عثمان جلال يكتب: الثورة السودانية والتطبيع مع إسرائيل.

..

(1)
لعل الباعث الاستراتيجي الذي دفع المحور العربي المعادي للديمقراطية وثورات الربيع العربي بقيادة السعودية والإمارات للتخلي عن الرئيس السابق عمر البشير،والعمل على ازاحته بالتوافق مع بعض النافذين داخل بنية النظام السابق، هو رفضه قطع العلاقات مع المحور التركي القطري، وإقصاء قيادات الحركة الإسلامية من التنظيم السياسي، ومؤسسات الحكم،ورفضه التطبيع مع إسرائيل، ولكن الرئيس البشير اختار المناورة بكل هذه التناقضات في العلاقات الخارجية، مع اضعاف وتدجين التنظيم الإسلامي الوطني وحاضنته الاجتماعية، كما وأد كل مبادرات الإصلاح والتغيير داخل حزبه، ولم يتعاطي بوعي استراتيجي مع مبادرة الحوار الوطني لتحقيق الهبوط الآمن والانتقال الديمقراطي المستدام،حتى سقط نظامه بتلاقي إرادة المجتمع السوداني الصلبة مع إرادة الأقلية النافذة داخل نظامه والمصانعة للمحور العربي المعادي لثورات الربيع العربي والمشروع الديمقراطي. والعميق الصلة باسرائيل والإدارة الأمريكية الشعبوية بقيادة دونالد ترامب.وهذا التحليل ينم أن تيار الثورة المضادة المتربص بالثورة السودانية هو الأكثر قوة وفاعلية، وان كان ذلك كذلك فهل تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية يصب في تحقيق أهداف وشعارات الثورة السودانية؟؟ وهل التطبيع مع إسرائيل سيعزز مشروع الدمقرطة واستعادة نظرية الحكم والنهضة للمجتمع السوداني؟؟ وهل ستنقل لنا إسرائيل تجربتها في الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات؟
(2)
ان صناع القرار الاستراتيجي في الدولة العبرية يدركون أن هزيمة وجلاء اليهود من المنطقة العربية والإسلامية تم في مرحله الوهج الحضاري الاسلامي خلال عهد دولة النبي صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة عندما تلاقت وتماهت إرادة القيادة العليا مع إرادة المجتمع فكانت الخلافة قوية والمجتمع قويا، ولكن عندما تحولت الدولة في المنطقة العربية إلى استبدادية وتعازلت إرادة القيادة عن إرادة المجتمعات تمكن اليهود من إقامة دولتهم عام 1948، ولذلك فإن استمرار الدولة العبرية وضمان تفوقها الاستراتيجي على دول المنطقة يرتكز على استمرار أنظمة وثقافة الاستبداد داخل الدولة العربية القطرية، فالتطبيع مع إسرائيل اشبه بتحالف الهاربين، لان النظام العربي الاستبدادي ينزع عبره للاستقواء بإسرائيل وامريكا لقهر وبطش اي اتجاه لثورات شعبية داخلية، واسرائيل تنزع من وراءه فرض رؤيتها الايديولوجية للسلام مع الفلسطينين، وتطمح لدمجها في مشروع الشرق الأوسط الجديد، مع ضمان طليعيتها في هذا المشروع.
(3)
ان التطبيع مع إسرائيل لن يحقق اي مصلحة لمشروع الثورة السودانية،على المستوى التكتيكي والاستراتيجي، لأنه سيزيد من هوة الاستقطاب الحاد بين التيار الإسلامي الوطني بكل مدارسه الفكرية، وتحالف قوى الحرية والتغيير، وكذلك سيؤدي إلى شرخ سيتطور إلى انشقاق داخل تحالف قوى الحرية والتغيير مما يعزز من اضعاف المكون الثوري المدني، ويزيد من قوة تيار الثورة المضادة، وعلى البعد الاستراتيجي من المرجح أن تعقب عملية التطبيع مع إسرائيل اجهاض الثورة السودانية والانقلاب عليها وصناعة نظام استبدادي جديد.
(4)
إن التطبيع مع إسرائيل يستهدف بصورة استراتيجية ضرب وإضعاف القوى السياسية السودانية الثورية والمتمثلة في التيار الإسلامي الوطني بكل تجلياته الفكرية، والتيار اليساري بكل مدارسه، وبما أن المصايب يجمعنا المصابينا فإن هذا التحدي مدعاة لبناء وتشكيل تحالف استراتيجي بين هذين التيارين هدفه تجاوز التناقضات الفكرية والتركيز على قضايا البناء الوطني لصيانة مشروع الثورة السودانية الديمقراطية من غاشيات الثورة المضادة الداخلية والخارجية.
(5)
إن الأولوية الاستراتيجية لمشروع الثورة السودانية ليس التهافت للتطبيع مع إسرائيل، بل ينبغي أن يركز على ضرورة وحدة وتماسك السودان من خطر التمزق والانهيار، وإنقاذ مهام المرحلة الانتقالية، وإنجاز مشروع التحول الديمقراطي المستدام، وهذه التحديات الداخلية لن ننجزها الا بالإرادة الوطنية الغلابا، وعزم الرجال القادة، وتجاوز الثنائية المضرة والمتمثلة في ضمير (الأنا المتوهم أنه أب وصانع الثورة ) والآخر المتوهم في الضمير ( هم الثورة المضادة ) ، وتشكيل تحالف وطني جديد في كتلة تاريخية كبرى، ينهي ثنائية (الانا، وهم)، ويستوعبها داخل الضمير الوطني الجمعي وهو (نحن كلنا أبناء السودان صناع الثورة، وحراس الثورة من خطر الثورة المضادة الداخلية والخارجية حتى تستوي الثورة السودانية على جودي شعاراتها العميقة والنبيلة، حرية، سلام، وعدالة)
وقديما قال المتنبئ ومن قصد البحر استقل السواقيا.

تعليقات
Loading...