د. ياسر محجوب الحسين يكتب : السودان.. عرائس المسرح الإسرائيلي!!.

الخرطوم :مرايا برس

مرايا برس 

أمواج ناعمة… د. ياسر محجوب الحسين 

جاء في تفصيل السياسة الإسرائيلية تجاه السودان عبر كتاب صدر في 2003م عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب، أن إسرائيل أدركت منذ وقت مبكر، أن الأقليات الموجودة في المنطقة العربية يمكن أن تكون حليفاً طبيعياً لها، مع تطبيق سياسة فرق تسد، بناء على ذلك ركزت إسرائيل على الأقليات في السودان لتنفيذ مخططها في جنوب البلاد حتى انفصل في يوليو 2011.
اليوم بدا السودان هيناً ليّناً أمام المخططات الإسرائيلية، فتخلصت إستراتيجية إسرائيل من عنت تحريض وتمويل الأقليات إلى تحريك السياسيين الفاعلين في الخرطوم مركز البلاد وعصبها الحي كقطع الشطرنج، حتى أضحى التنافس بينهم على أشده كسباً لود تل أبيب التي بدت سعيدة تغازل هذا وتتمنع على ذاك.
وبهذا تجعل تل أبيب من الفئة الحاكمة أدوات طيعة لتحقيق ما تبقى من مخططات لا تقف عند حد فصل جنوب البلاد، بل تشمل تقسيم السودان إلى دويلات متعددة ربما خمس، في الشمال والجنوب والشرق والغرب وجبال النوبة، وقد منحت السلطة الانتقالية الأسبوع الماضي الحكم الذاتي لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمة لأثيوبيا بمرسوم سمته دستورياً، ولا دستور اليوم في السودان بحكم فترة الانتقال وغياب برلمان تشريعي منتخب.
أمس الأول الخميس ذكر موقع أكسيوس Axios وهو موقع إخباري أمريكي له السبق في أخبار علاقة السودان بإسرائيل، بأن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك التقى القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية بالخرطوم، برايان شوكان، وأبلغه “محتجاً” بأن إسرائيل تتعاطى حصريا مع المكون العسكري وطلب منه أن تتدخل إدارة الرئيس جو بايدن لدى إسرائيل لتحثها للتعاطي مع المكون المدني الذي يمثله حمدوك، وزارة الخارجية الأمريكية طلبت من إسرائيل التعاطي أيضاً مع المكون المدني مع استمرار تعاطيها مع الشق العسكري والمخابراتي.
ولعل نشر مثل هذه اللقاءات السرية في حد ذاته هدف يدخل في إطار محاولات خفض مستويات الثقة بين أطراف السلطة في الخرطوم لأدنى مستوى ليسهل توظيفهم لصالح المخططات الاستراتيجية تجاه البلاد، ويذكر أن أول لقاء لرئيس مجلس السيادة الجنرال عبدالفتاح البرهان برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو جرى في أبريل 2020 بالعاصمة الأوغندية كمبالا كان لقاءً سريا حتى تفاجأت به حكومة حمدوك (المكون المدني)، لكنه كان قد سُرّب لوسائل الإعلام الإسرائيلية عمدا فعمى القرى والحضر واهتاجت حكومة حمدوك وحاولت حينها تغليف غضبها من اللقاء بسبب أن الخطوة تمت بدون تفويض وأن السلطة الانتقالية بحكم مهامها المحددة غير مفوضة للقيام بمثل هذه الخطوة، بيد أن طلب حمدوك وفقا لموقع أكسيوس يؤكد أن اعتراضه لم يكن مبدئياً مثلما حاول تفسيره حينها.
ومما يؤكد تلاعب إسرائيل بأطراف السلطة الانتقالية في السودان وهو ما استثار غضب حمدوك وكذلك البرهان، ما أشار إليه الموقع الأمريكي عبر مراسله في تل أبيب باراك رافيد بأنّ طائرة خاصة تابعة لـ”الموساد” حطت، الأسبوع الماضي، بالخرطوم وكان على متنها مسؤولون بالجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي، للالتقاء بقائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو المشهور بحميدتي، الذي يشغل في ذات الوقت منصب نائب البرهان في مجلس السيادة، وتشهد العلاقة حاليا بين قواته والجيش السوداني بقيادة الجنرال البرهان، توترا ملحوظا، وعزز هذا اللقاء الهواجس لدى منافسي حميدتي بأنّه يعمل على إقامة علاقات مستقلة مع الإسرائيليين من أجل تنفيذ أجندته السياسية الخاصة داخل السودان، وهو أمر يمكن أن يتهم به البرهان كذلك وأيضا حمدوك ممثل المكون المدني، وبدا أن البرهان وحمدوك ينظران إلى لقاء حميدتي بالمخابرات الإسرائيلية على أنه تقويض للسلطة الشرعية في البلاد.
اليوم المشهد في السودان يظهر بفعل الكيد الإسرائيلي توتراً خطيراً سواء ما بين المكون العسكري نفسه (البرهان – حميدتي) أو سواء ما بين المكونين العسكري والمدني في نفس الوقت، وهنا يسهل أن تتخطفهم إسرائيل جميعا وتفعل ما تشاء في وطن يقف على جرف هار، لقد بدا حمدوك جريئا في طلبه التواصل مع إسرائيل بعد تصويت حكومته في أبريل الماضي على إلغاء قانون مقاطعة إسرائيلي كجزء من جهود التطبيع، وقد ظل القانون سارياً منذ عام 1958، وكان هذا القانون يحظر إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ويحظر أي علاقات تجارية معها.
في خضم ذلك المشهد العبثي وبعد عدة أشهر من توقيع اتفاق التطبيع بوساطة أمريكية والمعروف باتفاق إبراهام في يناير الماضي، لم تف واشنطن بوعدها بالاستثمار في مشروعات الزراعة والتكنولوجيا في السودان، وأشار تقرير إسرائيلي إلى أن الخرطوم مستاءة تشعر بخيبة أمل بسبب الاستثمارات الأمريكية غير الكافية، التي كانت ترى أن زيادة الأموال ستضفي المزيد من الشرعية للتطبيع مع إسرائيل وتسويقه للشعب السوداني المعروف بممانعته القوية للتواصل مع إسرائيل.
ليذكر قادة السودان الحاليون ويتأملوا في التاريخ القريب حين أصبح الوضع الاقتصادي في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري على حافة الانهيار في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، فلجأ للدخول في صفقة مع الإسرائيليين والإدارة الأمريكية في 1984، حيث تم ترحيل آلاف من يهود الفلاشا الإثيوبيين، إلى إسرائيل عبر أراضي السودان، في ما سمي بعملية موسى، وظنّ النميري أنه اشترى عمراً جديداً لنظام حكمه، فغادر إلى واشنطن، عقب تلك العملية لتلقي الثناء ومزيد من القبول، غير أنّ انتفاضة شعبية عارمة اندلعت ضده، فأسقطته في أبريل 1985 ولم تعبأ لا واشنطن ولا إسرائيل بسقوطه المدوي.

تعليقات
Loading...