تطمينات سودانية لمصر بعد الإفراج عن الإخوان.

وكالات :مرايا برس

 فتحت زيارة قام بها وزير الداخلية السوداني حامد محمد عمر إلى القاهرة الباب لتساؤلات عديدة حول تطوير تبادل المعلومات، وهو ما جرى بحثه خلال لقائه مع نظيره المصري اللواء محمود وجدي الأربعاء، حيث استعرضا أوجه التعاون بين البلدين وأساليب تعزيزه والمستجدات في القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك.

ويقول مراقبون إن التعاون الأمني مسألة ضرورية بعد حديث بعض الخبراء عن احتمال لجوء عناصر من الإخوان المصريين المقيمين في تركيا إلى السودان كملاذ بديل لهم في الفترة المقبلة بعد تضييق الخناق الإعلامي والسياسي عليهم في تركيا، ومن ثم عدم استبعاد تسللهم إلى الأراضي المصرية عبر الحدود الجنوبية المشتركة مع السودان.

وبات السودان خيارا مطروحا مع ما رشح من معلومات حول تفاهمات غير معلنة بين أنقرة والخرطوم في مجالات متعددة، حيث استقر عدد من الإخوان السودانيين مبكرا في إسطنبول ومارسوا نشاطا إعلاميا ملحوظا عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير من دون أن يعترض مجلس السيادة السوداني الحاكم على ذلك.

وتعد مصر من أكثر الدول تضررا من عملية ترحيل محتملة لعناصر إخوانية إلى السودان، ما يزيد من تعقيد العلاقات مع الخرطوم التي لا يزال ملف الإخوان أحد الملفات التي تحتاج تسويتها إلى جهود مضنية، فلم يتخذ السودان موقفا حتى الآن يتناسب مع حجم التطلعات المرجوة منه في مجال التعاون الوثيق والعمل على وقف الشكوك المصرية حيال ما يتردد حول عودة سياسية تدريجية لتنظيم الإخوان.

وقال وكيل جهاز الاستخبارات العامة المصري سابقا اللواء محمد رشاد إن أحد أهداف زيارة وزير داخلية السودان الاستفادة من الخبرات المصرية في التعامل مع تنظيم الإخوان حال لجأ إلى معاداة السلطة في ظل مخاوف مستترة من إتاحة الفرصة أمام عناصرهم للتواجد السياسي وزادت قوتهم على الأرض.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر عانت سابقًا من ألاعيب تنظيم الإخوان في تعاملاته مع السلطة التي كانت تهادنه، كما تخشى من وصول عناصر من المفرج عنهم أو القادمين من بلدان أخرى إلى السودان ومنه إلى مصر، وتكرار شبح الخطر الوارد من الجنوب من خلال عناصر يتم تهريبها عبر الأراضي السودانية.

وتنامت الهواجس المصرية بعد إفراج الخرطوم عن عدد من قيادات الإخوان في أبريل الماضي، ثم شروع طيف واسع من المنتمين إلى التيار الإسلامي في السودان بينهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم في عهد البشير، في تشكيل ما يسمى بـ”التيار الإسلامي العريض” وظهر كنواة لتوسيع التعاون داخل الحركة الإسلامية تمهيدا للاشتباك السياسي مع القوى المدنية والاستعداد لإجراء انتخابات بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
وذكرت مصادر أمنية لـ”العرب” أن عناصر الإخوان تشهد انفراجة في السودان مقارنة بالفترة السابقة التي تلت سقوط البشير، حيث جرى التضييق على البعض وإلقاء القبض على آخرين والزج بهم في محاكمات ممتدة ووضع سيف لجنة إزالة التمكين على رقاب العشرات ممن كانوا ضمن المجموعة الحاكمة في الخرطوم.

وأوضحت المصادر ذاتها أن الإفراجات التي حدثت للبعض وتجميد لجنة إزالة التمكين وعودة نشاط بعض القوى الإسلامية إلى الواجهة السياسية من العلامات المزعجة للحكومة المصرية، وزاد عليها احتمال لجوء عناصر من الإخوان المصريين إلى السودان لتتضاعف مخاوف القاهرة من أن تتحول أراضي السودان إلى ملاذ لهؤلاء، بما يعيد ذكريات أليمة في هذا الملف كانت تتوقع مصر تجاوزها بعد سقوط البشير.

وأشارت المصادر إلى أن زيارة وزير الداخلية السوداني إلى القاهرة أخيرا لم تحمل معلومات جديدة لتقديمها لنظيره المصري، غير أن الرجل حاول تقديم تطمينات بشأن ما يتردد حول عودة الإخوان كرديف سياسي للجيش الذي يواجه تحديات صعبة من قوى مدنية تسعى لخروجه من اللعبة السياسية تماما.

ودرجت الخرطوم على التسويف في ملف الإخوان، على الرغم من تقديم القاهرة أدلة على وجود عناصر خطيرة في الأراضي السودانية، ولم تستجب بشكل كامل بشأن التنسيق، وفي الحالات النادرة التي تعاونت فيها لم تجرؤ على الكشف عن ذلك في العلن.

ويبدو مجلس السيادة الحاكم في السودان كأنه يحتفظ بورقة الإخوان في الخلفية السياسية، ليس لمساومة أو مناورة مصر بها، لكن لأنها ورقة داخلية مهمة في يد قيادته العسكرية للضغط بها على القوى المدنية التي تتخذ موقفا صارما من الجيش، وترفض عملية التعاون معه والقبول بتصرفاته المختلفة، وهي الرسالة غير المباشرة التي حاول وزير داخلية السودان توصيلها لطمأنة القاهرة.

وأدت حسابات الجيش السوداني بهذه الطريقة إلى عودة ملف الإخوان إلى الواجهة السياسية وتتقاطع مع علاقته بمصر، حيث يعود ظهور عناصر من التنظيم أو محسوبة عليه أو قريبة منه في الخرطوم بأي صورة للدوران في الحلقة المفرغة السابقة التي دار فيها البشير، ما خلق تناقضات بين المؤسسة العسكرية والقاهرة في الوقت الراهن بعد أن ارتاحت مصر لما توصلت إليه من تفاهمات نسبية في الفترة الماضية.

عدد من الإخوان السودانيين استقروا مبكرا في إسطنبول ومارسوا نشاطا إعلاميا ملحوظا عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير من دون أن يعترض مجلس السيادة السوداني الحاكم على ذلك

وإن لم تحقق القاهرة ما ترجوه من تعاون كبير مع السودان، فعلى الأقل ضمنت كبحا للعناصر الإسلامية، ولذلك تمثل عودتهم السياسية المتوقعة قلقا لها، خاصة إذا صح لجوء عناصر إخوانية مصرية فرت أو على وشك أن تفر من تركيا إلى السودان.

وتظافرت الكثير من الإشارات لتوحي بعودة الحركة الإسلامية بأطيافها المتباينة كرقم سياسي مهم في المعادلة السودانية، ما أثار مخاوف لدى القاهرة دفعتها في الأيام الماضية إلى استدارة تتعلق بفتح أفق واعد للحوار مع القوى المدنية في الخرطوم.

وفهم متابعون إشارة إرسال وفد يمثل المجتمع المدني في مصر إلى السودان أخيرا على أنه إشارة خفية على رغبة القاهرة في الحفاظ على مسافة بينها والجيش في السودان، وضبط التوازن بعد زيادة وتيرة الأنشطة التي تمارسها قوى إسلامية يمكن أن تتفوق على الأرض مع استمرار الانقسامات بين القوى المدنية.

ويشير المتابعون إلى أن القاهرة تريد المضي في خطين متوازيين، أحدهما مع المؤسسة العسكرية من خلال التعاون الأمني، والآخر مع القوى المدنية من خلال القنوات السياسية كي لا تفاجأ بتمكن الحركة الإسلامية من السيطرة على مقاليد الحل والعقد في السودان.

المصدر :العرب اللندنية 

تعليقات
Loading...