حاتم صفوت كبلو يكتب :كفران النعم

الخرطوم :مرايا برس

(الجاحدون لنِعم الله عليهم هم الكافرون به وإن لم يعبدوا صنماً )..

لعل أكثر ما نفعني في دنياي كثرة صداقاتي التي كونتها في حياتي ، كنت أسكن في داخلية جامعة إفريقيا العالمية قبل 20 عاماً، وأرتاد مكتبتها العامرة وأصلي في مسجدها منذ 22 عاماً سلفت ، إضافة إلى أنني كنت أمارس رياضة الكراتيه في رابطة طلاب الجامعة ، والذي دخل جامعة إفريقيا العالمية يوما سيدرك كمية الأجناس والأعراق والألسن والثقافات التي تعيش داخل سورها ، في هذه الفترة تعرفت على أصدقاء من النيجر ، ونيجيريا والفلبين ، وتايلند، والسنغال ، وساحل العاج ، وبوركينا فاسو ومن والولايات المتحدة الأمريكية ، بل ومن الصين على سبيل المثال لا الحصر ، و عموم دول إفريقيا وكل دول شرق اسيا ، بعد دخولي مجال العمل إزدادت دائرة معارفي وصداقاتي لدرجة بعيدة جدا واختلطت بشعوب كثيرة جمعني معها عمل ،حتي من إسرائيل عرفت أشخاص وتواصلت معهم ، أكاد أكون صادقت كل معتنقي الأديان السماوية والارضية الوثنية ، حتي من أهل البوذية عاشرت منهم أناس ، الحمدلله وسّع هذا من حجم إدراكي ونظرتي لكثير من الأمور حُرم منها الكثيرون .
مع كل هذا الكم الهائل من معرفة الأشخاص والثقافات والأديان ، لم أجد حتي الآن شعبا جاحدا لأنعم الله ناسيا لما يملك ينظر لما في أيدي الناس وينسي مافضّله الله به علي كثير من الناس كالشعب السوداني ، شعب يدّعي الإسلام الصحيح والتدين الصريح وهو يتهم الخالق عزوجل يوميا بأبشع تهمة وأكبر فِرية ألا وهي الظلم وهذا في شريعتي عين الكفر لأن أحد أهم أركان الإيمان وبه تصح العقيدة ويصح الإيمان ويصح الإسلام هو ركن الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، للأسف الشديد نسبة كبيرة جدا من السودانيين تقارب ال90% ممن عرفتهم عن قرب يتهمون الخالق بالظلم أنه -جل وعلا وتعالي عن ذلك علوا كبيرا – أنّه ظلمهم في حياتهم وأنهم غير راضون عن قسمتهم وأنه لم ينصفهم بعضهم يصرّح بها جهارا نهارا وبعضهم يُهمهم بها في صوت خافت والبعض تُبصرها في عينيه وفي سهام حسده لمن هو أرفع منه ، يمكن أن نستثني منهم فئة صغيرة جدا من المتصوفة الزُهّاد الذين منّ الله عليهم بأنّ أخرج الدنيا من قلوبهم ، هولاء فقط تُبصر الرضا في عيونهم وتسمعه في أصواتهم .

خلال ثلاثون سنة عشتها في السودان صادقت الفقير الذي لا يملك قوت يومه ، وصادقت الملياردير الذي يملك ملايين الدولارات ، والله وتالله كلاهما حين يُصرّح بالسخط علي قسمته في الدنيا والله لا أكذب إن قلت قد يحتار الشيطان الرجيم في إعتراضه وهو قد أوتي 95% مما يحتاجه الإنسان لسعادته .
أتذكر أني قبل 10 أعوام تعرفت علي رجل ملياردير كان يحمل في سيارته ذات الدفع الرباعي يوميا 2 مليون دولار وذات الله العليا ليغتنم بها الفرص في شراء السيارات والعقارات المباعة ، هذا ليس كل رأس ماله هذا نقده السائل المستعجل للذين لا يقبلون الشيكات ، كنت كلما إلتقيته سألته عن أوضاعه يجيبني بكل تأفف الدنيا أن : ( الأمور زي الزفت والسوق واقف ومافي شغل )
كنت أستغرب جدا جدا في إجابته وأنا اعرف تماما أنه مستقر ماديا وصحيا وأسريا وحتي دينياً ملتزم متزوج ولديه أبناء ، كثيرا مافكرت أن أصفعه غضبةً لجحده نعمة الله ، إلاّ أنني في النهاية أستغفر لي وله وأسأل الله له حسن الخاتمة.
كل ما يسافر خارج السودان سيدرك الفرق بين الشعب السوداني الساخط دوما علي رزقه حتي وهو خارج حدود الوطن وبين بقية شعوب العالم التي تري الرضا في أعينهم وبعضهم ملاحدة يعتبرون أن خلق الكون صدفة .
إن لم نربي جيلا جديدا شاكرا حافظا لأنعم الله عليه شاكرا لأنعم الناس عليه- من لا يشكر الناس لا يشكر الله – فمن الغباء أن نحلم ببناء وطن ، الوطن تبنيه أمة والأمم أخلاق :
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت..
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ..

(فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ)
سورة الأعراف آية:١٤٤

تعليقات
Loading...