بعين مفتوحة … ساعات مع ابو آمنة حامد

في العام ١٩٩٦م تقريبا لملمت اطرافى وتوجهت صوب مدينة بحري تحديدا حى الدناقلة ،حيث يقيم الشاعر أبو آمنة حامد هناك ،ذهبت اليه مكلفاً من صحيفة الأصالة وهي صحيفة أسبوعية تتخذ مكاتبها في مبنى يتبع لجامعة السودان بالقرب من إستاد الخرطوم وتكلف بعض الصحفيين بإجراء مقابلات صحفية ضمن بند التعاون مقابل اجر معلوم.
في تلك الصحيفة التقيت بثلة من الصحفيين خانتنى الذاكرة في تذكر بعض أسمائهم واعتقد أغلبهم يعملون على بند التعاون وكنت في ذات الوقت أعمل متعاونا بصحيفة السودان الحديث واتعاون مع الاذاعة السودانية معدا للبرامج بإذاعة البرنامج العام إذاعة وادي النيل واذاعة الخرطوم وكنت قد استقلت من وزارة التربية والتعليم حيث عملت معلما بالمدارس الابتدائية بعد تجربة تدريسية ثرة تعلمت فيها الكثير .
*بذلت غاية جهدي أن أصل الى منزله بالدناقلة ،لم يكن هناك أية وسيلة تواصل للإتصال به قبل الموعد المحدد،طرقت الباب ،فجاء الصوت من الداخل ،(تفضل) وقفت مترددا وطرقت مرة ثانية ،وسمعت بصوت أكثر وضوحا وصرامة (تفضل ) طرقت ثالثة حتى يستعد اهل البيت (قلنا خش)
فتحت الباب (بشويش) كاللص الذي يتلمس الاماكن قبل يضع قدمه ،فوجدت الرجل مسترخيا يتمدد على سريره يرتدي (بنطالا) رياضيا اخضر اللون وفنيلة داخلية ،سألني من انت؟ ،عرفت بنفسي وبالمؤسسة التي إنتدبتني لإجراء المقابلة. سالنى (دى جريدة اسلامية ؟) ترددت فى الإجابة ،فقلت له (كلنا مسلمين )! *
قال: (سؤالى واضح أقصد حقت اسلاميين ؟؟) لم أجبه!!
فقال (هل تنشر ما أقول أم تحذف كلامي؟ اذا بتنشر نتكلم اذا ما تنشر Full stop ) وبدون تردد قلت (انشر كل كلامك باذن الله) ولا أدري كيف جاءتنى الجراءة كى أقرر فى أمر لا أملك منه شروى نقير وتم له ما اراد.
انتظرت قليلاً حتى هيأ نفسه للمقابلة ودخلت الى غرفة بدات كصالون سودانى بسيط ، جلست اليه وجها لوجه وجلست زوجته خلفه مباشرة ،وسالت نفسى (هل من المعتاد ان تحضر زوجته مقابلاته الصحفية ؟)واثناء المقابلة عرفت سر جلوسها.
تباينت الأسئلة واختلفت درجات سخونتها في السياسة او الفنون او الثقافة او الأسئلة الشخصية و بحسب مزاجه وتقلباته بين الحدة والجدية والصرامة والطرفة وبدات بالخاص وانتهت بالعام ،ومن ضمن ما سالت سؤالا عن الجنوب وامكانية الانفصال، فقال (فليذهب الجنوب في ستين داهية ، الأصبع الذي يظل يؤلم الجسد كله ولَم يجدي معه العلاج فليفصل عن بقية الجسد) ترددت كثيرا فى كتابة تلك الإجابة ولَم يكن هناك وسيلة للتسجيل تحوطا و تحسبا لاى ظرف وكانت الحرب يومذاك يشتعل أوارها وإمكانية نشر مثل هذا الحديث صعباً إن لم يكن مستحيلا ولكن نشر اللقاء كاملا ولَم يحذف منه حرفا واحدا.
وكان ينفعل كثيرا اثناء المقابلة وكانت زوجته فاطمة تشير الي بالصمت وأصمت ويهدأ ويعتذر ونستمر ،.وسألته عن التعدد وامكانية ذلك وتلفت يمنة ويسرى ،ووقتها خرجت زوجته لتقوم بواجب الضيافة فقال (كيف ؟؟ وانت شايف الحال هذه المراة صبرت على وتحملتني لكن اذا وجدت القروش مافي مانع) ويطلق ضحكته المجلجلة المعروفة .
وسألته عن سر تسميته لأحد أبنائه تيمنا بالرئيس جمال عبد الناصر ؟ فقال اسميته جمال عبد الناصر حسين ابو آمنة حامد ،إعجابا بالرئيس المصرى جمال عبد الناصر ولدي ديوان شعر كامل اسمه (ناصريون نعم )إعجابا به.
واذكر اثناء المقابلة قال رايا لم اتبين مقصده او لم اسمعه جيدا ،فكنت اسمع واكتب واحيانا ينتظر حتى افرغ من الكتابة
وحرصت على تدوين كل كلمة ينطقها واسجل بعض العبارات الدراجة بين (قوسين ) فسالته ماذا تقصد؟
فاستغرب سوالى (انت مابتفهم ؟كيف بقيت صحفى ؟ الخ )
التزمت الصمت واغتظت منه غيظا شديدا ،فكتمته فى نفسى
وزوجته من خلفه تشير لى بالصمت ،ففعلت، وساد الغرفة التى نجلس بها صمت تام ،فقال : ماذا تريد ؟)
فقلت له : (أريد توضيحا لما قلت حتى لا اكتب معلومة او رأيا غير صحيح.)واستجاب وتفهم مقصدى.
وانهيت المقابلةوشكرته واردت المغادرة ،فطلب منى ان اقرا عليه كل ما كتبت ،وكانت هذه مهمة عسيرة ،(لم افعلها فى تجربتى الصحفية ) ولكن تقديرا واكراما له فعلت ،فقرات له اللقاء كاملا حيث امتد من قبل اذان العشاء حتى العاشرة مساء الا قليلا ،واعتذر وشكرنى على تكبد المشاق ويومها كنت طفلا يحبو فى بلاط صاحبة الجلالة وحديث عهد بالصحافة وكان ابو امنة نجما بازغا فى سماء السودان ويظهر فى برامج التلفزيون ومنها البرنامج الذائع الصيت يومها (ايام لها ايقاع )والخرطوم سلام وبالاضافة للصحف السياسية اليومية والصحافة الرياضية على قلتها يومذاك .
خرجت منه وازددت يقينا ان احتراف الابداع فى السودان حرفة لا تحقق لمحترفها الامان الانسان وان مبدعين كثر مثله لم يجدوا حظهم من الاهتمام والرعاية وصيتهم ينتهى حينما يدق الفقر ابواب بيوتهم.
لم يحظى ابو امنة حامد بمن يفهم ويتفهم طبيعته الانسانية وفطرته السليمة التى تنفر من كل قيد،لذلك اختار ان يعيش على طريقته رغم الزخم الاجتماعى للوظائف التى التحق بها،
له المغفرة والرحمة

تعليقات
Loading...