د. ياسر محجوب الحسين يكتب :حاكم دارفور.. فرص النجاح ومحاذير الفشل.

الخرطوم :مرايا برس

وسط مظاهر بذخية لا تتناسب مع أوضاع السودان الاقتصادية المتردية، جرى تنصيب زعيم حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، حاكما لعموم إقليم دارفور، إنفاذا لاتفاق سلام موقع بين الحكومة السودانية وقوى تحالف الجبهة الثورية في الثالث من أكتوبر الماضي. ويطرح تعيين حاكم لدارفور في ظل الظروف الراهنة تساؤلا ملحا؛ وهو ما إذا كان تعيين حاكم لدارفور سيسهم بالفعل في وضع نهاية لأزمة دارفور التي اندلعت منذ نحو ما يقارب العقدين من الزمان أم يزيد المشهد تعقيدا.
ولعل الاجراء الذي تم تحيط به اشكاليات وتحديات عظيمة تحد من حالة التفاؤل بانتهاء هذه الأزمة، فالأمر متعلق بطبيعة الصراعات القبلية في الإقليم الذي يعدل مساحة فرنسا، كما تحيط بالمنصب المستحدث اشكاليات قانونية ودستورية، فضلا عن ملاحظات تتعلق بشخصية الرجل الذي تم تعيينه في هذا المنصب؛ إذ لا يحظى بإجماع مكونات دارفور.
ولطالما كان حفظ الأمن والاستقرار أحد أبرز التحديات أمام حاكم دارفور الجديد، فقد شهدت مناطق في دارفور ازدياد حدة التوتر الأمني في أعقاب منازعات قبلية وهجمات مسلحة شنتها مليشيات على قرى العودة الطوعية. فالنزاعات مستمرة بين المزارعين والرعاة بسبب الزراعة في مسارات الرعاة، وحرق مخلفات الزراعة بعد الموسم، مما يتسبب في إتلاف المراعي الطبيعية، ولعل أخطر التحديات التي تمسك بتلابيب كل من يتصدى لحكم الإقليم هي التضاريس القبلية الحادة لاسيما إن كان الحاكم يمثل أحد مكونات وقبائل الإقليم، حيث يرتفع مستوى الحساسية، ومن غريب ما شهده الاقليم من صراعات قبلية ما حدث في عام 2015، حين اقتتلت قبيلتا (الرزيقات والمعاليا) في معارك استخدمت فيها أسلحة ثقيلة متنوعة مثل صواريخ الكاتيوشا وقذائف “آر بي جاي”، فلم ينقصهما على ما يبدو إلا استخدام الطائرات، ومن عجائب تطورات صراع القبيلتين أن أصدرت مجموعة من أبناء إحداهما منشورا تم توزيعه في عاصمة ولاية شرق دارفور موطن الصراع، يعلن تهجير جميع أبناء القبيلة الأخرى المقيمين بالمدينة على أساس انتقائي عنصري وعرقي، وهدد المنشور بقتل كل أبناء القبيلة الأخرى الذين لا يغادرون المدينة بعد 24 ساعة كمهلة، وقال أعيان تلك القبيلة حينها إنهم توصلوا إلى استحالة التعايش مع الآخرين في إشارة واضحة لشركائهم في الولاية من القبيلة الأخرى.
وتتضمن فسيفساء الخريطة القبلية في دارفور قبائل عربية وأخرى غير عربية، بيد أن الاتفاق الذي بموجبه تم تعيين حاكم لدارفور أغفل المكون القبلي العربي ويؤسس هذا الغياب لمشاحنات قبلية كان يمكن تفاديها. ومن ناحية أخرى ورغم أن الحركات الموقعة على الاتفاق تنحدر غالبا من إثنية واحدة، لكنها لا تبدو على قلب رجل واحد. وهذا مما يمهد لنزاعات حين توزيع مقاعد البرلمانات المحلية، سواء داخل المكونات القبلية المضمنة في اتفاق السلام أو من جهة أخرى، بين الأطراف والقبائل العربية غير الممثلة في الاتفاق.
وتاريخ الحركات المسلحة يشير إلى أنها تناسلت وانشطرت من رحم حركتين رئيسيتين: “العدل والمساواة” و”تحرير السودان”، ليعانق عددها رقما فلكيا متجاوزة الأربعين حركة عبر أكثر من ثلاثين انقساما إما بسبب التباين القبلي أو بسبب قصور الرؤية السياسية. ويدخل في القصور السياسي عدم الوضوح لدى هذه الحركات حول ما إذا كانت تقوم بثورة مسلحة أم غير ذلك. فالتيار الثوري عادة يحمل أفكارا تؤمن بالثورة المسلحة كخيار ضد الاستعمار. وحتى ما يعرف بالكفاح التحرري، فهو نشاط مقاوم في المناطق التي تخضع للاستعمار، ويتخذ أشكالا مختلفة إما سياسية أو عسكرية أو كليهما، معبرة عن رفض الاستعمار. أما المقاومة فهي رد فعل سياسي أو عسكري يعبر عن رفض التدخل الأجنبي (الاستعمار). فكل هذه الأشكال تتحدث عن الاستعمار بينما لا تنطبق صفة الاستعمار بالضرورة على الحكومة في الخرطوم التي تقاتلها الحركات المسلحة. وخاضت هذه الحركات في العمل العسكري دون أن يكون لها جسم سياسي موازٍ، فغابت الرؤية السياسية العميقة والنظرة المستقبلية الثاقبة. ولذا ساد الاعتقاد بأن الخلل في عملية البناء السياسي كان من الأسباب المباشرة في تشرذم الحركات.
ويؤخذ على قادة هذه الحركات – فضلا عن ضعفهم السياسي- استفحال الطموحات الشخصية بحثا عن المجد والمال، بل كان لبعض القادة مرارات وغبن تجاه بعض المكونات الدارفورية.
ويواجه حاكم دارفور الجديد اشكالية تتعلق بتوصيف منصبه من ناحية دستورية وقانونية وعلاقة المنصب بولاة دارفور حيث يضم الأقليم 5 ولايات لكن اتفاق السلام أقر تنظيم مؤتمر ليناقش النظام الأنسب للحكم بالعودة إلى نظام الأقاليم ووضع أسس لإحكام علاقات المركز بأجزاء البلاد. ولذلك فإن تنصيب حاكم لإقليم دارفور قبل المؤتمر من شأنه أن يخلق مشكلات وتداخل صلاحيات بين الولاة والحاكم الجديد. وبالفعل أشار والي وسط دارفور إلى ما اعتبره عجلة في تعيين حاكم لدارفور، كما أبدى والي ولاية غرب دارفور تحفظه على أن تكون عاصمة ولاية شمال دارفور عاصمة للإقليم. وفعليا بدأ حاكم دارفور عمله دون تمرير القانون الذي ينظم العلاقة ويحدد مستويات الحكم علما بأن اجازة مثل ذلك القانون تتطلب وجود هيئة تشريعية وهو ما فشلت في انشائها السلطة الانتقالية الحالية واستعاضت عن ذلك باعتبار مجلس السيادة والوزراء مجتمعين يمثلان سلطة تشريعية برلمانية. فكان الأولى للحكومة إعداد مشروع قانون الحكم الإقليمي بدارفور ليحدد هياكل الحكم الإقليمي والاختصاصات، وبناء عليه يعين الحاكم. ويؤكد قانونيون أنه من ناحية دستورية لا يبدو للتعيين سند دستوري، حيث يصعب تصور تعيين حاكم قبل تأسيس الإقليم وحدوده والقانون والوثيقة المؤسسة للإقليم.

تعليقات
Loading...