د. علي الدرورة يكتب :المجتمع والوهم.

الخرطوم :مرايا برس

كثير من أفراد المجتمع يتبع أهواءه فينكّئ جراح جيرانه أو أصدقائه أو حتى أقربائه دون الاكتراث لما يجري بعد ذلك، فنجده يزيد في السّخرية منهم بقصد إذلالهم عمدًا وببرود شديد وكأنه فاقد كلّ الأحاسيس الإنسانية.
ولا يهمّه النتائج مهما كانت وكأنه لم يعمل شيئًا وبأعصاب باردة جدًّا، وهذا يقع كثيرًا في أغلب المجتمعات، حتى المجتمعات المعروفة عنها التديّن، وقد يقول قائل بأنّ جراحًا في الماضي مسّت قلب هذه النماذج من الناس فغيّرت نفسياتهم وعصرتهم عصرًا وهم في هذه الحالة ينتقمون بردّ الصّاع صاعين، فنجدهم يبادرون إلى العمل الإجرامي بالطرق الملتوية التي يرونها صوابًا وتتماشى مع عقليتهم الهزيلة، وبالتالي لا يهمّهم أن يخسروا كلّ شيء حولهم فتزداد حسراتهم على هذا التّفريط.
وأغلب هؤلاء هم من ذوي الثقافة الضّحلة أو الفكر المشوّش، فهم يعيشون في حالة من التهريج الفكري مع أنفسهم فيبيّنوا للناس مساوئ الآخرين، وإذا لم يكن لهم مساوئ اخترعوا لهم وزيّفوا الكلام ضدّهم ما لم يجدوا من يقف في وجههم ويردعهم بعدم الغيبة والسّخرية والنّيل من مكانة الآخرين.
يقول ديستويفسكي:
*(لا يمكنك أن تشفى في نفس البيئة التي جعلتك مريضًا)،* ولا شك أنه لا يقصد البيئة بذاتها، ولكنّه يقصد أبناء المجتمع والمحيطين في تلك البيئة المريضة.
هؤلاء المرضى في أيّ مجتمع كان يحتاجون ليس للعلاج الطبيعي ولكنّهم يحتاجون للعلاج النفسي ليكتشفوا كم هم واهمون وماضون في الوهم.
إنّ مجرّد خروج أحدنا في أحد الطرقات يكتشف كيف أنّ المجتمع يعاني من أمراض نفسية مزمنة من خلال أساليب عديدة جدًّا في التعامل، فعلى سبيل المثال نأخذ أسلوب قيادة السيارات في الطرقات والتعامل مع نظافة البيئة أو في التعامل مع السّائقين بطرق مقرفة.
إنَّ حاملي الأوهام كثيرون وهؤلاء يشطّ بهم الخيال السّلبي بعيدًا وعلى حساب مشاعرهم فنجدهم يؤمنون بأمور سلبية دون إدراك خطأ الوهم الذي هم فيه، فعقليتهم تصاب بهلوسة، وقد يأخذنا العجب من ذلك الميل عن الجادة التي كنّا نراهم فيها، وكانوا ينعمون فيها إلّا أنّ هذا التغيير المفاجئ وغير المتوقع مكن لهم التغيير الفعلي وشطّ بهم بعيدًا.
مجرّد تصرّفات كثيرة من أبناء المجتمع تجعلك تشعر بالغثيان من السّطحية التي يعيشها طبقة معيّنة في المجتمع كنت تظنّ فيهم خيرًا فتنبذهم لسوء تصرّفهم السّلبي تجاه أبناء مجتمعهم.
أدرك تمام الإدراك بأنّ أيّ مجتمع فيه الشياطين المتدثّرين بعباءة الدين وهم أكثر من الذين نعتقد أنّهم في مصافّ الملائكة.
وقناعتي هذه تنمّ عن خبرة في تعاملي مع طبقات كثيرة في المجتمع ولسنوات طويلة جدًّا، وبعد اختبارات وتمحيص واقتناع فأنا لا ألقي الكلام على عواهنه وهو معروف عنّي ومواقفي واضحة بشكل جلي وهي أيضًا خبرة العديد من المعارف الذين مرّوا بمثل تجارب كهذه، وكانت نقاطًا مرّة في حياته، إلّا أنّها اليوم أضحت نسيًا منسيًّا ومن مخلّفات الماضي البعيد.
حين ننصت إلى الآخرين لا نكون مثل الأطرش في الزّفة كما يقول المثل، بل ندقق بين كلّ جملة وأخرى ونفهم معناها جيّدًا، كما هو الحال حين نتصفح كتابًا فإننا نتوقف بين الجمل والسّطور والصّفحات لنولج في العمق ونمحّص تلك العبارات.
ومن خلال ذلك التدقيق يمكننا أن نعرف تاريخ الكاتب عبر ما دوّنه من سرد، وحينها نكتشف إذا كان ذلك على قاعدة صلبة أم هشّة، كما نعرف تاريخ الجراحات التي مرّ بها، وهل هي مشابهة لتاريخنا أم أعمق، فتشابه الأحداث عند البعض يعطي الانطباع عن قيمة الإنسان في مجتمعه.
ومهما يكن، فإنّ الأمور إذا جرت على عواهنها فلا شك أنّ الرياح تستمرّ في نقل الأمواج من بحر إلى آخر، وهنا يبقى المجتمع في دوامة لا تنتهي أبدًا، فالوهم وضحالة الفكر هما المسيطران والمعشعشان في عقلية تلك الفئة.
والحلّ لمثل هذه العقليات هي إعادة برمجة العقل وضخ ثقافة جديدة تتماشى مع الأساليب الحضارية، وهذا يحتاج إلى عامل زمني، فالشّعوب المتحضرّة لم تستيقظ من غفوتها بين ليلة وضحاها حيث إنّ الجهل إذا عشعش في العقول فإنّ إزالته ليس سهلًا كما يظنّ الكثير.
_____________
منتدى النورس الثقافي الدولي.

تعليقات
Loading...