الرفيع بشير الشفيع يكتب : الى الأستاذ بكري عبدالرازق مع التحية

الخرطوم :مرايا برس

أحيانا يصيب المرء بعد فوات الآوان، لكن الجهر بالحق من سمات المتقين، في كل زمان ومكان.

اولا أحيي فيك العدل والقيام عليه (قبيل فوات الأوان)، واحييك فيك اكتمال الوعي، الذي حملك للمنافحة عن المؤتمر الوطني الذي لم نسعد يوما بعضويته، هذه المنافحة نتعشمها فيك، وذلك الوعي الذي كنا والله نظنه فيك منذ أن فاحت رائحة الظلم من أصحاب المشروع المدمر، وكنا ننتظره منك منذ ثلاث سنوات او يزيد، ليس انصافا للمؤتمر الوطني فحسب انما انصافا لكل الوطن ، لكن يبدو أن الوعي قد اكتمل عندك بإعتبار أن المشروع العلماني ، الصهيوني؛ العملائي الماحق ، هو محق للوطن كله وسحق لمشروع الإسلام ودك لأخلاقنا وقيمنا، أحييك يا أخي وأبارك لك هذا الوعي وأحييك فيك هذه الشجاعة الباهرة والخطابة الماهرة والمهنية العالية التي جعلتك ترفض الباطل وتؤوب للحق، في زمان تعتبر الأوبة للحق فيه ، باهظة الثمن، باهظة معنويا ومكلفة انتمائياً ، وهي والله ، صعبة وثقيلة جدا إلا على المتقين، وهذا الزمان يا أخي ثقل اللسان، وخّف الجنان وخاب البيان وتوطأت الرؤوس أمام قول الحق والجهر به، لأن الحملة على الحق كانت عظيمة والهجمة كانت مخيفة والتخطيط للمشروع العلماني كان دقيقا وخبيثا، بحيث خدع حتى أصحاب الحِجى وسلب من أهل العقول عقولها، وشيطن الجنان، وغيّب العقول وغبّش الرؤية حتى على أهل الحل والعقد وأهل الدين واليقين وزاد الجاهلين جهلاً والمرجفين إرجافاً والخائفين خوفا والخائبين خيبة والحاقدين حقدا.

الآن وبعد خسارة عظيمة للمشروع الإسلامي امام المشروع العلماني الإلحادي، هذا المشروع الذي لا يفرق بين من هو مؤتمر شعبي ومن هو مؤتمر وطني او أي مسلم او وطني في السودان ، لا أريد أن أقول لك قد فات الأوان، ولكن أن تأتي متأخرا خيرٌ من أن لا تأتي. ( وعقبال البقية).

الآن القضية أكبر من وطني وشعبي وحزبي وحزبك، وقد استبان فعلا ظلم المشروع العلماني ليس على المؤتمر الوطني فحسب ، فقد تم ظلم السودان كله ، ودمرت مؤسساته ومقدراته، ومشروعه الوطني، وأهينت كرامة السودان، واستبيحت سيادته وتم ابتلاعه بإستعمار جديد وقد ضلت فيه البوصلة وفُقد الأمان وقد (راح السودان شمار في مرقة)، وقد إهترأت الأخلاق وخابت القيم وغابت العقول وضاعت الحكمة وتحركت الأرض تحت اقدام الناس وخفت قلوبهم، وأفرغ السودان ( الشمالي والمركز) من أهله من اثنية معينة وفق مقاصد مشروع الأفرقة ، وقد اتسعت الشقة وبان الفتق، وبلغت القلوب الحناجر، وقد جفّت شفاهنا وضاعت أصواتنا وبحّت، ونحن نقول لكم يا اخواننا في الشعبي، الموضوع أكبر من تصفية حسابات وأكبر من مفاصلة، ومن قلنا لكم ولغيركم أن الذئب يأكل من أغنامنا القاصية، وكم قلنا لأصحاب المشروع ( أيها العير انكم لسارقون) بل كم تعشمنا في مثلكم وفي قيادة ورثت حكمة الشيخ الترابي أن تنهض بهمم الناس وأن تستنهض الجميع وأن تتولى زمام المبادرة حكمة وعدلاً وتعقلاً وعقلاً لجمع صف السودانيين كل السودانيين، لكن للأسف استهوتهم ولائج الشيطان من بعض قادتكم، وقد صمت أهل الحق فيه عن الحق ، ورموا للمرجفين في الحزب ،الحبل على القارب، حتى خبا نور الوطن وحتى كبا حصانه، وحتى ضاعت هيبته وحتى تمرغ أنفه في التراب وأؤلئك الحفنة من القادة، يوسعون الشقة كل يوم بين الناس ويلعبون دور إبليس، ويتقمصون لسان أعداء الله ويوغلون ويلِغون في دماء إخوانهم، حتى بان عوار المشروع وانفضح المخطط وانكشفت عوراته.

المؤتمر الوطني والذي لا اتحدث بلسانه لأنني لست عضوا فيه، لكني أظن أنه ومنذ اربع سنوات، أو يزيد قد زهد في دنيا السياسة في السودان، وقد ترك كل آماله في المشاركة في الحكم، وخلع عنه تاجه، ونبذ الجلوس على الكراسي، ليس لأنه لا يستطيع العودة للحزب، لكنه إنشغل بأوجاع الوطن الكلية ولأنه أدرك قبل هذه الثورة البلشفية أن المخطط جد عظيم وأن التمسك بالكرسي ليس مجدي ولا يسد الثغور، وأن المؤتمر الوطني وحكومته كان الأجدر والأقدر على عطن شوارع الخرطوم بدماء هؤلاء، وهو القادر على تلقينهم درسا عظيما ومحوهم من الوجود، لكنه لم يفعل، وأظن أن قادته بوعيهم ووطنيتهم وتدينهم وحكمتهم أدركوا أن الرياح العالمية المدمرة والظالمة، الآتية من الخارج وليس من الداخل كما يصوره الكاذبون، وأن المشروع والمخطط الخارجي الذي يستخدم غافلي الداخل، كان وما زال مشروعا كبيرا على كل السودان، وأكبر ألف مما يصوره لنا اصحاب المشروع من العملاء على أن مصيبة السودان تكمن في ابعاد الوطني او بقائه ويشغلونا بذلك عن جرائمهم الاكبر التي سلمت السودان ( صرّة في خيط) للأستعمار الماثل، فالأمر أكبر كثيرا من مؤتمر وطني او غيره.

الظلم الذي وقع على المؤتمر الوطني ليس لأن الوثيقة الدستورية لم تنصفهم، أو ليس لشبق المؤتمر الوطني او شفقتهم واشتهائهم الرجوع لكرسي الحكم ثانية، انما الوطن الآن لم يفضل فيه شيء، يحكم ويدار وأن الأمر عظيم جدا بحيث نسي فيه المؤتمر الوطني نفسه وجند أعضاءه أنفسهم جنودا للدفاع عن الوطن لا يريدون إلا وجه الله ، ولأنهم يدركوا أن الملك بيد الله، وأن سنة الله في الأرض تقتضي التغيير ، رغم انهم قدموا ما لم تقدمه حكومات السودان مجتمعة، خيرا للبلاد وتنمية وتعزيزا لسيادته وأمنه وسعادته، لكنهم قد ضحوا بالكرسي لحماية الوطن وصمتوا وهم الأجدر بالكلام ، وغابوا وهم الأحق بالظهور ، حتى لا يدمر كل الوطن ، فالمرافعة عن المؤتمر الوطني عن ظلم وثيقة دستورية له لا أظن انها من أولويات المؤتمر الوطني الآن، وأنت أعرف الناس انها باطل كلها، وباطل وظلم على الوطن كله وليس على المؤتمر الوطني وحده، انما هي ظالمة لكل الأحزاب ، وكل الشعب،؛وكل المناطق حتى أهل درافور أنفسهم، وحتى الذين صنعوها سوف يطالبهم الظلم لأنفسهم وستطالهم الحسرة والندم حيث لا ينفع الندم، لأن هذه الوثيقة تتبنى أجندة دمار الوطن كله، وليس المؤتمر الوطني وحده، وعلى الرغم من أنك أنصفته الآن وقد كنت صامتاً ولا نقول واحدا من الغافلين عن كلية المخطط وكلية أهدافه، وغاضا الطرف عن تحالف مريب من أكثر الأحزاب حرصا على التجربة ورقه رايات الإسلام، لكن مع ذلك صمت عن علاقة الشعبي وزواجه الحرام مع اليسار حتى صارت ألسنة أغلب قادة الشعبي تلهج بحمد اليسار وتظاهره وتباطنه في تحالف غير متزن وغير عاقل وغير أمين على التجربة نفسها.

أحييك وأشيد بما جهرت به اليوم من حق ، ولكن الموضوع أكبر بمئات السنين الضوئية من إنصاف المؤتمر الوطني أو الشعبي او غيرهما، من حفنة أنت تعرف انها لزوال ان شاء الله، وأن قد الله حرّم الظلم على نفسه وجعله بين الناس محرما ، وأن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.

تفسيري لجملة ( ما عدا المؤتمر الوطني) تعني الآتي :-

أولاً :- تعني عند اليسار واصحاب مشروع الخارج أن المؤتمر الوطني هو أقوى الاحزاب واكثرها جاهزية وحرصا على تقدم ونماء الوطن امام أعداء لا يريدون للسودان خيرا، وقد جاؤوا كالجراد لم يتركوا اخضر ولا يابس من مقدرات السودان.

ثانيا : العملاء المتعاملين معهم يدركون تماما أن المؤتمر الوطني اذا بقي موحدا ومنافسا في الحكم فسوف يقف حجر عثرة أمام المشروع والمخطط العالمي.

ثالثا: هذه العملية، ما هي إلا تصفية حسابات قديمة مرت عليها عشرات السنين يضع بها اليسار عملية طرده، على اكتاف الوطني لما حصل للحزب الشيوعي من عزل وطرد لأعضائه يوم أن أساء واحد من منسوبيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورغم أن طرده وعزله جاء من كل ممثلي الشعب المؤمن والمتقي، وانت أعرف ايضا ان مشروع الدمار للسودان ومصادمة مشروع علمنة السودان قد بدأت بأول شهر بعد اعلان نميري للشريعة في ٨٣ كما نطق بذلك أحد بعامات الحزب الشيوعي ايام هذه الثورة الحمراء.

أرجو أن تعم عدوى الوعي منك، بقية قيادات المؤتمر الشعبي وان يتنازل المرجفون منهم والذين ما زالوا يكيلون للوطني بأسوأ العبارات واكثرها غلاً ممن تعرف ، وهم يحصرون كل مشاكل السودان تتمثل في المؤتمر الوطني وأيّم الله هو نفس التطابق مع مشروع اليسار ومخطط الخارج.

والله المستعان.

تعليقات
Loading...