اللواء شرطة م عثمان صديق البدوي يكتب :خذوا( سُلطَتَكم) واتركوا لنا ( ثروتَنا) !

الخرطوم :مرايا برس

 قيد في الأحوال.. اللواء شرطة م عثمان صديق البدوي 

عندما أنعم الله عليه بالذهب.. فتح الشمال أبوابه لكل أهل السودان ، لينهلوا من هذا الخير ، وبفضل الله ، تحسّنت أحوال الكثير ، وأصبح البعض من الأثرياء والاغنياء.. وبالعكس ، عندما ظهر الذهب في مناطق أخرى من السودان ، أصبح حصرياً على أهل تلك المناطق… وممنوع الإقتراب والتعدين !!

وكان حصاد أهل الشمال من التعدين الأهلي العشوائي ، المرض وانتشار الجريمة ودمار التربة ، فكان التأثير السلبي في صحة البيئة من استخدام الزئبق، والحَفْر ، وتخريب الأراضي ، والإنحلال الأمني الخطير ، وبسبب توافد الناس من شتى بقاع السودان وخارجه أصبحت مناطق الذهب في نهر النيل مرتعاً خصباً للجريمة  بشتى أنواعها من ترويج مخدرات وأسلحة وتهريب وقتل وغيرها ، ولأول مرة في تاريخها تدوِّن شرطة قسم أبو حمد بلاغات في القتل والنهب والتهريب والمخدرات، مما أدى إلى ارتفاع معدّل الجريمة ونموها. وبسبب مخلّفات التعدين تفشّى مرض السرطان اللعين بصورة سريعة ومخيفة ، حيث تؤكد مستشفيات ومعامل العاصمة أنّ الأكثر انتشاراً لهذا المرض هم أهل الشمال ، ثم الفشل الكلوي ، وفي مستشفى أحمد قاسم وحدها في بحري ، تجرى عملية نقل كلى بمعدل كل شهر من أهل تلك المناطق بسبب تلوُّث المياه .

وفوق كل ذلك ، وهذا العطاء الوفير من الذهب ، والإنتاج الزراعي ، المحصولي والبستاني ، ومصانع أسمنت تبني كل السودان وتفيض ، وسد ينتج كهرباء ، ولو بجهد المُقِل، وطريق قارِّي آمِن ، يحازيه أنبوب بترول يرقد مطمئنا ، رغم ذلك.. مازال البعض ينظر لأهل الشمال بأنهم العدو “فاحذرهم” ! .

ما ذنب الشمال إذا كان المولى عز وجل خصّه بموقعٍ جغرافيٍ مجاور للجارة مصر ، ساعد كثيراً في إرسال أبنائهم للدراسة هناك منذ عهدٍ بعيد ، وقبل استقلال السودان ، عندما كانت مصر معقل العلم والأزهر والمدارس والجامعات العريقة ، حين فضّل أهلنا التعليم على أن يعيشوا في الكفاف السنوات الطوال العجاف ، ليتعلّم الأجيال ويتخرّجوا وينفضوا الغبار….. وعن معظم أهل السودان ، إذ كان لأبناء الشمال الفضل مع أول من شاركوا في سلك التدريس ، وكانت التنقلات مركزية ، تتم عبر إذاعة أمدرمان ، ليدرِّسوا في كل أرجاء السودان القديم ، من حلفا لنمولي ومن الجنينة وحتى سواكن ! ، في وقتٍ كانت الطرق وعرة، وكان معهد التربية شندي العملاق الذي يؤهل لشتي بقاع السودان ، ويعرف قدره هناك الكبار ومازالوا يذكرونه بالخير . وإضافة لذلك إن أبناء الشمال هم أول من شارك في تأسيس الدولة السودانية الحديثة ، وبنوا اللبنات الأولى ، وأوّل من عرفوا الهجرة ، والآن منهم الخبراء على مستوى الدول العربية وشتى دول العالم ، ولم ينسوا أهلهم ، فمعظم الخدمات التي يشاهدها الناس من صحة وتعليم ومياه كانت ومازالت من عطائهم لا عطاء الحكومات المتعاقبة ، ثم إرساء دعائم التكافل الإجتماعي “ليشيلوا بعضهم”.. وماذنب أهل الشمال إذا استلم أبناؤه السلطة ردحاً من الزمان؟! وأنساهم بريق تلك السلطة أهلهم ، وظلوا ك(ضُل الدوم) .. يرمي بعيد…. وفصلوا وشرّدوا من خالفهم الرأي بكل حقدٍ دفين ، وخاصةً بني جلدتهم ، أفعال ومكايدات أسوأ مما يحدث الآن ! .. حتى اكتوينا نحن أبناء الشمال من نارين ، ومازلنا ننتظر جبر الضرر الذي كاد أن يمسي أكذوبة !!

وفوق كل ذلك مازلنا نسمع ذات النغمة القديمة، أنّ أهل الشمال ما زالوا هم السبب في إعاقة السودان ، ومازالت بعض الأسافير تصب جام غضبها على “الجلّابة ً حتى لو تعارك أهل دارفور فيما بينهم وأوقعوا القتلى والجرحى !، حتى أمس القريب …. وأنّ الكثير من أبناء دارفور اختاروا الإقامة في مدن الشمال ، وكمثال ، في شندي فقط ، نصف تجار سوق شندي من أولاد دارفور يبيعون ويعيشون بين الناس في أمان ومحبة وسلام ، وخلاوي الكتياب والشيخ الجعلي وأولاد جابر ومركز الإحسان تستقبل طلاب دارفور بالمئات ، دون منٍ ولا أذىً منذ عشرات السنين . بل حتى الجنوب الذي اختار دولته وانفصل ، اختار ابناؤه الإقامة في شندي والعيش في اطمئنان في أحياء مخطّطة وبشهادات بحث “كمان”! ، مع كافة الخدمات ، ومن رأى ليس كمن سمع !.

لكن الأخطر من ذلك عندما تصدر مثل هذه التصريحات الهدّامة من مسئول حكومي ، مثل ماورد من خبر أمس وحسب صحيفة السوداني باستنكار الهيئة الشعبية للشمال حديث المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول، خلال لقاء جماهيري له في شرق البلاد بأنه شخّص الأزمة السودانية من منظور آخر ، محمِّلاً الشماليين تحديداً أزمة السودان منذ ستة وستين عاما، حسب تلميحاته وعباراته، مما حمل الهيئة بالمطالبة بإعفاء أردول من منصبه، ومهددة بمنع الشركة من ممارسة أي نشاط في الشمال حال لم يتم ذلك ، الأمر الذي استفذّ أهل الشمالية أيضاً عندما تصدّى له رئيس حركة كوش السودانية الأستاذ محمد بنداك ، متسائلاً عن نصيب الولاية الشمالية من مستقطع المسئولية المجتمعية من منتج الذهب ، حين مُنِحت البحر الأحمر 307 ترليون جنيه ، حسب إفادته، ” ياترى لأن شعبها إستلّ الخناجر واعتلى المنابر وأطلق الحناجر”!!…… وبالطبع ليست كثيرة على أهلنا في الشرق “البشيل فوق الدّبر”…. وهم يربطنا بهم رحم وصلة قديمة قلّ من يعرفها من مسئولي اليوم .. واسألوا فيافي نهر اتبرا وعتامير ود عكير الدامر ! . لكن لطالما أنّ هناك مستقطع للمسئولية الإجتماعية من منتج الذهب ، لماذا لا يتم إنصاف الولاية الشمالية؟! ، ولماذا لا يمنح هذا الحق الإجتماعي لينمي تلك القرى البائسة في نهر النيل في صحاري بيوضة وقرى ود الحماض والدوشين والكفنجا؟! ، وأسماء كثيرة لم يسمع بها حتى ابن المنطقة، رئيس السودان البرهان !! ، قرى بائسة كالحة، كأنها في العصور الوسطى ، مشاريعها الزراعية من زمن نميري، حاصرتها جيوش أشجار المسكيت الملعونة وأفسدت الزرع والضرع !.. مزارعوها مكتوفو الأيدي !! ، وقرى نائية مازالت تتحصّل على المياه من آبار عمقها مائتين متر ، يتم ربط الحبل في عنق الجمل ليذهب تلك المسافة ، ينهره صبي ، ويُستخرَج جالون ماء لا يروي الظمأ ؟!. وقري مثل ساردية غرب مازالت تعاني آثار الفيضان منذ عامين ، وأهلها في العراء وهجير الشمس ! ، ولماذا لا تتبنى شركة الموارد المعدنية حفر آبار ذات مياه نظيفة لقرى الشمال وتوقف زحف السرطان والفشل الكلوي القاتل وتبني المستشفيات وسائر الخدمات كخدمة اجتماعية مقابل ما يؤخذ من عشرات أطنان الذهب “المجمّر” الصافي ؟!

وإلّا إنْ لم تكن هي فاعلة وقادرة… فعليها أن تصمت بدلاً عن تأجيج النيران … وعلى من يقف خلفها أن يُكرِّس في كرسي “سلطته” و”يبقي عشرة عليه” ويترك لنا “ثروتنا”!

هذا رأي معظم أهل الشمال من خلال الوسائط … من حجر العسل… وحتى حلفا !!… ولن يظل الشمال “شَمّاعة” فشل المركز بعد اليوم… وحتى لو سلِمنا جدلاً .. فثلاث سنوات على كراسي السلطة كافية بأن يعلم الجميع بأن الشمال برئ من فشل السودان، براءة الذئب من دم ابن يعقوب .

أكتب ذلك رغم أني من جيل يبغض القبلية والجهوية، وأي مسمّىً يفصلني عن أهل السودان… ويؤمن بالنشيد وبيت القصيد الذي يؤكد ويقول :

كل أجزائه لنا وطن. 

تعليقات
Loading...