إبراهيم الإعيسر يكتب دراسة نقدية في رواية (دائرة الأبالسة) للروائي السوداني (محمد الخير حامد).

الخرطوم :مرايا برس

القراءة للنوعية الأدبية التي تتناول قضايا سياسية وطنية تحتاج في البدء أو قبل الشروع فيها إلى معرفة (بهوية الكاتب) ومعرفة بالتاريخ السياسي لبلد الكاتب وبالطابع العام للمجتمع والخاص للشخصية من وطن الكاتب (بل على القارئ أن يكون له معرفة شاملة بكل ما يخص وطن الكاتب) فالكتابة الإبداعية من ما هو متفق عليه ومتعارف عليه نقدياً (لا تكتب بلغة مباشرة أو تقريرية (صحفية) ) لذلك في العمل الذي توظف فيه اللغة لأغراض جمالية داخل حيز اللغة نفسها (التلاعب باللغة) يتأكد لنا الأتي: أن كل ما اتسعت دائرة القارئ المعرفية بينها اتسعت قدرته على (تفكيك) النص الإبداعي بالمقابل ، أي (تفكيك اللغة أولاً التي يتفكك معها خطاب النص ومحاوره أو أبعاده الأخرى بالمقابل) – وشعر بالمتعة التي يصدرها الأدب عبر اللغة خصوصاً – ففي (دائرة الأبالسة) من خلال الصفحات الأولى يستطيع القارئ العارف مثلي بهوية الكاتب أن يحدد من خلال أحداث العمل: الرمزية إلى (البيروقراطية) داخل المؤسسات السودانية ، كما يستطيع أن يحدد الزمان أو التاريخ الذي وقعت فيه الأحداث (وهو تاريخ دولة الحركة الإسلامية أو الإنقاذ 1989 – 2018) ، وحينا تمر علينا ذاكرة (الإنقاذ) إذا كان لنا موضوعية تجاه حركة الأدب لا بد أن نعير النظر إلى وجه الأدب السوداني بين دولة (الإنقاذ) إلى أنه كان (أدب مقاومة) للسلطة الحاكمة ، أي من النادر جداً في أن يأخذ الخطاب الأدبي بين الأدب السوداني توجهاً مغايراً لتعرية فساد النظام الحاكم.. وهذا ما نسميه (أدب مرحلة) تسقط فعاليته مع سقوط المرحلة.
لكن ربما أن اللغة (الصحفية) أو (التقريرية/المباشرة) التي وظفها الكاتب في السرد بين أحيان كثيرة ساعدت على مستوى الفهم بصورة (مباشرة) لا تحتاج إلى تلك المعرفة الشاملة (هي في حد ذاتها معرفة/لا تصحبها رمزيات سامقة أو عالية يغيب معها النص) وافترضت لها محاكمة أدبية روائية عبر الأدوات النقدية الجامدة (من الجيد أن توظف المباشرة في الحوار).. فمن وجهة نظري الخاصة أرى أن الأدب الذي نصنفه أدب (مقاومة) لا يمكن أن نعيبه من حيث (المباشرة/التقريرية) في مرحلة أثناء (المقاومة) نفسها ، بل أعتقد أن في ذلك التاريخ من الواجب الوطني وليس الإبداعي حتماً (أن نحارب السلطة الديكاتورية بأي شكلاً كان) إن كان لنا إنحياز خطابي ، لكن ما بعد حراك (المقاومة) يمكن أن نفتح محكامات في ذلك بالعين النقدية الملتزمة..
لذا أقول بأن اللغة في (دائرة الأبالسة) لم تؤدي وظيفتها الجمالية ، بل اهتمت (بمأولفيتها) الصحفية لغرض إسترسال الخطاب الأدبي الذي يمثل مضمون (المقاومة) عبر سلاح (الكلمة/اللغة المتداولة – المتعارف عليها) ، لتتحول في ذلك بنية العمل إلى (حكاية) أكثر من كونها (رواية) وما أضاف لها ذلك أكثر إستخدام صوت (ضمير الغائب) الذي من العادة أنه يتداعى أو يتماشى مع (الحكاية) ، أم في العموم قد نقول أنها إهتمت بالوجه (الظاهر/الخارجي) للشخوص (تسطيح أو سطحية الشخصيات) ولم تتطرق إلى تفاصيل النفس البشرية من الداخل (غياب المنولوج) – كنموذج بسيط معاكس لصورة (المنولوج) ورد على صفحة رقم 54 (كانت تتحدث وتجتهد في محاولات متصنعة لإصلاح وضع طرحتها التي سقطت من كتفها أكثر من مرة – وتلك عادة تتجلى فيها الصورة الخارجية للمرأة السودانية – كما أنها فرضت إهتمامها الأكبر بالمسكوت عنه حول نظام أو (بيروقراطية) المؤسسات الحكومية السودانية ، ومن ناحية أخرى حول تصوير شخوص النظام المؤسسي الذي لم يلزم فيه الراوي بالدقة الكافية ليجعلهم (أحياء) يذهبون بقدمين. إهتماها الآخر بالتشويق والحبكة الذين أتقنتهما بشكل جيد والمحاولة الترميزية التي فشل فيها الكاتب بذلك العمق المتوقع لشرور الشخصيات (البيروقراطية).
في الحقيقة العمل فاقد للكثير من من التقنيات أو الأدوات الإبداعية الكلاسيكية والمجربة حديثاً: أي أن السطحية التصويرية سيطرت عليه بخلاف (سطحية الشخوص) نشير إلى (سطحية: المكان/البيروقراطية في تأثيرتها الخارجية/الدهشة/العمق الفكري (مثل أنسنة المكان عند عبد الرحمن منيف) والفكرة المجنونة عند (جورج أوريل) في أنسنة الحيوانات، والرمزية العالية في المفارقات الإنسانية عند (الحبيب السالمي) ).. فأعتقد أدب (المؤسسات) وأدب (البحار/البحارة) أو الأدب الذي يتحيز أمكنة ضيقة يحتاج إلى حس سينمائي عالي لإستعارة مادة خام يمكن أن يبني منها الكاتب شخصياته الأدبية حينا تتحدث بلغة جسدها وعيونها وتخوض ثورتها داخلياً (فالكلمة ليست كافية وحدها لتترجم النفس البشرية بشكل شمولي(داخلياً وخارجياً) ، أضف إلى ذلك أن (الحوار) الذي أتى (بالفصحى) هو ما أنفى عن الشخوص ((مصداقيتهم)) عند القارئ العارف (المحلي) في عمل نصنفه في (إطار أدب الواقعية) ، ذلك بعكس أعمال محلية عديدة رغم تعدد الشخوص وإختلاف لغاتهم ولهجاتهم بينها إلا أنها وظفت كل لغة وكل لهجة أمام هويتها من الشخوص…….الخ.

تعليقات
Loading...