الكاتب أحمد العربي في قراءة قراءة لرواية حبل سري..للكاتبة السورية مها حسن.

وكالات :مرايا برس

مها حسن روائية سورية متميزة، تنتمي للثورة السورية، قرأت بعض رواياتها، وكتب عنها.
حبل سري رواية تعتمد أسلوب السرد على لسان راوي يتابع الحدث الروائي من خارجه، لكنه مطلّ عليه بشكل كامل.
تبدأ الرواية بفصول تتحدث عن فتاة اسمها صوفي، تعيش في فرنسا مع حبيبها آلان، وتتابع حياتهم المشتركة، تتقاطع هذه الفصول مع فصول أخرى تتحدث عن عائلات كردية تعيش في سورية بين عفرين وحلب وبلدات أخرى وتطورات حياتهم أيضاً، ومن خلال تتابع الفصول تبدأ معالم الرواية بالوضوح، وتكتمل الصورة بنهاية الرواية الطويلة نسبياً؛ تزيد على 400 صفحة، ونحن هنا نعيد نسج الرواية بتركيز شديد للوصول إلى أحداثها ومغازيها.
الحدث المركزي في الرواية يبدأ من أوساط عائلة كردية تعيش في عفرين السورية، حيث فيها العرب والكرد متعايشون، ومن أحد رجال العائلة الكرد الذي أحب فتاة عربية وتزوج منها بعد ذلك، ولأن عائلته حريصة على كردية ابنهم، فقد فرضوا عليه أن يتزوج فتاة كردية أخرى، وامتثل لطلبهم.
عاش حياته بين الزوجتين، العربية أنجبت له ابنة “حنيفة” وابناً “إدريس” والكردية أنجبت له ابنة “شيرين”، عاش حياته بشكل عادي دون أي تغيّر يذكر، لكن الأولاد حين يكبرون، ستحصل المنافسات بين حنيفة وشيرين، والشجار أحياناً، الذي ينعكس على الأمهات، ومن ثم على الأب والعائلة كلها، أصبحت تلك الشجارات تنغص على العائلة كلها، حصل الأسوأ عندما كانت حنيفة وشيرين تلعبان في البناء الذي يسكنوه في الطابق الرابع حيث تسقط شيرين من دفع أختها لها – عن غير قصد – إلى أسفل درج البناء، تصاب بكسور ورضوض وتشوهات بقيت ظاهرة عليها حتى بعد الشفاء.
عندها اجتمعت عائلة أهل الرجل وإخوته وزوجتيه، وقرروا أنه يجب أن يطلق إحدى الزوجتين، حيث يبعدهما عن بعض لتستقيم حياته وحياة أزواجه وأولاده، ويحصل الطلاق من واحدة منهما.
وبالفعل اُعتمدت القرعة وطلّق الكردية، وعاش مع زوجته العربية أم حنيفة وإدريس.
عاشوا في حلب، كانت ابنتهم حنيفة فتاة متميزة وذكية وجميلة، اجتهدت في دراستها، عاشت معاناة أنها كردية، وأنها تنتمي إلى شعب موزع بين دول مختلفة، وأن الأكراد لا دولة لهم، كان ذلك يجعلها تحس بانفصام في ذاتها، وتمتلئ بمشاعر المظلومية، وأنهم أكراد؛ قومية مظلومة، وأن لغتهم غير معتمدة من الدولة، وهي متداولة فقط بينهم، أدركت مع الزمن أن السلطة ظالمة ومستبدة، ليس فقط مع الأكراد بل مع كل الناس، وأن القليل من أذناب النظام والانتهازيين منه يحصلون على كل المكاسب، والبقية مستغَلين ومظلومين، ولا فرق في ذلك بين كردي وعربي أو غيرهم من مكونات الشعب السوري.
لكل ذلك قررت حنيفة أن تتعلم وتتفوق ومن ثم تجد طريق الهجرة والهروب من هذه البلاد، كانت أوروبا قبلة كل الشباب الذي يحسّ أن باب الوطن مغلق في وجههم، ولا يجدون فيه فرصة عمل وبناء حياة أفضل.
نجحت حنيفة في البكالوريا بعلامات تؤهلها لأن تدرس الطب، هي تفضل دراسة اللغة الفرنسية، مثل الشاب الذي تحبه. لكن والدها ألزمها دراسة الطب، انتقلت إلى دمشق لتدرس هناك، لم تكن متحمسة جدا لذلك، نجحت رغم ذلك بتفوق، وتخرجت، من حقها أن تحصل على منحة دراسية، لكنها كانت من نصيب واحد من أبناء النظام، لقد خسرت هي المنحة. جاءها الحل بالذهاب لأوربا والدراسة من أخيها الذي كان قد ذهب إلى أوروبا سابقاً، بعد أن سدت السبل في وجهه، بعث لها دعوة ووعدها أن يساعدها لتكمل دراستها.
وبالفعل غادرت إلى فرنسا وتابعت دراسة تخصص الطب، وهناك اكتشفت أن هواها لا يميل للطب فقررت أن تدرس المسرح، وتعرفت إلى آلان الروائي الفرنسي وأحبا بعضهما وعاشت معه، غيرت حنيفة اسمها لتصبح صوفي، بقيت مسكونة في هواجسها السابقة ومعاناتها من أصولها المختلطة الكردية والعربية من أمها وأبيها، والقضية القومية الكردية ومشاكلها، وبين التحاقها بالمجتمع الفرنسي وحبها آلان، والعيش معه، متجاوزة كل ما تربت عليه، كانت شخصية مصابة بشروخ نفسية مختلفة، لقد تجاوزت ذاتها وماضيها وغيرت حتى اسمها، اصبحت صوفي، أدمنت العيش على الطريقة الأوروبية، الحياة الفردية، وإشباع الرغبات والانفتاح الجنسي والاجتماعي، عاشت مع آلان في بيته كزوجين لكنهما لم يتزوجا، هو يعاشر غيرها جنسياً دون تبعات، وهي كذلك. وهذا يعتبر الحالة الطبيعية هناك، الحياة الفردية هناك تنصب على المتع والملذات، صحيح أن الكل يعمل وينتج ويعيش، لكن بعد ذلك الكل ينهمك في ملذاته. المشروب الكحولي والحشيش المخدر والعلاقات المفتوحة طبيعية بينهم.
لم تستطع حنيفة “صوفي” أن تتحرر من ماضيها ومعاناتها، كانت تدمن التنقل وركوب سيارتها وقيادتها بسرعة عالية ومتهورة، والجلوس مع ذاتها لتبكي دون إدراك سبب مباشر. كانت تتصرف وكأنها مسرعة للذهاب إلى موت أشبه بانتحار. رغم كل ذلك كان آلان يحبها ويحترم اضطرابها ويرعاها ويعاشرها، كانت شبه ساكنة في بيته، مهما ابتعدت تعود إليه وتعيش معه وفي ظله، ولأن الجنس طبيعي ويعيشه الكل دون موانع، فقد عاشرت رجالاً كثيرين غير آلان أيضاً، وحملت من أحدهم، وأنجبت طفلة أسمتها باولا.
أعطاها آلان اسمه رغم معرفته بأنه ليس والدها، لقد احتضن الأم والطفلة لأجل حبيبته حنيفةة “صوفي”، ولم تمضي إلا سنوات على مولد الطفلة باولا حتى ماتت صوفي في حادث سير، وهكذا وضعت حنيفة “صوفي” حداً لحياتها، ماتت مع كل ما يسكنها من معاناة وفصام نفسي وضياع.
تربت باولا في حضن آلان الذي تعامل معها بصفتها ابنته الأعز عنده، فهو كاتب روائي منعزل عن الناس يكتب وينشر، يعيش بصحبة ابنته باولا وكأس الويسكي الذي لا يفارقه.
كبرت باولا وبدأت تتعرف على أصلها وحكاية أمها صوفي، واكتشفت أن أصلها الكردي السوري يتحرك داخلها، التقت صدفة بعمة والدتها جاءت لفرنسا لتتعالج من السرطان، وعرفت من خلالها على أهل أمّها وحياتهم، لذلك قررت أن تذهب الى سورية وتزور أهل أمها، وتتعرف عليهم وعلى أحوالهم.
حصلت على الفيزا وذهبت إلى هناك، كان ذلك بعد أن غادرت أمها سورية أهلها منذ أكثر من عقدين، الكل نسيها، بعضهم يحمل غصة ما، كان استقبالها متنوعاً فقد رحبت بها خالتها شيرين وعاملتها بصفتها ابنتها، تعرفت على أولاد خالتها، ومنهم روني، حصل بين روني وباولا تناغم وحب متبادل، لم تكن باولا تؤمن بالحب، بل بالجنس والمتع الجسدية، لذلك كانت تبحث عن الرجل الذي يشبعها جسدياً، ولا تهتم به، بل بدوره، كان الرجال عندها أدوات متعة، وكذلك حال الرجال أيضاً؛ النساء عندهم لهنّ وظيفة جسدية؛ المتعة والإشباع الجنسي، وظهر أن ذلك هو منطق الغرب من خلال الفردية والمتع الشخصية وإرضاء نزوات الذات. لذلك كان طبيعيا أن يحصل تعدد جنسي مع أكثر من رجل بالنسبة للمرأة، والعكس بالنسبة للرجل، وأن يكون هناك علاقة جنس مثلي رجال مع رجال ونساء مع نساء، كل ذلك يُعاش بشكل طبيعي جداً.
جاءت باولا إلى حلب وعفرين وقرية أمها وهي ممتلئة بهذه الأفكار والممارسات، لتجد أن المجتمع هناك مختلف، هنا ما زالت القيم العائلية مسيطرة، والهيمنة الذكورية حاضرة، متمثلة بالأب والأخ والزوج والابن، وأن الجنس مقنن وهناك حلال وحرام، صحيح أن هناك تناقض بين ما يعاش في الباطن وما يعلنه المجتمع، لذلك كانت المفاجأة كبيرة عندما وجدت درجة الاختلاف بين سورية وفرنسا في هذا الجانب.
كان استقبال والد أمها لها سيئاً إلى درجة التجاهل، لقد فتحت باولا جرحاً حول حنيفة كان قد اندمل، الكل تعامل مع هذه الأجنبية التي تدّعي انها ابنة ابنتهم الهاربة من بلادها وأهلها بحذر، مع ذلك استطاعت أن تخترق ذلك المجتمع من خلال ابن خالتها شيرين روني الذي أحبها وحصل بينهم علاقة جسدية سريّة.
كان الواحة التي عاشت فيها في بلاد أمها وبين أهلها، مضت فترة الزيارة إلى سورية وعادت باولا مع والدها آلان إلى فرنسا، وعادت الى حياتها السابقة وانفتاحها الجسدي والاجتماعي، عادت للعمل في المسرح الذي تحبه وتجد ذاتها من خلاله، كما عادت للتواصل مع قريبها الكردي الذي كانت قد التقت به وكان سبباً لتواصلها مع عائلتها، وحصلت بينهما علاقة جنسية، بالخفاء عن زوجته، عادت تلتقيه وتشبع جوعها الجنسي، حيث حرمت من ذلك في سورية، سوى علاقتها مع روني.
مضى أشهر على زيارة باولا لسورية حتى أتتها بطاقة من روني يعبر لها عن حبه، وأنه يتمنى لو تعود إلى سورية، تبني معه حياة مستمرة ويتزوجا أيضاً.
كان ذلك مفاجئاً لباولا، وغريباً على ما تؤمن به، لا تؤمن بالحب بل بالجسد ورغباته، مع ذلك قررت الاستجابة لحب روني، وأن تعطي روني ونفسها فرصة حب وزواج وحياة عائلية.
عادت إلى سورية وحلب وعفرين وقريتهم الصغيرة وتزوجت من روني وبدأت حياتها هناك، لكن الواقع فرض نفسه عليها، النظام السوري الذي ارتاب منها وعاملها كجاسوسة للفرنسيين، عطلوا محاولتها تشكيل فرقة مسرحية والقيام ببعض المسرحيات باللغة الفرنسية، حيث دعت السفير الفرنسي وغيره من القناصل الغربيين لأسباب أمنية.
تعرفت على معتقلين سابقين، ومعارضين صامتين مقموعين لا يملكون حولاً ولا قوة، تعرفت على العقلية المجتمعية الذكورية، ووضع النساء الدوني قياساً بالغرب، والأهم القيود على انفتاح العلاقات الجسدية بين النساء والرجال الذي تسميه هي حرية، ويسمونه هم انفلاتاً وقلة أخلاق، وجدت أن كل ذلك وحسب أفكارها ونمط حياتها، يشكل قيوداً عليها لا تستطيع التعايش معه.
كانت قد حملت من زواجها، حياتها الخاصة مع روني جيدة، لكن الواقع العام أصبح فوق تحملها، قررت أن تعود إلى فرنسا، طلبت من روني أن يغادر معها الى هناك، رفض روني وقال أنا من سوريا وابن هذه البلاد، عليّ دور يجب أن أقوم به ولن أهرب منه.
غادرت باولا إلى فرنسا وكان آلان والدها في انتظارها، حيث قال لها إنها لن تحتمل الحياة في سورية.
عادت إلى حياتها السابقة وأنجبت طفلتها إلزا وأصبح عند آلان حفيدة وكبرت العائلة.
هنا يختم آلان روايته التي كتبها عن حبيبته صوفي وابنته باولا وحفيدته..
في تحليل الرواية نقول:
في الرواية مستوى أول وهو الحديث عن المشكلة الكردية، التي نشأت مع نهاية الحكم العثماني، وتقاسم المناطق ذات الأغلبية الكردية بين دول عدة، تركيا والعراق وإيران وبعضها في سورية، مع الاختلاف بين كل الأطراف في الدول على حقوق المكونات ووجود النظم المستبدة الظالمة، وما أصاب الأكراد في هذا القرن، وما خاضوه من صراع وما عاشوه كضحايا مغرر بهم، بقوا مسكونين بقضيتهم.
بعضهم عمل ضدها وبعضهم منهم هاجر وترك القضية والبلاد، وبعضهم أصبح أداة بيد الأطراف الفاعلة دولياً، وكان خنجراً بيد هذه القوة أو تلك، وكانت تعود أغلب الأعمال على القضية الكردية وناسها بالضرر في أغلب الأحيان.
نموذج ذلك دور حزب العمال الكردستاني الـ (PKK) وفرعه السوري الـ (PYD)، ودوره التخريبي الانفصالي في سورية هذه الأيام، القضية الكردية كهوى ومطلب ومشاعر حاضرة في الرواية.
وحاضر في الرواية النموذج المجتمعي الغربي؛ قيمه الفردية والبحث عن اللذة، إشباع الرغبات، وأولوية الذات والأنا على كل شيء، مع تطور الغرب وهيمنته وتفوقه، وكونه المرغوب والمراد الذهاب إليه والعيش فيه.
والتحدث عن المجتمع السوري والاستبداد السلطوي والمظلومية السياسية والمجتمعية، والتخلف الاجتماعي وهيمنة الذكورية وتخلف المرأة ودونيتها.
لا تخفي الكاتبة ولاءها لقيم الغرب وما يعيش، وإدانتها لما يعيشه مجتمعنا على كل المستويات.
أخيراً، لا نستطيع أن نقبل بمعادلة، إما نمط الحياة الغربي، أو ما نعيشه في بلادنا؟ كل ذلك قبل الثورة السورية عام 2011م، الرواية كتبت عام 2009م، بل نحن مع إسقاط الاستبداد والمظلومية في بلادنا وبناء دولة الحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، لكل مكونات الشعب السوري على قاعدة المواطنة المتساوية، وكل القضايا تناقش في الدولة السورية الديمقراطية القادمة، كما أننا مع مراجعة العادات والتقاليد والتمسك في الإيجابي منها، والتحرر من الخاطئ فيها، ومع إعادة قراءتنا لديننا الإسلامي كأحد عناصر الوعي، لأجل تحررنا ونهضتنا. كما أننا مطالبين أن نحدد موقفنا من النموذج الغربي الفردي القائم على مبدأ المنفعة واللذة الشخصية والمصلحة الخاصة.

تعليقات
Loading...