د. خالد البلولة يكتب : حكاية التراب ..دراما المسكوت عنه.

الخرطوم :مرايا برس

الخرطوم :مرايا برس 

حبس إجباري جعلني اشاهد القنوات الفضائية العربية والسودانية واثناء مروري على تلك القنوات ،شاهدت قناة الشروق السودانية التي بدأت اعادة بث بعض برامجها القديمة استعداداً لمعاودة بثها بعد ايقافها من لجنة ازالة التمكين .

من البرامج التي شاهدتها (حكاية التراب) ضمن سلسلة حكايات سودانية للكاتب الدرامي المميز عبد الناصر الطائف وفحوى الحكاية علاقة عاطفية جمعت استاذ جامعي بطالبته وتوجت بزواج رفضته اسرة الفتاة لاسباب تتعلق بعادات اجتماعية متجذرة في المجتمع السوداني وباركته المحكمة بالعقد بينهما، متجاوزين سلطة الاهل والمجتمع.
حكاية التراب بطولة محمد عبد الله موسى  (العريس) واخلاص نور الدين (العروس) وبلقيس عوض( ام العروس) ومصطفى احمد الخليفة ( والد العروس).المخرج عروة احمد ( سوري) والمخرج المنفذ ( ابوبكر الشيخ).
(حكاية التراب) تشبه قضية تناولتها رواية (ساق البامبو) للكاتب الكويتي سعود السنعوسي حيث ناقش قضية العنصرية والحب المسكوت عنه بين الخادم ومخدمها، والخيط الرابط بين الفكرتين نجد الأم القوية المتسلطة غنيمة في {ساق البامبو} تتعامل مع الخادمة الفلبينية وحفيدها الفلبيني الكويتي بعنصرية مقيتة ، ونجد الفكرة نفسها في {التراب}عندما رفضت ام الطالبة زواج ابنتها رفضا تاما ،وايضا (غرابة)الحدث عند عامة المجتمع الذي جاء يتفرج على العريس وهو يتقدم لخطبة فتاة احلامه من اهلها دون ان يتخذ موقفا واضحا تجاه ما يحدث ..

يظهر المخرج من خلال مشاهد مختلفة والحوار الدرامي تمسك الفتاة بقناعاتها بضرورة المضى قدما في اتمام الزواج دون النظر لردة فعل المجتمع طالما لم تمارس فعلا مخالفا لقيم الدين الإسلامي بعكس العريس الذي بدا مترددا في الاقدام على خطبة الفتاة من اهلها رغم مستواه التعليمى المتقدم(استاذ جامعي)و متخصص بالتنوع وتدريسه .

في مشهد اخر يظهر العريس محاولاً اقناع اهل العروس بان زواجه من بنتهم لا يمس الثوابت من الدين الاسلامي ،فحشد الايات القرانية والاحاديث النبوية عندما اظهروا عنصرية مقيتة ورفضهم لاسباب تتعلق بثقافة مجتمعية (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ )..الخ
وتظهر ( العنصرية) بوضوح على لسان بائع الخضار الذي يتحدث الى والد الفتاة الذي اراد شراء طماطم وشخص آخر مناوئاً لفكرة الزواج الذي تم عبر المحكمة قائلا يكرس لهذه العنصرية من خلال قوله(الطماطم غالية) وهذه اشارة الى تمييز لون على لون ويضيف(الاسود رخيص وانت اصلا بتحب الاسود الباذنجان)اشارة للون العريس.
وظل التصعيد الدرامى محتدما حيث اظهرت المشاهد الدرامية الصراع الذي يعيشه العريس من خلال مخاطبة عروسه ( هل قرار زواجنا بالمحكمة صائب؟)وتتمسك العروس بصحة قرارها(طالما انا سعيدة في بيت زوجي لا يهمني أحد) وتتصاعد المشاهد عندما تذهب لعزاء والدتها بصحبة زوجها ويرفض اهلها استقبالها ويشيح والدها بوجهه عنها امام جمهرة من اهل القرية وتغادر حزينة ومكسورة الخاطر بحثا عن قبر والدتها ويلحق بها والدها هناك ويسلم على طفلها ويقبله ويطلب منها ان تعود في العيد الكبير قائلاً: (العيد الكبير هو العيد الوحيد البلم الأهل)اشارة الى مباركة الزواج والاعتراف به ..

طرح الكاتب قضية حقيقية وشائكة وتعد من الموضوعات المسكوت عنها في الثقافة السودانية والعربية ، يصعب طرحها عبر الحوار المباشر ، وسبق ان اشار اليها الفنان التشكيلي ابراهيم الصلحي في برنامجه (بيت الجاك) عندما كان وكيلا لوزارة الثقافة والاعلام وتم ايقاف البرنامج ،لذلك تعد الدراما التلفزيونية وسيلة مهمة في تقويم سلوك المجتمعات ومحاربة العادات السلبية والتشوهات الثقافية وظلت القنوات الفضائية تهمل البعد الثقافي للعمل الدرامي ،فالكاتب عبد الناصر الطائف من خلال(حكاية التراب )رمى بحجر فى بئر ساكنة و فتح كوة امل ضد ظلامية التعصب للون والقبيلة والجنس.
حكاية التراب كتبها الاستاذ عبد الناصر الطائف الذي بدأ تجربته مع الكتابة الدارمية بدراما الراديو ويعد ركيزة اساسية من ركائزها مع صديقه انس عبد المحمود وتجربته مع الدرامية التلفزيونية تعد حديثة مقارنة بتجربته الاذاعية ومع ذلك احدث فيها نقلة نوعية من خلال ما يطرحه من قضايا تمس عصب الواقع السوداني. 

تعليقات
Loading...