د. خالد البلولة يكتب : القدال في قريتنا.

الخرطوم :مرايا برس

اذكر في العام ٢٠٠٥م وجهت رابطة طلاب الجامعات والمعاهد العليا بقرية النوبة الدعوة للشاعر محمد طه القدال لزيارة قريتنا النوبة لاحياء ليلة شعرية ، واظنها جاءت ضمن النشاط الثقافى الذى تنظمه الرابطة بالقرية ..لا اذكر التفاصيل تحديدا.
وكانت خيارات مكان الليلة الشعرية متعددة منها نادي النوبةوبعض المدارس وكنت من انصار الساحة التي تقع جوار المسجد الوراني وتجاورها منازل متعددة ،لاعتبارات كثيرة ،منها ان الفضول يقود اهل المنازل للحضور واذا لم يحضروا يسمعوا عبر مكبرات الصوت وكانت الخطة ان تبدأ الليلة عقب صلاة العشاء وهذه ايضا لتقديرات منها أن المصلين بعد اداء الفريضة يخرجون ويتساءلون ماذا هناك ؟؟ ويقودهم الفضول ايضا للتوقف والاستماع ..
لم يخب ظننا وتوافد الناس لأن القدال شاعر نحرير ،وصوت سوداني اصيل ولديه القاء شعري مميز ومفرداته تمس واقعنا وتغوص في تفاصيل حياتنا .:-
الحلم التاني
لي فاطمة أم حجل
العرجون
الخيل مرحات
النوق مرحات
الخيل الدفرت
دفرت وادي صعيد أسوان
للبت البكر الزنجية
النوبة تصيح
لي حلفا نبيح
جاء الناس عقب الصلاة مباشرة ..امهاتنا وابواتنا..الشفع..الجنيات.. امتلأت الكراسى..اصطف الناس على جدران المنازل ..واهل المنازل من الداخل يتشابون..ويتاوقون..وبعضهم اظنهم يستمعون في اسرتهم ..
استرعى انتباهي صبر(اللمين ودطه ) الى أن انتهت الليلة الشعرية وهو رجل صارم وذواق ومرتب ودقيق في تفاصيل حياته ..وهو معلوم لأهل الحلة لا يجامل في الجهر برأيه مهما كان ولسان حالي يقول ( القعدت الأمين ودطه دي ما هينة.)
أداء القدال ومهارته الفائقة في الإلقاء تشنف الأذان بطريقته الدرامية المميزة
و في تلك الليلة كأنك تسمع دبيب النمل ..صمت رهيب …واصغاء عجيب وصوت الشاعر …عبر مكبرات الصوت ورجع صداه، يتردد في الأرجاء :-
أُمّاتِي القِبيلْ
بي حِنّهنْ لجّـنّي
كَرفة وقَلدة
كيف شوق اللّبن رَجّني
حُزناً جاني في مَيْع الصِّبا يلَجِّني
أطلعْ مِنِّي يا جلدي المِنمِّل جِنيِّ
واطلعْ مِنِّي يا حُزناً بِقى مكَجِّني
خَلّني أبدا مُسداري
والامين ود طه .. خالفا رجل فوق رجل …و يركز مع القدال مستعيرا اذنيه …وسألته في قمة تصنته:- الليلة الزول ده ساهر بيكم
فقال :(الزول غناي خلاص)
وليلتها طرب الحاضرين ..وانتشى القدال ..وتجلى في الأداء وعرف كيف يمسك العصب الحي في وجدان السامعين :-
ويالولد البشيل مدقاقو
قولة خير على القمره
يقابل الجاية متحزم
ويدارك الجاية متلزم
كلام فاسك على أرضك
يبقى عديلة يا بيضا
ويبقى زفاف تزغرد ليه قمرية
ويعلق الشيخ ود ادريس رجل يمثل السهل الممتنع ببساطته وطرافته (والله زولك حافظ كلامنا زاتو ..حرم التقول موصنو) ..
يبدو ان القدال وجد ضالته فى ذلك الجمهور (ما لقيت جمهور زي ده …وناس يحبوا الشعر ..كده )
الناس تتفاعل معه وتمارس حقها فيما يطلبه المستمعون ،مرة مسدار ابو السرة ،،والطمبارة والغناى..وحليوة ..والقدال يستجيب ويتجاوب ولم يتخيل ان هناك من يطلب حليوة :-
بقول غنوات وأقول غنوات
فى البلد ا لبسير جنياتها لى قدام
ولى الولد البتل ضرعاتو فى العرضة
ويطير فى الدارة صقرية
ولو السمحة تلت إيد ومدت جيد
يقوم شايلاهو هاشمية
ويشيل شبال ختفة ريد وفرحة عيد
وريدة روح وحمرة عين وايدية
وتجد الفرق شاسع عندما تستمع الى (الطمبارة والغناى) عند عقد الجلاد مموسقة وان تسمعها (حاف)بصوت صاحبها :-
نحن اهل الفرحة جينا
لا المدامع وقفتنا
ولا الحكايات الحزينة
لما درب الرايحة جابنا
جابنا في هادي المدينة
ياولدى الدروب شقاقة بحر التيه
ليك درب ولا دربين
مساك الدروب ضهاب
ليك قلب ولا بالين
سواي القلوب كضاب
ليك ضهر ولا سرجين
ركاب السروج وقاع
شق ياولدى بحر التيه
بتدردر وتتودر
الشوق بحر ياولدي بحر التيه
و عقب إنتهاء الليلة الماتعة تلك ،قدرت له اللجنة المنظمة مبلغا ماليا نظير تكبده المشاق ..واحياء تلك الليلة واكراما للشاعر المتميز ولكن نفس القدال الأبية ابت ذلك ،وقال يكفيني ان يجلس الى منتصف الليل هؤلاء الكرام (الأمين ود طه وصحبه) والمهندس ياسر ود اللدر الذي شد الرحال من ضاحية امبدة الى قرية النوبة (مكتول محبة) في نضم الشاعر ،والقدال من محبة الناس ماخلى الحبة ..
والشاهد في الأمر أن اللمين ود طه ..حدد نجاح الليالى الشعرية اللاحقة بليلة القدال ..واذكر اتينا بالشاعر الرائع عبد القادر الكتيابى وجاء الى الليلة باكرا وما ان بدا الشاعر يقرا نصوصه صرح الأمين (زولكم ده ما زي الأول )..
ارتحل بالأمس الشاعر محمد طه القدال نسأل الله أن يتقبله وأن يرحمه ويحسن إليه.

تعليقات
Loading...