمضي ولا ترجع و إن رجع أصحابها.
قصص نسيناها في غمرة سرعة الأيام. حياة الكثيرون منا تغيرت تماما ، طرأت عليها احداث بدلتها فتبدلوا.
عاماً آخر، والشوارع مازالت ملتهبة، والمدن فقيرة والمواسم تشتهي ماء الري.
صار للوطن وجه واحد فقط
وجه الترقب والحذر و ضباب الرؤية.
بعضهم وكعادة الدنيا اذاقتهم مرارة الفقد والموت وهجرة الأوطان، وترك الديار، بنوا ديارا أخرى في بلاد أخرى دون إلتفاتة حنين.
تخاصم الكثير من الناس وشتموا بعضهم بعضا ، اصبح سوء الظن ببعضنا هو المقدم والحاضر ولا احد يذكر أحد بالخير من خلفه
صارت للحقيقة وجوه ووجوه
صارت أماني الصغار خيمة وغطاء وقطعة خبز.
ما عادت أمانيهم فستان العيد ولا كلية الطب.
صارت اماني الوطن إتفاق وتوافق سياسي. اتفاق فقط، اتفاق بلا احتفال واضواء وعندما ينعدم القادة تكون الأحلام ورقة إتفاق.
اليمن لم يعد سعيدا و سوريا ما عادت قبلة السياحة و الشام كلها فتن والسودان إلى المجهول هذا المجهول الذي نستشعره بكثير من الخوف والحذر.
والغلبة في ليبيا للمرتزقة والعالم كله يحبسه فيروس لا يٌرى
لم تعد للأسفار تلك اللهفة وذلك الشغف.
انطفأ بريق العيون، ولم تعد الأيادي مفتوحة للشوق ولا الأحضان يرجفها لقاء الأحبة
صارت الافراح تمر ولا تجدنا
ياللدنيا و تقلباتها
عاما مضى ملئ بالخوف والأحزان وأخبار الموت وخذلان الأيام.
قصص طبعت على القلب، ودموع تراكمت وأفراح تأجلت، ولكل منا حكاية خاصة مع العام ٢٠٢١م.
عاما لم يكن مثله، تغيرت فيه خطط المستقبل، وعلاقات الناس ببعضها والعاب الصغار ومزاج الكبار.
صرنا اقل تواصلا و فضلنا عدم الخروج إلا للضرورة و حلت الهواتف مكان المواصلات في التواصل.
ما كان رخيصا ومتاحا أصبح ليس في المتناول.
لم تعد الضحكة للفرح بل صارت مجرد ابتسامة حزينة نرسمها على الوجه.
اتسعت دائرة الظلم والفقر والقهر و تعددت أوجه الذل وتجّملت الخيانة لأهلها وصرنا نبدل مواثيقنا لبعضنا كما نبدل الأحذية بكامل البرود واللامبالاة
صار للألم نبضا تحسه في اعماق قلبك.
و قلب الوطن مثقوب و رئته مخنوقة.
الحمد لله حمد رضا على ستره الجميل طيلة العام.
يا ليتني أعود لعوالم روايتي والكتابة من جديد أعود للبحر وأسراره، والساحل و دفئه، وللصيادين وأُنسهم عند المساء وسمرا ويس وضوء الفنار البعيد.
أعود لمدينة سواكن و عوالمها الإستثنائية ورائحتها المشبعة بالقِدم..

تعليقات
Loading...