د. عبدالله صالح سفيان يكتب : تعازي مستحقة : الحاجة الجوهرة الطيب. 

الخرطوم :مرايا برس

بصادق العبرات والعبارات ينعي الفؤاد والعقل و القلم الأستاذة الأديبة الفنانة و السيدة الفضلى / الحاجة الجوهرة الطيب (=جيريزلدا) زوجة العلامة الراحل عبدالله الطيب. كان هذا هو اسمها ورمزها لديه بعدما حجا واعتمرا معاً… فتقرر لديه تسميتها بالجوهرة….
 كانت المرحومة أستاذة للأدب الإنجليزي بجامعة الخرطوم والتقيناها ونحن طلاب علم بكلية الآداب في جامعة فاس حيث نجحت – بتوجيه من العلامة الراحل – في استحداث اختراق أكاديمي : مشهود ومحضور؛ للتقليد الثقافي الفرانكوفوني بمحاضراتها في الجامعة المغربية. تهافت على دروسها واحتضانها يومذاك عدد كبير من الطلاب الراغبين في تعلم اللغة الانجليزية والتعرف إلى الحضارة البريطانية العريقة.. عبر الرواية والدراما والسينما وحتى الرحلات البيئية وغيرها من المناشط الحميمية التي أفسحت لها مكانة وهيبة بل ومحبة باذخة بجامعة وحواري وبيوت أسر فاس العتيقة ومنتدياتها الثقافية؛ وخاصة بعدما تفتحت وانداحت أكثر وأبعد غورا وأشمل تأثيرا موهبتها في الرسم الفن التشكيلي… فغمرت لوحاتها مساحات الود والتلاقي بين الثراث السوداني والمغربي ووااسعةلديها النظر بالبصر والتعبير باللون والفرشاة في لوحاتها ومعارضها التشكيلية التي شملت الحلي و الملابس وديكور بعض المسرحيات….
 أضافت بصمات ولمسات الجوهرة الراحلة الكثير والجديد والجميل لحياة العلامة الراحل بشهادة تفاصيل حياته العريضة وحضوره الخصيب…. بفخامة علومه وآدابه وعطائه بلا حد ولا عدد؛ وفكره الحواري وأفقه المنفتح الرحيب وحضوره الباذخ البهي المُرصَّع بالعلم اللّدُنِّي(…) الشاهد له باندياح فتوحات وانزياح كشوفات قَلَّ نظيرها… و بحيث لم نشهد في عصرنا عبقريا يَفْري فَرْيَه !!!
 إلتزامت الجوهرة الراحلة التزاما صوفيا صارما بالوفاء لذكرى ومكانة زوجها العلامة الراحل بحضورها السنوي الراتب في موقع خاص لكتبه وما كتب عنه بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب؛ واستطرادا ووفاءً حميميا ذاخرا بمشاركتها بهجة الأعياد لأهله في قرية التميراب والبيت الكبير في دامر المجذوب : تبركا وتزكية لصلة الرحم وتجويدا جميلا لمسار بديع….
جاءت إلينا عروسا مزنَّرة بصلف وقوة التاج البريطاني… فاخترق العلامة الراحل منها الروح والقلب والنفس بروحه وريحانه و…أضاف لها قسطا بل سيولا من المحنة والحنان والجود والسماحة وطيبة المجاذيب : قيمة مضافة… تلك التي غمرت منا وفينا الشخص والضيف غدوا ورواحا في دارهم العامرة كلما زرناهم بترحاب فياض…
 أضافت الراحلة أكثر : وأرقى وأغلى وأبهى لحظات عمرها المديد لعمر العلامة الراحل فتكاملت في دارهما بفاس بشريات الإستقبال الثري ومراحب المحاضن الثّرًّة و مواطن المَحَنَّة والحنان الدّافِق الذي يغمر الزائر لدارهم في فاس العتيقة او في بيت الجامعة/ بري او في مزرعتهم الأنيقة في بوتري على شاطيء النيل في ضواحي الخرطوم … حين كنا نزوره فجده يسبح مستمتعا – بمهارة – في بحر النيل الأزرق الموَّار…
 كم كان بديعا ان يستضيفك يومذاك العلامة الراحل عبدالله الطيب والجوهرة الراقية : في داره الرحيبة ليحكى لك عن استمتاعه بالسباحة في بحر النيل الأزرق في مزرعته الخاصة في بوتري؛ او حين يسبح في نهر النيل الازرق الهدَّار او في بحر نهر عنظ مسقط رأسه بقرية التميراب قرب الدامر…
 أحسب ان الجوهرة الراحلة كانت تستمتع ذات يوم فاسي مغربي الهوى والهوية : بصيد وشواء السمك؛ بينما العلامة الراحل يستمتع دوماَ بالسباحة الممزوحة بالتأمل في الطبيعة الغنية بالجمال والجلال والسكون المُلهِم في (ضاية عوَّا) مع أسراب الوِزِّين الضَّاية أي البحيرة الموسمية الصغيرة/العميقة التي تقع بين روابي جبال الاطلس المتوسط في المنطقة بين مدينتي فاس وايفران حيث تأسرك الطبيعة الخلابة المرتدة في بساط سندسي مُخْضَرَّ الحواشي…. مُطرَّزٍ بأشكال متعددة وألوان متنوعة من الأزاهير والورود البرية المنثورة بفتنة فنية في حكمة إلهية … تحكي بل… تحاكي روعة الإبدع والجلال!!!
 كان هذا المشهد من دفتر الذكريات المعطَّرة التي سطَّرتها في نفوسنا وحفرتها في داخلنا… بصمات هذه الجوهرة الراحلة وهي تنظم وتفسح مساحة خاصة لنا من وحول العلامة….نخبة محددة ومحدودة من الطلاب يومذاك …. كانت تَحنُوْ علينا يومذاك في فاس ” حُنُوَّ المُرْضِعاتِ علَى الفَطِيمِ” كما قال الشاعر…
رحمها الله الرحمة الأوسع بقدر أفضالها وأعمالها وحروفها ودروسها وكلماتها ولوحات فنونها وآدابها وإبداعها و… وبرّها ومحبتها و …. وفائها الإبداعي الأسطوري للأسطورة للعلامة الراحل عبدالله الطيب المجذوبت.
تعازينا إلى زملائنا رفاق الدرب في الجامعات المغربية وخاصة أسرة العلامة الراحل عنهم الأستاذ إدريس مصطفى علي وشقيقته الأستاذة فادية والى جميع الأدباء والكتاب والتشكليين. 

تعليقات
Loading...