الناقد إبراهيم الإعيسر يكتب : نقد نقد العقل الإفريقي في السينما (الأورو-أمريكية). 

الخرطوم :مرايا برس

إن المشروع الفكري للنخبة (الأورو-أمريكية) لا يخلو من وضع حيز المفارقات الإنسانية من حيث الخيال البيولوجي أو وضع العرق الأبيض في الحيز الفوقي فكرياً ومعرفياً وعلمياً وفنياً على الحيز التحتي من الأجناس الأخرى المصنفة وضعيتها في الحيز الهامشي أو بصورة أخرى التي تمثل آلية بشرية في المجتمعات الغربية الصناعية (كشريحة السود بين المجتمعات الغربية) .. وتلك حقيقة لا يمكن نكرانها أو التبرير لها – إلا من حكم عاطفة أو إنحيازية عرقية وثقافية وجغرافية نابعة من باب الإنتماء للهوية الإفريقية – في أن التكوينات أو الآليات التي تقود لسيرورة الحياة وتبسيط عقدتها اليومية التي تتمثل لنا في الصناعات الالكترونية أو في ما تسمى (بالثورة الفكرية) عموماً هي في الغالب نتاج مخيلة أو عقلية غربية أعطت للعلم والمعرفة حيز مركزي في صياغة إنسانها ليشكل في حد ذاته (ثورة فكرية) قادت إلى إحكام سيطرته العالمية إقتصادياً وسياسياً؛ ذلك منذ إختراع السلاح كفكرة أسست لفكرة الإستعمار المباشر بين التاريخ الإنساني .. لكن هذه الواقعية أحياناً تناولت فنياً وسينمائياً خصوصاً في أيدولوجية الأجناس المهمينة من العرق الأبيض – التي تمثل مركزية جنسية في المفهوم الجمعي للنخبة (الأورو-أمريكية) – بتفسيرات تقتصر العرق الإفريقي والأسود منه خصوصاً في البيولوجية الفكرية .. فالفكر الإفريقي في مخيلتها هو قائم على طبيعة خلقية لا تخرج من دائرة التفكير حول الغرائز الإنسانية أو حول المحدودية الفكرية في الكيفية التي تعد بها طعامها وهيكليتها المنزلية بصور تقليدية متوارثة كالاستفادة من الطبيعة في تحويل الأخشاب أو أفرع الأشجار إلى فحم وإلى تشكيل الهيكل المنزلي خارجياً وداخلياً بالشكل النمطي البدائي المتوارث – بل حتى أن فكريتها عاجزة عن الإبتكارات أو الصناعات التي تدعم إحياء غرائزها أو بصورة أخرى لم تستفيد من الطبيعة في تحويل مادتها الخام لمنتج صناعي موازي للصناعات الغربية كالطائرات والسفن والسيارات والحواسيب والهواتف والأجهزة الطبية وأجهزة الطبخ والاسلحة الحديثة بكل أنواعها – ذلك في الحقيقة دون وضع المبررات المقنعة التي قادت لنفي قيام مجتمعات صناعية موازية بين المجتمعات الإفريقية قادرة فكرياً وآلياً على منافسة المجتمعات الصناعية (الأورو-أمريكية) وتهميش الأقلية العلمية (الأفرو-أمريكية) في دورها العلمي والصناعي؛ كإحدى المبررات الواهية التي ترجع ضعف العقل الإفريقي إلى طبيعة المناخ والنوعية الغذائية كنقص اليود الذي يتسبب في انخفاض بمعدل 12 نقطة في مستوى الذكاء بحسب بعض الدراسات العلمية الغربية أو كما نص في إجتماع كوبنهاغن عام 2004م أن نقص اليود والحديد هو المتسبب في إضعاف نمو الدماغ. إضافة إلى بعض الأبحاث الغربية التي تثبت أن الذكاء عامل وراثي متعدد الأنواع؛ مما يعني أنه يتأثر بالعديد من المحددات الجينية المختلفة أو تحديد الفروقات البيولوجية الفطرية .. وهو بشكل أو بآخر يُعد تجني جارح يراد به عكس الفوقية العرقية للإنسان الأبيض وسط الأعراق الأخرى من السود والملونون (people of color) لأن الخلقية البشرية ليست قائمة على فوقية عرقية بين المستوى الفكري أو ليست هناك (سلالة عرقية) محددة تتميز عن غيرها (بالذكاء) على حساب الآخر؛ فعملية (الذكاء) هي صفة فردية يمكن إستوطانها بين كل عرق وبين كل زمكان إن كان بعكس الإحكام الغربي هناك علماء من أصول أفريقيا (كجورج إدوارد ألكرون) المخترع الفيزيائي الذي قام باختراع طريقة لتصنيع مطياف التصوير بالأشعة السينية، و(نيل تايسون) عالم الفيزياء الفلكية وأحد أكثر العلماء شهرة في أمريكا، و(أليس بال) عالمة الكيمياء التي قامت بإستخلاص زيت الكالوموجرا لعلاج مرض الجذام، و(جانيت إيمرسون) أول امرأة أمريكية أفريقية تحصل علي براءة اختراع خاصة ببرنامج حاسوبي خاص بالتتبع، و(كوابينا بوهين) المهندس الحيوي الذي اخترع شبكية من السيلكون قادرة على معالجة الصور مثل الشبكية الحقيقية، وغيرهم من العلماء الأفارقة. إضافة إلى ذلك نجد رياضياً في الألعاب التي تعتمد على (ذكاء نسبي عالي) نجم كرة القدم الليبيري (جورج ويا) الحائزة على جائزة الكرة الذهبية، ونجم كرة المضرب (التنس) الفرنسي من أصول أفريقية (غاييل مونفيس) الحائز على ثمانية ألقاب عالمية، وكذلك في ذات اللعبة نجد النجمة الامريكية من أصل أفريقي (سيرينا ويليامز) الحائزة على عدد خمسة وستون بطولة عالمية والمصنفة الأولى عالمياً على مستوى السيدات. ربما فقط عدمية البيئة والآليات الفكرية المساعدة وضعف منهجية التعليم هو ما يصنع بالمقابل عدمية صناعية أو إبتكارية أو ظواهر (ذكائية) عند الإنسانية الإفريقية؛ لأن من الملاحظ أن كل النماذج العلمية والفنية التي تناولنها في هذه الورقة هي خريجة بيئات غربية.
فالسؤال الذي يطرح للسينما (الأورو-أمريكية) أين المكانة السينمائية لتلك النخبة العلمية من شريحة الأفارقة؟

لعل هذا ما يعيدني إلى ذاكرة فلم آخر ملوك اسكتلندا (The Last King of Scotland) الذي نجد بينه شخصية نيكولاي كاريجان (جيمس مكافوي) الاسكتلندي الشاب الذي كان يمثل دور الطبيب الخاص للرئيس اليوغندي (عيدي أمين) لكنه يأخذ دور آخر يظهر بينه ضعف العقلية الإفريقية (ذلك بالتفكير سياسياً وإستراتيجياً للرئيس اليوغندي الذي كان عاجز عن مواجهة الإعلام الغربي الذي وصفه بآكل لحوم البشر) ولو أن الفلم مأخوذ من قصة واقعية لكنه يحمل نوع من التنميط الفكري المتعمد في سينما (هوليوود) حول الشخصية الإفريقية؛ ذلك بكون معظم الأحداث التي صورت عن (عيدي أمين) أو طبيبه الخاص (نيكولاي) هي أحداث خيالية.
كما يعيدني إلى ذاكرة إحدى الأفلام الفرنسية كذلك – التي من الواجب المهني أو من باب الشفافية المطلقة يستوجب علي أن أستدعي إسم الفلم والأسماء البطولية بينه للخروج من نفق المحاكمة النقدية – لكن لضعف ذاكرتي ولضرورة ملحة تتماشي موضوعياً مع مضمون الورقة يستوجب علي أن أستحضر المضامين السينمائية بين الفلم: وهي أن الطفل الفرنسي صاحب الإثني عشر عاماً الذي كان يمثل دور البطولة أخذ تجسيد دوره في أنه طفل صاحب (ذكاء خارق) ربما يفوق (الذكاء الطبيعي) للإنسانية من العرق الأبيض في علم الرياضيات والفيزياء تحديداً، ولكونه يعاني من مرض عقلي يجعله متوحداً وصامتاً في العادة ولعدم تشخيص مرضه بصورة دقيقة كان والده الذي يعمل مدرب لكرة القدم لأحدى فرق الدرجة الأدنى من الممتازة والمكون غالبه من الأفارقة أصحاب البشرة السمراء وأصحاب البشرة البيضاء من شمال أفريقيا: له معتقد نسبي في أن الرياضة ممكن أن تعالج حالة إبنه المرضية – أو خروجه على الأقل من متلازمة التوحد – لذلك كان يصطحبه للتمرين مع الفريق الذي يعمل على تدريبه .. حتى حدث أمر مدهش لكل أعضاء الفريق حينا وقف الطفل أثناء إحدى التمارين في خانة (حراسة المرمى) وظل يتصدى لجميع الكرات بإحصاءات علمية من علم الرياضيات والفيزياء!
ففي الحقيقة هذا المشهد لا يصاحبه توظيف (للإبهام) لأجل خلق نقد تأويلي؛ بل هو مشهد واضح في إنعكاسته الإستعلائية العنصرية التي تعكس حجم المفارقات ما بين العقل الإفريقي والعقل الغربي على كون العقلية الإفريقية – حتى رياضياً – هي عقلية (عشوائية) و(جاهلة) و(غبية) لا تعمل في الأمر التطبيقي بعقلية علمية وفكرية من خارج موروثها الفكري (أقصد بالموروث الفكري: التفكير المجرب مسبقاً) لأن تعمُد المخرج في خلق جميع لاعبي الفريق من الأفارقة مع عدم خلق مجتمع خارج نطاق الفريق من (البيض/الفرنسيون) بخلاف المجتمع الأسري لبطل الفلم هو ما يعكس الإستعلائية العقلية للإنسان الأبيض. أيضاً توظيف علم الرياضيات خصوصاً لم يأتي من فراغ لأن للمخرج مرجعية علمية في أن علم الرياضيات مع مفهوم (G) العامل الفطري للقدرة العقلية للإنسان المنسوب للأخصائي النفسي (تشارلز سبيرمان) يمثل أدوات مركزية لتحديد وجود اختلافات بيولوجية بين الأعراق والطبقات الاجتماعية ومفهوم (G) تحديداً هو مفهوم لا زال يمثل إلى الآن الأساس (البيولوجي للذكاء) في أبحاث مجال علم الوراثة السلوكية الحالي. وهنا إن كنت مساعد مخرج ولدعم فكرته سوف أوظف مشهد آخر من (ألعاب القوى) التي يتفوق فيها من العادة الإنسان الأسود على الإنسان الأبيض بالاحصاء الرياصي لبطولة ألعاب القوى لتوطين معتقد المخرج الإستعلائي في أن ألعاب القوى في الأساس لا تعتمد على الذكاء ليفوز بها إنسان أبيض. كما لو كنت (لعين) أكثر من ما هو لازم سوف أوظف مشهد مضاد لمبارة في بطولة الشطرنج أظهر بينها مدى ذكاء العرق الأبيض إن كانت لعبة مثل الشطرنج تعتمد بدرجة مطلقة 100% على عامل (الذكاء).
أما الأمر الأكثر إستفزازاً بحسب البحوث والدراسات الطبية والإثنوغرافية (وصف الأعراق البشرية) توضح أن التمازج العرقي ما بين البيض والسود ينتج عند المولودين من هذا التمازج ذكاء أعلى من السود الخالصين بسبب العامل الجيني في الطرف الأبيض الممتزج مع الأسود. وهي جميعها بحوث ودراسات غير أخلاقية خلفها أيديولجيات سياسية.

على الغالب ظلت السينما (الأورو-أمريكية) تلعب في محورة (النمطية) حول الإنسان الإفريقي و(النمطية) هي تُعد مفهومياً أقرب لمفهوم العنصرية لأنها تصور الإنسان الإفريقي أنه إنسان بلا مخيلة فكرية و(بيداغوجياً) من خلال منحه أدوار عملية هامشية كرعاية الكلاب وتنظيف المراحيض والشوارع وجمع القمامة وأنه إنسان محدود العلاقة مع التكنولوجيا والحياة العصرية ومغتصب ومتوحش وعنيف وعشوائي وتاجر مخدرات ورجل عصابات؛ هذا بالنسبة لصورة الرجل الإفريقي، أم صورة المرأة الإفريقية تظهر أنها تتميز سلبياً بالفظاظة والصراخ و الصوت المرتفع. لكن في فلم مثل أنا أسطورة (I Am Legend) يعالج الممثل الأمريكي من أصول أفريقية (ويل سميث) هذه (النمطية) بتمثيله دور الرجل الأسود الخبير في (علم الفيروسات). والدور البطولي كذلك لي (مورغان فريمان) في فلم التسامي (Transcendence) الذي يناقش ثلاثة مواضيع في (الذكاء الإصطناعي) و(التعزيز البشري) أو التحسين البشري أو التغيير الطبيعي أو الاصطناعي أو التكنولوجي لجسم الإنسان من أجل تعزيز قدراته البدنية أو العقلية – بحسب موسوعة ويكيبديا المعرفية)، و(تحميل العقل) أو ما يقصد به نسخ العقل البشري للكمبيوتر ليعمل بذات الطبيعة العقلية للبشر.

في الحقيقة مثل هذه الصِنعة السينمائية المبينة على أساس المفارقات الفكرية أصنفها (سيكودرامية مضادة/سلبية) لأنها تخلق تأثير نفسي عند الآخر المصدر له فكرة الشعور بالنقص أو الأقلية أو المحدودية الفكرية لذلك يستوجب منهاضتها نقدياً وفنياً بصورة موازية لنمطية الصورة السينمائية للإنسان الأبيض (الأورو-أمريكي).

تعليقات
Loading...