د. ياسر محجوب الحسين يكتب :ابن الهرمة في المسرح الدولي!.

الخرطوم :مرايا برس

مرايا برس 

أمواج ناعمة… د. ياسر محجوب الحسين. 

كان ابن الهرمة (80 – 179هـ) في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور، رجلا مراوغا سكيرا لكنه كان صاحب حظوة ومكانة لدى الخليفة. فهو يجيد السمر والطرفة، ولذلك كان يقدم خدمات السمر ليلا للخليفة، وبعد مجلس الخليفة الليلي يخرج لشوارع المدينة المنورة، حيث ولد ونشأ وتوفي فيها، وقد شرب الخمر حتى الثمالة، لكن في جنح الظلام يصادفه العسس ويستوقفونه، ويحيلونه للقاضي، حيث يقرر فيه تطبيق الحد الشرعي. بيد أن فساد السلطة ينقذه في اللحظة الأخيرة بوساطة آثمة من الخليفة ربّ البيت وضارب الدّف. لكن ابن الهرمة لم يكتف بهذه الوساطة من الخليفة فطمع في شيء أعظم إثما؛ ولعلمه بشغف الخليفة باللهو الليلي، انقطع ابن الهرمة عن زيارة الخليفة متعمدا فأرسل الخليفة في طلبه لكن ابن الهرمة بعث صديقا له لمقابلة الخليفة، مشترطا، أن يعطيه الخليفة “صكًا” يبرزه إلى العسس حتى لا يقبضوا عليه إذا وجدوه سكرانًا.
بيد أن هناك ثمة ما يمنع الخليفة من فعل ذلك علنا لما يحتمله هذا من شبهة الخروج عن الشرع، والتعارض مع حدود الله، فطلب من ابن الهرمة أن يفكر في حل آخر يقيه شر العسس ولا يضع الخليفة في حرج بزعم أنه حامٍ للقانون والنظام ويريد أن يحافظ على صورته أمام رعيته ومؤسساته. ابن الهرمة لم يغلب حيلة، فكتب مرسوما ليوقعه الخليفة ويصبح نافذا. فجاء في المرسوم: (نحن أمير المؤمنين وقد تلاحظ لنا، أن هناك من بين الرعية رجلاً يدعى ابن الهرمة، كثر القبض عليه ليلاً وهو شارب الخمر، وقد عفونا عنه مرات ومرات دون أن يرتدع لذا نأمر بما يلي: إذا ضبط ابن الهرمة سكرانًا في أي وقت من أوقات الليل والنهار يجلد ثمانين جلدة، ويجلد من شارك في القبض عليه مائة جلدة). فصارت شرطة المدينة وعسعسها يمرون به، وهو سكران، فيسأل كل واحد منهم: من يشتري الثمانين بالمائة؟!. لقد أصبح ابن الهرمة وقانونه مضربًا للمثل في التحايل على القانون.
ما هي الدولة المدللة التي تمثل ابن الهرمة؟ وما هي القوة العظمى الرغائبية التي تمثل الخليفة أبي جعفر المنصور؟. ربما الاجابة سهلة ولا تحتاج لعناء. أمس واليوم وغدا يتداعى مجلس أمن حكومة العالم لتبرير أفعال ابن الهرمة وتجريم كل من يعترض على أفعاله. بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية تتداعى لمناقشة الهجوم الذي استهدف الأسبوع الماضي ناقلة إسرائيلية تسمى الناقلة “ميرسر ستريت”، قبالة سواحل عُمان. بعد أن وجّه ابن الهرمة (إسرائيل) أصابع الاتهام لإيران التي نفت بشدة. وطالما الاتهام صادر من إسرائيل فبالضرورة أن تنضم الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إسرائيل في تحميل إيران مسؤولية الهجوم المرجح أنه نفّذ بطائرة مسيّرة. بل أقسمت واشنطن بالقيام بتنسيق “ردّ جماعي” على إيران.
وسواء قامت طهران فعلا بالهجوم في إطار الدفاع عن النفس أو ردا لصاع سبق، فلو أن إسرائيل هي المتهمة بالاعتداء فلن يحرك الخليفة ساكنا، بل إن إسرائيل في كثير من الأحداث تعلن عن اعتداءاتها صراحة وفخرا دون رادع أو لائم أو معاتب. إيران سبق أن اتهمت إسرائيل بالوقوف خلف هجوم “تخريبي” تعرضت له سفينتها “إيران شهركرد” في البحر المتوسط في مارس الماضي. وفي أبريل كذلك أعلنت طهران أن سفينتها “ساويز” تم استهدافها في البحر الأحمر. من ناحية أخرى أعلنت لبنان الخميس أنها ستتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي بعد غارات وقصف إسرائيلي استهدف جنوب البلاد. وقالت بيروت إن الاعتداء الإسرائيلي جاء بعد سلسلة من الخروقات لسيادة لبنان واستخدام أجوائه للعدوان على سوريا.
لا تحدثوا إسرائيل عن القانون الدولي واحترام سيادة الدول، لكن حدثوها عن موائد الكبار دون أن تشبع أو تكتفي. يحكى أن ابن الهرمة دخل إلى عرس أو حفل ‏يبتغي عندهم شيئا من الطعام، فأطال ‏أصحاب الحفل الحديث معه وجعلوا يتذاكرون معه في أمور ‏القرآن الكريم، ولم يطعموه شيئاً. فانصرف وهو يقول: لقد حفظوا القرآن، واستظهروا ‏كل ما فيه إلا سورة المائدة لم تخطر على بالهم.
لعل دعم واشنطن اللا محدود لدولة الاحتلال الإسرائيلي ظل أمرا جهيرا مفضوحا بيد أنه في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بدا عارما عاصف التوثّب ضاري؛ ففي بداية العام 2020 أعلن ترامب ما أسماه بخطة السلام بين فلسطين وإسرائيل والمعروفة بـ”صفقة القرن” بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو وسفراء أربع دول عربية في العاصمة الأمريكية واشنطن. وظل ترامب يصر على تسويق هذه الخطة ممنيا أهل فلسطين بوعود كاذبة في الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل تطبيق حتى الحلول الاستسلامية، مثل حل الدولتين وعودة اللاجئين، وبقيت تؤكد أنه من الصعب إجلاء المستوطنين من أراضي الضفة الغربية.
أما الجامعة العربية التي وصفها رئيس الوزراء الفلسطيني بأنها: “لم تعد جامعة بل مفرقة”، غدت مثل مومياء ترقد رقدة الموت في أحد متاحف التاريخ. وبلغ استياء الحكومة الفلسطينية من الجامعة حدا أن تداولت توصية للرئيس بتصويب علاقة فلسطين بالجامعة العربية لأنها تقف صامتة أمام الخرق الفاضح لقراراتها التي لم ينفذ منها شيء أصلا، والتي أصبحت رمزا للعجز العربي.
على الصعيد الداخل الفلسطيني نشط الاحتلال الإسرائيلي في التنكيل بالفلسطينيين في ظل هجمة استيطانية شرسة مستغلة الدعم الأمريكي غير المحدود والعجز العربي وخوار فعل مؤسساته السياسية. ففي فبراير 2020 قالت حكومة الاحتلال إن ضم غور الأردن وشمال البحر الميت وفرض السيادة على المستوطنات في الضفة الغربية، يكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة وليس مرتبطًا بموافقة الفلسطينيين.

تعليقات
Loading...