د. ناهد قرناص تكتب : أغاني المايكروويف.

الخرطوم _مرايا برس

في بداية سنوات زواجي ..كنا في الطائف بالمملكة العربية السعودية …كان زوجي قد قام بدعوة عدد مقدر من العزابة للغداء وكان علي العمل بكل طاقتي منذ الصباح ….وانا في المطبخ أمارس التنقل بين حلة الى طوة وبالعكس ..كنت استمع الى شريط تسجيل احضرته معي من السودان …الشريط لاحد فناني الشايقية ..والحقيقة انا احب الاستماع الى اغاني (الشوايقة )..خاصة وانا بعيدة عن الوطن ..احس كأن الشاعر يتحدث بلساني وهو يشكو الغربة والحنين الى اهله وارضه ونخله …
كنت اردد مع الفنان ابيات الاغنية ..اذا بي احس ان حركة ابو هند قد زادت الى المطبخ ..يدخل ..ثم يخرج ..يعود مرة اخرى ..لا..لا . ليست عادته …في شئ غلط …سألته (خير يا ابو هند في حاجة ؟ )…هز رأسه ضاحكا وقال (لا ما في شئ ..بس داير اطمن انو أكلك ما يطلع نئ زي الغنا البتسمعي فيهو دا ) ..غناء نئ …هل سمعتم بمثل هذا التعبير ؟؟!! (يعني في غنا نجيض؟؟)..قلت له (طبعا انت الغنا لو ما بقى فيهو قطيع رقاب وقليم فقر وسيلان دم ..ما ببقى غنا ..مش كدا؟ ) ..
هذا ما يدعى بتلاقح الثقافات وصدام الحضارات …يعني لما تجي من بيئة زراعية اهلها مستقرين يزرعون ويحصدون ..يتناسلون في اماكنهم ..يصبح السفر لديهم معضلة ..والغربة مأساة ..لذلك تجدهم يتغنون لمسقط الرأس ..يحنون الى الام والحبيبة والنخيل والنيل ..اما تلك القبائل التي توارثت التنقل من بيئة الى أخرى ..تجد ان مورثوهم الغنائي اغلبه يرتكز على ذكر محاسن الفارس ..قاهر الاعداء ..وحامي حمى القبيلة ..اغنية مثل (السم النقوع اللي البدن نتاح ..تمساح الدميرة الما بكتلوا سلاح ) …
اغنيات ان تمعنت فيها سينتابك العجب عن كيف يتراقص الناس ويتبادلون الابتسام وهم يستمعون الى هكذا كلمات .. (سيفك للفقر قلام ) ..ولكنها الثقافة وتأثير البيئة الذي يجعل احدهم تبلغ به الحماسة ان يخلع قميصه ليجلد على ظهره وتسيل الدماء حقا وحقيقة.
اذكر أنني قرأت قبل فترة للدكتورة تماضر الحسن نقاشا دار بينها وبين ابنتها التي تشربت بثقافة الانجليز ..سألتها ابنتها عن معنى أغنية (ابو لي بيه يا اللبن ) ..قالت لها انها اغنية تحكي عن فتاة تحب رجلا تتمنى ان يرضى ابوها بزواجها منه.كان رد ابنتها (ما دخل اللبن بأغاني الرومانسية ؟؟ )…صحيح …ما دخلها ؟؟ انما نحن ابناء بيئاتنا ..نتغنى بما تورثناه ..وما درجنا على سماعه …..قياسا على ذلك يتوجب علينا ان نتفهم اغاني الجيل الجديد التي ربما نراها (هايفة ) وغير ذات مضمون لكنها تمس وترا داخلهم.
بالامس قرأت لقاء صحفيا مع مغني شاب ..اثار حفله الغنائي الاخير كثيرا من اللغط وتداول الناس صورته وهو يغني عاري الصدر امام جمهوره العريض ..الفنان قال مدافعا عن موقفه لماذا استنكر الناس خلع قميصي بينما يرونه رجولة وقوة شكيمة في (البطان؟) ..واستطرد قائلا انهم في هذا الجيل غير مطالبين بسماع اغاني الحقيبة ولا بالطرب لاغنيات الزمن الجميل ..صحيح لماذا نطالبهم بذلك ؟. اغنياتهم تعبر عن هذا الجيل وثقافته ..لا استطيع لومهم لو لم تطربهم (القمر بوبا ) ..اغلبهم لم يسمع بالقمر بوبا ؟ولا يعرفون ما هو (توب الزراق الفوقها تقول حرير!!)….
الشاهد في الموضوع اننا كما نطالب الجيل الجديد (بالقعاد في الواطة ) واستيعاب اشياء لم يعاصروها ..يجب علينا ايضا ان نتفهم انهم خلقوا لزمان غير زماننا وبالتالي مفاهيم غير ..واغاني غير …(بيني وبينكم اغاني بلا طعم ولا لون ولا رائحة ) لكن نقول شنو لقد هرمنا و(اللي كان كان )…….في الختام اقول لابي هند ..ان كان ما كنت اسمعه في ذلك الزمان (غنا نئ .. يبقى اغاني هذه الايام ..اغاني مايكرويف ساااي)

تعليقات
Loading...