إن شاء سلامة يا سنجة..

أميمة عبدالله

لم نخرج من ديارنا بطوعنا
ولا غادرناها بإرادتنا
خرجنا منها مكرهين
كيف يمكنك أن تؤاسي شخصا فقد كل ما يملك خلال نصف ساعة ؟
ماذا يمكنك أن تقول له وانت تصافحه و قد فقد سنوات عمره عند منتصف الليل بعد أن وجد النيل للبيوت مسارا وشقا وسط التروس العالية ؟
لا كلمات بحجم الحدث ، كل ما ستفكر بقوله ساعتها سيبدو لك نوعا من السذاجة والعبط
الكوارث بعد أن تقع ، سيعلم الناس آلا بد من مواجهتها ،
و أنه مع وقع الحدث العظيم و المفاجئ لا خيار أمامهم غير الصمود
رغم الذهول من هول المصيبة كانوا يصافحوننا شاكرين لنا المجئ وكنت اصافحهم بكثيرٍ من الحياء أمام صبرهم
الجميل
تسرب النيل إليهم بعد منتصف الليل فلم يكن أمامهم غير الخروج السريع و حمل الأطفال و مساعد النساء و حثهم على سرعة الخطى
وكيف تسرع النساء الخطى و مملكتهن الخاصة تجتاحها المياه !؟
والمرأة أكثر ارتباطا بالبيت من الرجل، ملاذها ومكان آمانها و أسرارها ، انها الآن تتركه دون التفاتة وداع و لا وقت كان لنظرةٍ أخيرة
البيت للمراة و أطفالها وطنهم و سِترهم ، والنيل ساعة فيضان هتك الستر مخلفا الحزن العميق
وبعض الأحزان أكبر من الدموع ، وبعض الصدمات أكبر من أن نبكيها
أن شاء الله سلامة يا سنجة يا مدينة الخضرة والألفة ،
تحولت مئات الأسر إلى ماؤي جماعي في المدارس والداخليات الجامعية ، النساء في الداخل والرجال تحت الأشجار في الشارع ، وتحول الشارع إلى صالون عريض لإستقبال ضيوف المدينة القادمين بالدعم والإسناد
و صارت الشوارع هي البيوت الجديدة
والكل مذهولٌ من النيل والحدث
تحولت المدارس في لحظات إلى مدن سكنية جماعية لا خصوصية فيها و لا راحة
وصارت الوسادة تحمل ثقل الجبال هما ،
و صارت القلوب وكأنها مناحة طويلة صامته،
وتحولت النظرات إلى سؤال كبير يحاول اختراق الفضاء البعيد
ثم ماذا يا أقدار بعد ذلك ؟
و المحن العظيمة تحتاج إلى أيمانٍ ساطع ويقين راسخ ،
وأعود للحيرة وانا أمام ملجأ لحوالي مائة وخمسين أسرة
ماذا يمكن أن يقال أمام امرأة خرجت بثوبها من بيتها
أو أمام عروس أخذ النيل ثوب فرحها
أو أمام طفل حاف لم يتمكن أبوه من أخذ نعالٍ يلبسها في الصباح ، فالهم وقتها كان النجاة
إن العبء على الحكومة عظيم والامتحان عصيب والخريف قد يطول لشهرٍ أو يزيد،
فهل تستطيع الحكومات الولائية تحمل المسؤولية؟
هل تستطيع وضع خطة بعيدة المدي لجبر الضرر الذي أصابها ؟
هل تستطيع مساعدة مئات الأسر لبدايةٍ جديدة ؟
هل تستطيع مد يد العون لمئات الرجال المثقلين بالهموم؟
أن شاءالله سلامة يا بلادي بيد أن نور الأمل بدأت تحجبه عنا الظنون ، وأن حديث النفس يبشرنا بطول درب الصبر،
وان تلك الأسر تنتظرها ليال طويلة من الأرق وأن البلاد اتعبتها المحن و تعاقب النكبات.

تعليقات
Loading...