الكاتبة اليمنية أميمة راجح تكتب :رسالة الى أعياد

الخرطوم :مرايا برس

توقفت عن الأحلام، واستغرقت وقتا طويلا لأستيقظ وأكتشف أنني أضعت الفسحة الوحيدة من جحيم هذا الوطن.

رأيتكِ في منامي البارحة يا أعياد -سأكرر اسمك كثيرا في رسالتي ،عليكِ اعتياد لكنتي- لقد كنتِ لطيفة وودودة، عفوية وبسيطة، عانقتي أبي ثم تمددتي بجواري على سريري الضيق – ليس لي سريرا في الواقع- كان الوقت بعد منتصف الليل حينما وصلتِ منزلي، والجو ممطرا، ووجه أبي منيرا، وأمي على سجادة الصلاة، استقبلتك بدهشة مذيلة بفرح شديد، لامس كتفك كتفي وقلتِ لي:

مش معقول!
تخيلتكِ أكبر بكثير!

وابتسمتِ يا أعياد – ما أشقى الحزن-، وابتسمت أنا، توترت من تركيزك على ملامحي فتحت كعكة شعري، نثرته على أكتافي لملمته ورفعته مجددا، مررتِ يمناكِ على الخصلات المتمردة قائلة:
ما أشرسكِ!
ثم أغمضتِ عينيكِ الدائريتين السوداويتين بسكينة،
وقلت أنا هامسة: كيف جئتِ؟

وانتهى الحلم انتهى قبل أن أعانقكِ، قبل أن أرحب بكِ ،قبل أن أعرفكِ بأمي، قبل أن أغير روب النوم، انتهى قبل أن يبدأ ما يجب أن يحدث.

فكرت كثيرا أن الرؤيا واضحة وتطلب مني زيارتكِ، ولكنني يا أعياد لن أزوركِ، بيني وبينكِ بنادق، وساسة، وخونة، ومرتزقة، بيننا يا أعياد دماء وأشلاء، وفجوة في الهوية، بيننا ياصديقتي تجار بالقضايا والحروب، أنتِ من ردفان الشامخ وأنا من حجة الأبية، تحملين بقلبك شجاعة شمسان، وفي وجهي ملامح مدينتي الفاتنة-نحمل فتنة مدننا رغما عنا في انحناءات أهدابنا والشامات الموزعة على أجسادنا-، تلفين جسدك بالدرع المبخر، وحول خاصرتي جنبية مطعمة بالذهب … لا سبيل لتواجدنا معا على هذه الجغرافيا المنكوبة بالخونة ومصاصي الدماء!، لا يمكن أن نلتقي يا أعياد لقد مزقوا أرواحنا، ويحاولون سرقتنا من أنفسنا، يسلبوننا هويتنا، غدا يا أعياد سيكبر أولادنا حائرين كيف تخلصنا من جلودنا؟
كيف لطختنا المناطقية المقيتة ؟
كيف ابتعلتنا شواطئ مدننا دون رحمة لأننا أتينا من الضفة المعاكسة ؟
كيف رُفع الجدار وسط الشارع الذي أحب فيه رجلا أبينيا امرأة حجية قالت له ذات حوار : “مال أبي وروحي”؟
شارعا أنجبت فيه امرأة ضالعية شيخا بيضاني زوج ابنته لحجيا يهديها كل يوم عقدا من الفل؟
شارعا عانق فيه رجل حضرميا شابا مأربيا مات أبوه في البحر مواسيا؟
شارعا جلست فيه فتاة عدنية تنتظر صديقتها الإبّية لتشتريان ستارة صنعانية يلبسانها في حفل زفاف جارتهن المهرية ؟

أعياد…… أتشعرين بما أشعر؟
أتختنقين بالكلمات كما يحدث معي؟
أتخوضين حربا ضروسا مع الغصص العالقة بحنجرتك كما أفعل؟
أتمقتين الأعلام المرفرفة، والحدود، والخرائط والإتجاهات؟
والماضي والأخطاء والتراكمات والتمزق والتمزق والتمزق……..؟
أتسهرين تفكرين ببطائقنا الشخصية، وبالجامعة العربية، وبجوازات السفر، وبالجزر والجيران والأصدقاء؟
أنا لا أفعل فلا يمكن يا أعياد أن أسمح لأوراق غبية، وخطوط وهمية، ومجموعة من المجانين أن يحددوا من أنا؟

أنا قبلهم جميعا،قبل تاريخهم الذي يزعمون، قبل البوصلة التي يقدسونها، قبل الأوراق النقدية التي استعبدتهم، أنا وأنتِ قبل بدايتهم، أولا وقبل كل شيء كنا، هناك على جبل الجودي حيث بدأت الحياة…في تلم اللحظة يا أعياد اللحظة الأولى لم يكن هناك اتجاهات…….. كان هناك فقط أرض شاسعة طيبة ورب غفور وثلة من المؤمنين، وأنا وأنتِ والمحبة وجميعهم يشهدون……. ولا أخفيك سرا يا أعياد، أحاول جاهدة إيجاد المعادلة التي تكسر تتابع الوقت وتعيدني لتلك اللحظة لعلي أنسى قرف التضاريس في حصة الجغرافيا الممزقة -الحصة التي تساوي عمري.

أعياد ماذا لو تبادلنا الأدوار؟

تسللت ليلا لمنزلكم ، ارتديت ملابسك وانتحلت شخصيتك ، لاعبت أشقائك وطلبت شاي ملبّن بلكنتك، وكنتِ أنتِ مكاني تلعبين مع أولاد أختي وتشاكسين شقيقتي الصغرى وفي الصباح تستبدلين وجبة الإفطار بحبات عنب؟

من سيكتشف الأمر؟

لا أحد يا أعياد، ستدمنين السلتة والفحسة والشفوت، وسأعتاد السمك وأحب الوزف -رغم أنني لا أستصيغه- والزقني.
ثم وبعد مرور الأعوام سنلتقي ستبهرك رائحتي، وسيصدمني رقصك الصنعاني المتقن ولن يصدق أحد أنك جنوبية وأنا شمالية كما لم أصدق أنا أن هاتين الكلمتين تصلحان للتمييز بين أهل الدار ذاتها…….
أعياد… سأنام مرتدية فستانا أنيقا، زوريني ولو في الحلم أعددت لك بنت الصحن أحضري معك عسلا دوعنينا، ولبانا سقطريا…… في الثانية بعد منتصف الليل سنقيم عرسا يمنيا، سنزوج ابنكم عيبان النبيل لابنتنا السمراء حرض……….. احضري معك عودا وأنا سأدق الطبول…….. العرس يجب أن يكون عظيما.

تعليقات
Loading...