بروف حسن مكي:السودان في كف عفريت والما شايف يكون أعمى.

الخرطوم :مرايا برس

البروف حسن مكي محمد المفكر الإسلامي والخبير في الشؤون الأفريقية يتحدث بعين المراقب للأحداث ومن واقع الوضع العام في البلاد، وله توقعات بما يمكن أن يحدث في الفترة المقبلة بالبلاد استناداً على قراءة دقيقة لتسارع الأحداث وتغير معادلات وموازين القوى.
بروف حسن يقر بتغيير كبير يلوح في الأفق وعلى الجميع الإستعداد له.
(مرايا برس) جلست إليه وخرجت منه بهذه الافادات..
…………………………………….

*الوضع العام في البلاد وإلى أين يسير؟.*
الأوضاع عامة في البلد معروفة ومن المحزن أن يكون الوضع كهذا الذي نراه الآن، وهنالك أشياء لا يجد لها الإنسان العذر، مثلاً ألا يعرف الطلاب الممتحنين أرقام جلوسهم إلا قبل ثلاثة أيام من الإمتحان وبعضهم بعد الامتحان لا يعرفون أرقام جلوسهم، على أيامنا كنا نعرف أرقام جلوسنا قبل ثلاثة أشهر، وهذا ليس مربوطا بوضع اقتصادي أو وضع إجتماعي.
أعتقد أن هذا تدهور إداري وعدم اكتراث وعدم إهتمام وعلى ذلك قس، وكذلك التسويف الذي يجده الإنسان في مكاتب الحكومة إذا أراد أن يستخرج شهادة أو رخصة أو جواز سفر أو غيرها من المعاملات، دعك عن المستشفيات لا علاج ولا إهتمام، الجوع والأوضاع الاقتصادية الضاغطة وتدهور قيمة الجنيه السوداني، لا تسمع إلا حديث عن الإنجازات حول التطبيع، لكن أين ثمرات هذا التطبيع سواء كان تطبيع مع أمريكا والمجتمع الدولي أو حتى مع إسرائيل.
نحن نتدحرج كذلك من الناحية الأمنية والتعليم والأوضاع الفكرية والروحية، والحياة أصبحت لا تطاق وللأسف الشديد بدلاً من مواجهة هذه القضايا المهمة بمزيد من الشورى والوئام الوطني والمصالحة الوطنية، نجد تشظي وتشتت وتشفي وانتقام وثأر وبالفعل الأوضاع صعبة للغاية.
*هل من مخرج من الوضع الذي يعاني منه السودان وهل هناك حلول تلوح في الأفق ؟.*
الحلول لا تأتي بين ليلة وضحاها ولكن تقوم على مسارات والمسارات تؤدي إلى تدرج وهذا بدوره يؤدي إلى نتيجة، اول أنواع التدرج هو التعافي الوطني والتعافي يبدأ بالمصالحات والمصالحات لا تنفي الخصومات ولكنها لا تجعل الخصومات مجالاً للانتقام والتشفي والثأر والاحقاد، والأمر الثاني المصالحات، فإذا كنت انت تصالح من كان يرفع البندقية على أخيه ومن قتل ومن قتل، فلماذا لا تصالح القوى السياسية الأخرى، وكذلك الاعتقالات العشوائية والوجود في السجون بدون قانون، ودولة اللاقانون وألا يكون اعترافك إلا بالقوي الذي يستعصم بالقبيلة أو بالجيش أو بدولة أجنبية، هذا عار، نحن محتاجون لمصالحة وقبول بالآخر والاعتراف بالآخر ومحتاجين للعيش المشترك، فالعيش المشترك هذا هو أساس المواطنة، ولذلك لا يمكن أن تنزع المواطنة عن شخص مهما كانت درجة اخطاؤه، لا تنزع المواطنة إلا بقانون إذا ثبت عليه جريمة ما.
*هل هناك ما يسمى بالجريمة السياسية حتى يتم إعتقال البعض بهذه الدعاوي؟.*
ليس هناك ما يسمى بالجريمة السياسية أو الجريمة الاقتصادية، فإذا تساءلنا ماهي الجريمة السياسية، فإذا اعتبرنا أن القيام بانقلاب عسكري هو جريمة سياسية، فالحياة السياسية السودانية منذ عام ١٩٥٨م قامت الانقلابات العسكرية، ثم أننا الآن نعيش في إطار إنقلاب عسكري، لأن ما حدث في ١١ أبريل ٢٠١٩م هو إنقلاب عسكري، ولذلك ليس هناك ما يسمى بالجريمة السياسية، وليس لها تعريف في القانون، صحيح البلاد الديمقراطية كبريطانيا وغيرها يمكن أن تكون، لكن في البلاد النامية لا يمكن أن تصنف جريمة إلا عن طريق التشفي وطريق رمتني بدائها وانسلت.
*نعيش في دوامة انقلابات على مستوى إفريقيا وليس السودان فحسب فكيف نفهم هذه المتوالية من الإنقلابات؟.*
هذا لأن الحركة السياسية ضعيفة ولأن العصر وسم في السودان خاصة بالجيش ومن عباءة الجيش، جيش كتشنر خرجت قوة دفاع السودان ومنه خرجت سكك حديد السودان خرج النقل النهري والخطوط الجوية والخدمة المدنية نفسها، حتى التعليم كان يقوم بجزء كبير منه الضباط الإنجليز، والدولة السودانية دولة مفتشين اما الأحزاب فهي ضعيفة وقامت على وقامت على إنشاء مؤتمر الخريجين، ومؤتمر الخريجين نفسه قام على أكتاف الطبقة المتعلمة وكانت تساوي واحد على ألف من المجتمع السوداني، والطبقة المتعلمة زاتها انكفأت على الطرق الصوفية والقبائل، فحزب الأمة إعتمد على الأنصار، الاتحاديون اختلفوا منهم من اعتمد على الطريقة الختمية ومنهم من اعتمد على السمانية ومنهم من اعتمد على القادرية، فاسماعيل الأزهري كان قبل أن يدخل على مدينة ود مدني كان يذهب لشيخ طيبة، وطيبة مركز القادرية وعن طريق القادرية والسمانية استطاع الأزهري أن يتجاوز الختمية والأنصار، أي أنه تجاوز السيدين ويصبح حزبه من أقوى الأحزاب السياسية السودانية، والأحزاب نفسها ليس فيها ديمقراطية فرئيس الحزب هو كل شيء.
*هل يمكن أن تنسلخ الأحزاب عن حكم الفرد؟.*
هذا ما انادي به وأطرحه في الساحة ، أن تكون هنالك قيادة جماعية، القيادة الجماعية والمؤسسية. القيادة الجماعية لدينا في الحركة الإسلامية برزت في عام ١٩٥٩م حينما فشل إنقلاب الرشيد الطاهر بكر وهو كان المراقب العام للإخوان المسلمين وحاول أن يقوم بانقلاب عسكري لكنه فشل فاودع السجن، ولذلك لم تعد هنالك ثقة في الفرد، لأن الرشيد لم يشاور أحدا ولم يخبر أحدا بهذا الإنقلاب ولذلك كونوا قيادة جماعية أن يكون المكتب كله هو القائد وأن تكون أمانة المكتب متداولة كل ثلاثة أشهر، بحيث تكون المعلومات والأفكار متبادلة ومخزنة ومعروفة للمجموعة حتى لا يستطيع أحد أن ينفرد بها أو يبيعها.
نحن الآن في أشد الحاجة للقيادة الجماعية والمؤسسية في الحزب بمعنى أنه لو تم الإعتقال أو أي شيء تكون المؤسسة قادرة على إنجاب مؤسسة جديدة، ونحتاج لمبدأ المحاسبة بحيث أن القائد هو بشر وليس مقدس، فليس هناك قداسة لأحد فليس أي أحد من زعماء الأحزاب مقدس فكلهم يخضعون للمحاسبة مثلهم ومثل بقية الأعضاء في الحزب المعين. مثلا رئيس حزب العمال في بريطانيا ورئيس الوزراء السابق كاميرون لأنه أدان اليهود في بريطانيا وكان ضد اليهود فالحزب جرده من كل صلاحياته وفصله من الحزب ثم اعاده مرة أخرى كشخص عادي، فنحن نريد مثل هذه الديمقراطية بحيث لا يكون هناك تقديس للشخصيات أو القيادات على الإطلاق.
*كيف تتم مصالحة في ظل الرفض الحكومي  ومنع حق التظاهر والاحتجاج؟.*
اعتقد هذه مزايدة، البلد في كف عفريت بما فيها ما تسمى لجنة التمكين والبلد مقبلة على متغيرات(والما شايف يكون أعمى)، لأن الحركات المسلحة التي دخلت الحكومة الآن تنادي بهذا المتغير والكثير من الأعضاء في المكون العسكري ينادون بهذا المتغير وحزب الأمة أيضاً، ولذلك التفرد بموقف يقوم على الانتقام والثأر وتصفية الحسابات لن يكون له قيمة في الأيام القادمة.
*إلى أين تسير البلاد هل نتوقع احتجاجا وخروجا على الحكومة بعد أن انشغل الناس بالمعايش اليومية؟.*
ليس المطلوب من كل الناس أن تخرج الذين يخرجون هم الجماعة السياسية هم الذين سيخرجون، وكل مجموعة تعمل ضمن مجموعتها مثلاً أهل الكرة والرياضة يعملون مع بعضهم والساسيون مع بعضهم وناس الإقتصاد والتجارة يعملون بتجارتهم والنقابات تعمل بنقباتها، فالآن الجماعة السياسية كلها كفرت بإنجازات ومقولات المرحلة الماضية والبلد مقبلة على تغيير جذري وهذا مؤكد فقط مسألة وقت.
*هل تتوقع إنقلاب عسكري ام تغيير سلس وتسليم للسلطة؟.*
في البداية سيكون هناك تمكين للعسكريين لكن هؤلاء سيلجاؤن للإنتخابات مثلما حدث في تونس ومثلما حدث في مصر. ستكون هناك مرحلة انتقالية فيها تمكين عسكري وبعده ستكون هنالك إنتخابات.
*هل تتوقع تغييرا لبعض الوجوه ام كل الحكومة ستذهب؟.*
هذا سيعتمد على ميزان القوى والآن موازين القوى العسكرية في ثلاث جهات، هنالك الجيش السوداني، وهو مقفول فلا أحد يعلم ماذا بداخله، وهنالك الدعم السريع، والمجموعات المسلحة.
الآن موسى هلال أصبح قوة عسكرية، وهنالك الحركات المسلحة العدل والمساواة والحركة الشعبية والثورية، فهذه كلها في المرحلة القادمة حسب أوضاعنا العسكرية ستكون جزء من التشكيل في التغيير المرتقب، لكنها هي أيضاً ستلجأ لصناديق الإقتراع.
*التغيير القادم هل تتوقع حدوث صدامات ام سيكون بسلاسة؟.*
هذا يكون حسب الوعي والتجارب التي دخل فيها السودان يبدو لي أنه سيكون سلسا وسلميا ولكن معايير القوة فيه موجودة، لكن أيضاً أقول كل شيء متوقع.
*تم تداول أقوال منسوبة إليك باتهام الإسلاميين بامتلاك الفلل والقصور بماليزيا وتركيا وهربوا الاموال؟.*
هنالك كثير من التصريحات في وسائل التواصل الإجتماعى فيها المفبرك، وفيها المنحول، وفيها المدخول عليه، وكثير من الأحاديث والتصريحات تقوم بها الإستخبارات الأجنبية، لكن الحديث الذي قيل على لساني بأني اتهمت الإسلاميين بامتلاك القصور بماليزيا، لا أذكر أنني قلت حديثاً بهذه الصورة، لأن كل المقتدرين من السودانيين أصبحوا يمتلكون بيوتاً في الخارج، فمصر الآن بها أكثر من مائة ألف سوداني لديهم مساكن هناك سواء كانت شققا أو فلل.
الأطباء السودانيون العاملون في بريطانيا لديهم بيوتاً هناك، فهذه ليست منقصة أو مذمة، وأقل الدول التي فيها بيوت للسودانيين قد تكون ماليزيا وانا لا أعرف إسلاميا واحدا لديه قصر أو بيت في ماليزيا لا أعرف لكني أعرف العشرات غيرهم من السودانيين في بريطانيا وأمريكا وغيرها لديهم بيوت يمتلكونها،
أما دبي ومصر فحدث ولا حرج، وهذه ليس فيها مذمة أو منقصة لأحد.
*موقف الحزب الشيوعي وهو الحكومة والمعارضة في ذات الوقت؟.*
الحزب الشيوعي منقسم في الداخل على نفسه والمجموعة المفكرة والتي لها رأي الآن منسحبون لا يتكلمون وهم أيضا مصدومين مما يحدث وفي الحقيقه كلمة شيوعي كلمة مبتسرة وكل من نكرهه نقول عليه شيوعي، والآن الشيوعيون هم حملة الجوازات الأجنبية وتسعين بهم الاستخبارات الأجنبية، لكن لا أعتقد أن صديق يوسف أو الخطيب لديهما جوازات أجنبية، والبقية الذين نقول عليهم شيوعيون هم موصولون بالاستخبارات الأجنبية وليس لديهم علاقة بالحزب الشيوعي المعروف، إلا كعلاقات تاريخية ويبدو انهم كفروا بالحزب الشيوعي،
ولكن الناس دوماً تحاكمهم وتحاسبهم بماضيهم.
*هل يمكن القول أن هذه الحكومة هي حكومة البعث باعتباره متجذرا ومتمددا في كل المناصب؟.*
أنا أعتقد أن حزب البعث للإنقاذ عليه دالة ويد لأنها أكثر حكومة وقفت مع صدام، والآن بعضهم ذهب مع أمريكا وبعضهم ذهب مع بريطانيا لكن أعضاء حزب البعث الحقيقيون مثل تيسير مدثر وأخيه بدرالدين يعلمون جيداً أن الطائرات السودانية في أيام الإنقاذ ذهبت لبغداد وأتت بالبعثيين واعترفت بصدام حسين، ومشاكل السودان كلها لأن السودان وقف مع صدام في أخطائه وجرائمه ضد الكويت.
*الحكم الذاتي مقدمة لإنفصال المنطقتين فهل من حق الحكومة الإنتقالية أن تتخذ قرار مصيري؟.*
أعتقد أن الحكومة الإنتقالية حسب الدستور الإنتقالى وحسب العرف الإنتقالي، الحكومة الإنتقالية يجب ألا تقوم بأية إجراءات جذرية أو كبيرة تغير مسار البلد، يجب أن تترك هذه المسائل للحكومة المنتخبة، لكن ما يجري الآن هو فوضى سياسية، والفوضى السياسية هذه لن يقوم عليها تاريخ السودان.
تاريخ السودان سيقوم على أساس مرتكزات دستورية وسياسية نابعة من إرادة وطنية وإجماع وطني وبرلمان منتخب.
*لجنة التمكين تتقمص دور الحكومة؟.*
للأسف الشديد هذا نوع من الفوضى الحادثة في البلد ولن تستمر لأنه في النهاية الناس ستحتكم للقانون، وهذه فترة انتقالية ولن تستمر هذه الفوضى، كل البلد قائم على هذه الفوضى الخلاقة والتي أدت إلى أن تتداعى الأمور بهذه الصورة، والتغيير القادم سيأتي ليغير هذه الفوضى ويحتكم بالقانون والعدالة.
*هل نتوقع مخرج للبلاد مما هي فيه حتى بعد التغيير؟.*
نعم سيخرج مما هو فيه ولكن سيكون تغييرا متدرجا مثل ولادة الطفل، التخلق والتعب والمخاض والتربية وعلينا بالصبر حتى يحدث الخلاص.
*كلمة أخيرة يمكن أن توجهها للحكومة الإنتقالية؟.*
اولا يجب أن يتم إطلاق المعتقلين السياسيي، خاصة أولئك الشباب أمثال معمر ومحمد علي الجزولي، هؤلاء كانوا ضد بعض سياسات الإنقاذ وكانت لهم رؤى في الإنقاذ، فلابد من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والا تكون هنالك مبادئ فوق القانون أو أشخاص فوق القانون، ويجب أن تكون المواطنة للجميع، وأن الجماعة السياسية السودانية لابد أن تتصالح وتعترف بالآخر لأنها بذلك ستكون مؤهلة لما بعد الفترة الإنتقالية، فإذا أجريت انتخابات لا أعتقد أنه ستكون هناك حكومة أغلبية، بل ستكون هناك حكومة أقليات وحكومة الأقليات تحتاج إلى أن تتحالف مع بعضها البعض، فالمركب السودانية الغارقة هذه تحتاج أن يتعاون الجميع فيها، الإسلامي والشيوعي والبعثي والعنصري وغيرهم حتى لا تغرق السفينة ويضيع السودان.
# شكراً بروف.
العفو

تعليقات
Loading...