د. ناهد قرناص تكتب لأن الوقت لا ينتظر.

الخرطوم :مرايا برس

شاهدت بالأمس فيلما امريكيا بعنوان (الاجازة الاخيرة) ….الفيلم يحكي عن امرأة تعمل كبائعة لادوات الطبخ في احدى المحلات ..تحدث لها اغماءة ذات يوم في مكان العمل ..وعندما يهرع بها زملاؤها الى المستشفى ..تفاجأ بأنها تحمل ورما خبيثا في المخ ..ويقول لها الطبيب بكل أسف ..ان ايامها في الحياة صارت محسوبة ..لا تتعدى الثلاثة أسابيع …

بعد ذهاب المفاجأة تجدها تتحسر على تلك الامنيات المؤجلة التي كانت حبيسة مدونة اسمتها (كتاب المحتملات) ..فقد كانت تدون فيه امنياتها التي ترجئها الى وقت اخر ..تكون قد جمعت فيه مبلغا وفيرا من المال ..ربما كانت تنتظر التقاعد ومكافأته ..ربما كانت تتوقع فسحة اكبر من الوقت …ثم قررت بعد معرفتها بالمرض .. ان تحاول تحقيق امنياتها في ذلك الوقت القصير …سافرت الى بلاد بعيدة ..تزلجت في الجليد .ذهبت الى ملاهي …تعرفت بأناس جدد ..وجدت الابتسامة اخيرا طريقها اليها …في احد المشاهد وقفت امام المرآه …قالت لنفسها .(.لو وجدت فرصة اخرى للحياة .. ..لعشتها كيفما اتفق ..لما اجلت أي شئ يمكنني عمله) …وانا اشاهدها تتحدث.. وجدتني اسرح بتفكيري ..وأقول ..كم امنيات مؤجلة ..ننتظر بها فسحة وقت او مال ..تجدنا نكدح الى ما لا نهاية وتضيع الحياة من بين ايدينا ..ويتسرب الوقت شيئا فشيئا ..

تذكرت انني قرأت مذاكرت ممرضة كانت بالقرب من أناس قضوا نحبهم في المستشفى الذي تعمل به ..كانت تسألهم سؤالا واحدا ..(.لو استقبلت من عمرك ما استدبرت ..ماذا كنت فاعلا ؟؟)…جميعهم ..اتفقوا على اجابات مشتركة ..كانت هي (قضاء وقت اطول مع احبابهم …وانهم لن يتركوا التوتر يفترسهم والحسرة على ما يفتقدونه تقتلهم ..فالحياة اجمل واسهل مما نتصور )..

بالامس كلفتني احدى زميلاتي باستلام امانة ..مرسلة اليها من الخارج ..وسيحضرها شخص لا تعرفه الى المعمل ..ولكنها كانت مشغولة ولا تستطيع انتظاره ..كان علي الاتصال به عدة مرات ولكنه لا يرد .. كنت قد امتلات بالغضب فقد تأخرت على العودة ..بعد فترة اتصل ..معتذرا بأنه كان (سايق ) ولذلك لم يرد ..ولكنه الان بالخارج …عندما خرجت ..وجدته شاب في العشرينيات من العمر ..معاق حركيا ..يقود دراجة مصممة لذوي الاحتياجات الخاصة …عندما القيت اليه بالتحية عرفت انه يعمل كخدمات توصيل ويقود مسافات بعيدة ..كان يضحك وهو يقول ..(معليش اليدين شغالين شغلهم وشغل الرجلين ..عشان كدا ما بقدر ارد وانا سايق ) ..

الحقيقة لم استطع مجاراته في ابتسامته وتفاؤله وتقبله لوضعه …كان موجة من الامل تتحرك على عجلات ..غيره ..ربما كان قد قضى عليه السخط وعدم الرضى بالاقدار …ولكنه قرر ان يعيش حياته ولا يتركها لليأس …غادرني وقد نقل الي عدوى التفاؤل والابتسام ..وترك عندي فكرة ان اجمل مافي الحياة لا يمكن شراؤه ..الابتسامة والثقة في الله ..ونظرة تفاؤل بالغد … فالحياة ليست الا مجموعة من الذكريات فكن حريصا على احتشادها باجمل اللحظات .. 

.لا تؤجل فرح اليوم الى الغد …لا تختزن امنياتك حتى اخر العمر …لو وجدت كتابا اقراه …لو اتتك فرصة للسفر ..اقطع تذكرة وشاهد العالم ..ابتسم وسامح وتغافل …واجمع كثيرا من الأصدقاء حولك …عش حياتك اليوم ..الان ..وليس غدا …لماذا؟؟… ببساطة لأن الوقت لا ينتظر.. 

تعليقات
Loading...