د. عصام بطران يكتب هل هي أحزاب؟!. 

الخرطوم :مرايا برس

🎯استراتيجيات… د. عصام بطران. 

– تراكمات الماضي وتداعيات الراهن السياسي تذهب الى حد بعيد الى ان الاجسام السياسية السودانية التي تسمى احزابا هي ليس كذلك من حيث المعايير والتكوين والتشكل والممارسة سواء من الناحية الدستورية او القانونية او الهيكلية ..
– معظم الاحزاب السودانية التي تعمل في الساحة السياسية تعاني من ازمة البناء الهيكلي الديمقراطي منزوعة الوطنية ضعيفة الاثر السياسي والجماهيري .. فالناظر الى مجريات الاحداث يقرر دون مواربة ان الاجسام السياسية التي تسمي نفسها احزاب هي سبب الازمات والنكبات التي واجهت البلاد في الحقب التاريحية البعيدة والقريبة فمنذ العام ١٩٤٤م تاريخ المبادئ التاسيسية للاحزاب السودانية ظلت تعاني من نفس الداء الذي انحصرت مسبباته في ثلاثة نقاط:
الاولى: خلل النشأة والتكوين الداخلي .. فمعظم الاحزاب السودانية خرجت من تحت عباءة التكوين الاسري والمناطقي والجهوي “حزب الزعيم الملهم” ..
الثانية: المضمون الفكري .. حيث ان المبادئ الفكرية في غالب الاحزاب السياسية نابع من ايديولوجيات تتنافر مع قطب التنشأة المجتمعية العشائرية والقبلية المحافظة “مستوردة” ..
الثالثة: السند الدستوري والقانوني .. الذي اتاح لكل مجموعة متقاربة المصالح والاهداف تاسيس حزب سياسي دون النظر الى النوع والكم وجغرافية الانتماء “الحصول على التمويل” ..
– كل تلك الاسباب مجتمعة اسهمت في بروز سمة اساسية تميزت بها الاحزاب السياسية السودانية هي ظاهرة التشظي والانشقاقات .. واهم من يعتقد ان الانقسامات الحزبية حديثة او تنسب الى حقبة سياسية بعينها .. فهي خاصية ظلت ملازمة للحزب السوداني للاسباب انفة الذكر بسبب “خلل البناء الهيكلي والتنظيمي والفكري” ..
– لا يخلو حزب سوداني من الانشطار والانقسامات فمنذ اول انشقاق حزبي في حكومة بواكير الاستقلال توالت النكبات في بنية الاحزاب السياسية السودانية من اقصي اليسار الى يمين اليسار ومن الطائفية الى “الراديكالية” ومن اقصى اليمين الى وسط اليمين .. حتى الاحزاب الشيوعية ذات المنبع النظري الواحد صارت اكثر من حزب شيوعي اما الاحزاب الاسلامية تعدد كالمذاهب وتبرعمت حتى صارت منقسمة على ذاتها يكفر بعضها بعضا .. الى جانب الاحزاب العروبية التي باتت لا تعترف حتى باسم منظرها “ميشيال عفلق” .. اما احزاب البيوت الطائفية فانقسمت الى احزاب ابناء “العمومة” وانقسم حتى الاشقاء والاصهار في البيت الواحد ناهيك عن انقسام الرعية والاتباع والمريدين والاحباب ..
– الفكرة الحزبية في السودان غير مؤهلة تماما لقيادة اي تحول ديمقراطي راشد وتحتاج الى اعادة النظر لتواكب المفاهيم العالمية من حيث معايير التاسيس والتسجيل والهياكل والبناء التنظيمي وفوق كل ذلك النأي بها عن مواطن الاستقطاب العالمي والاقليمي خاصة فيما يتعلق بالمبادئ العقدية والفكرية والتمويل والانتماء الوطني ..
– ليس من السهل التهيئة الامنة لاي عملية تغيير وانتقال سياسي في ظل اقتناص الفرص والاختطاف من احزاب جماعات “الراديكاليين” الذين يؤمنون بالمبادئ السياسية التي تركز على اقتلاع الجذور الاجتماعية باتباع اساليب ثورية وتغيير نظم القيم باساليب جوهرية .. وتمثل عندهم دلالة “التغيير الجذري” عنصرا أساسيا في التغيير الاجتماعي وقد اشار مصطلح “الراديكالية” قديما الى “اليسار الراديكالي” وهم اكثر العناصر السياسية التي تدعو الى المدنية والديمقراطية عبر “جرجرة” المجتمع بهذه المفاهيم الرنانة التي تجد القبول عند العامة في غياب الوعي الجماهيري باهدافهم ومراميهم .. ولكنهم في الواقع اكثر الجماعات “دكتاتورية” في الممارسة السياسية خاصة اذا ما وجدوا موطئ قدم داخل اجهزة الحكم او تمهدت لهم سبل اختطاف الجماهير بنجاح .. وهذا ما حدث في الانتقال السياسي في السودان اذ ظل مختطفا من جماعات اليسار “الراديكالي” عن طريق احزاب سياسية معروفة المنبت والتوجهات الفكرية والعقدية مع غياب شامل في اتجاهات الوعي الجماهيري ..

تعليقات
Loading...