العميد دكتور الطاهر أبوهاجه يكتب: نراها قريبة ويرونها بعيدة!.

الخرطوم :مرايا برس

إن نبأ تكليف مجلس السيادة الإنتقالي عدداً من أعضائه بمهمة إبتدار نقاش حول تكوين لجنة تبحث تشكيل مفوضية الإنتخابات ومفوضية صناعة الدستور حسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية هذا النبأ وجد إرتياحاً عاماً لدى الرأي العام.
فعندما كان السيد رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يتحدث في المحافل العامة عن ضرورة الإعداد وتجهيز المسرح السياسي للمستقبل القادم والتحضير للإنتخابات، وذلك بإستعداد الأحزاب ودعوة سيادته لإنشاء مفوضية الإنتخابات ومفوضية صناعة الدستور والتجهيز للمؤتمر الدستوري، كان البعض يرى أن الإنتخابات بعيدة! ولكنها قريبة بمنطق الزمن فتقدير الموقف والتحضير المبكر للقضايا سواء كانت صغيرة أو كبيرة هو واحدة من مشكلاتنا الكبرى، فلا نبدأ بالتجهيز للخريف وفتح المصارف إلا بعد هطول الأمطار، ولا نبدأ بالتجهيز للمواسم الزراعية شتوية كانت أم صيفية إلا بعد دخول الفصل المعني، فكأن أسطورة (علوق الشدة) أصبحت ملتصقة بحياتنا، مع علمنا بأن الحياة الدنيا كلها عبارة عن مواقيت، فالعبادة مواقيت (وَٱلۡقَمَرَ قَدَّرۡنَـٰهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلۡعُرۡجُونِ ٱلۡقَدِیمِ لَا ٱلشَّمۡسُ یَنۢبَغِی لَهَاۤ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّیۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ)، فإن لم يُنجز العمل -أي عمل- في ميقاته تظل الإشكاليات ماثلة، وإن لم نُفلح في وضع الدستور الدائم لبلادنا بعد أكثر من 65 عاماً من إستقلالنا -بغض النظر عن الأسباب- فإن عدم إنشاء مفوضيتي صناعة الدستور والإنتخابات متوقع!، حيث مضى أكثر من عامين على توقيع الوثيقة الدستورية، وتعتبر الفترة الإنتقالية تمرين قصير يعكس مدى استعدادنا للمباراة الإنتخابية الكبرى ويعكس مدى استعدادنا للولوج لمرحلة التحول الديمقراطي والحكم المدني، لقد أفلحنا بعد التغيير في انجاز الكثير من الأشياء المهمة مثل :(إتفاق السلام ووقف إطلاق النار ووقف العدائيات، وعلى صعيد العلاقات الخارجية فقد عادت بلادنا لمكانها الطبيعي بين الدول بعد رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، واقتصادياً تم إعفاء جزء كبير ومقدر من ديون السودان، وبذات الروح ينبغي أن نعمل على توحيد قوى الثورة من أجل تحقيق هدفنا الإستراتيجي المتمثل في تحقيق التحول الديمقراطي وبناء دولة المواطنة والعدل والحرية، لقد مضى وقت طويل وثمين ولابد أن نستفيد من تجربة الماضي فمفوضية الإنتخابات -مثلاً- تعني الإستعداد لقيام إنتخابات حرة، نزيهة وشفافة وتعني الإستعداد لأن نتيح للشعب قطف ثمار ثورته، كما أن التركيز على مفوضية الدستور والدستور الدائم يعني النظر بعين فاحصة لوضع اللبنة الأساسية لقضية أرقتنا منذ الإستقلال، كيف لا والدستور هو من ينظم العلاقة بين سلطات الدولة التشريعية والقضائية والتنفيذية ويتيح إعادة تشكيل وهيكلة النظام السياسي كما يتيح الدستور وضع أطر تشريعية وقانونية لتجنب بلادنا الصراعات والنزاعات بين الكيانات والهيئات المختلفة، وهو الأساس الذي تقوم عليه دولة الحرية والسلام والعدالة، والبناء الديمقراطي كله، وهو الذي يحدد طبيعة وشكل الدولة برلمانية كانت أم رئاسية، وهو الضامن والحامي لكلمة الشعب، نعم لقد كان السيد رئيس مجلس السيادة يراها قريبة لكن بعضهم يراها بعيدة!!. 

تعليقات
Loading...