د. ياسر محجوب الحسين يكتب: طالبان.. تحديات تشغيل وبناء الدولة. 

الخرطوم :مرايا برس

مرايا برس 

أمواج ناعمة…د.ياسر محجوب الحسين

إن كانت حركة طالبان تعتقد أنها كانت في حالة نضال أو جهاد لأجل تحرير الأرض الأفغانية من المحتل فإن النضال أو الجهاد لم ينته بخروج المحتل، بل أنها خرجت من جهاد أصغر لجهاد أكبر وأعظم. طالبان اليوم أمام تحديات جسيمة تتمثل في تشغيل الدولة وبنائها وذلك يتطلب تعاونا مع الآخر ومهارة دبلوماسية وتغييرا حقيقيا في المفاهيم؛ فإن كان السلاح والعقيدة العسكرية أدوات طالبان في جهادها الأصغر فإن عليها امتلاك أدوات الحداثة والقوة الناعمة لعبور وتجاوز تحديات الجهاد الأكبر. فبدلا من نهج المواجهة العسكرية، عليها اعتماد نهج الحداثة المرتكز على التطور الاقتصادي والتكنولوجي من خلال التعاون والتكامل مع الجوار والمجتمع الدولي عموما. ولعل طالبان يمكن أن تمتلك المبادرة وتحويل انهيار الاقتصاد الأفغاني إلى سلاح حداثي في معركة الجهاد الأكبر. إن تجميد أرصدة البنك المركزي الأفغاني البالغة 9.6 مليارات دولار، وتجميد مساعدات صندوق النقد الدولي، وتعليق التحويلات المالية، إضافة إلى تدمير مقدرات الجيش الأفغاني يحتاج من طالبان إلى تصعيد دبلوماسي وقانوني وإعلامي مؤثر ومستمر.
إن طالبان وقبل تبني أدوات الحداثة في حاجة ماسة لاعتماد نظام سياسي يضمن لها استقرارا داخليا وتحشيدا للطاقات البشرية وعلاقات دولية إيجابية ومثمرة. ومن ثم تتمكن من بناء جهاز تنفيذي وبرلمان منتخب يحوز على دعم ورضى غالبية الشعب الأفغاني. وعلى قيادة طالبان معالجة ظلامات وربما تشدد جيل جديد بالكامل من منسوبيها من الذين تم تحريرهم من السجون في أفغانستان وقضوا أوقتًا عصيبة في غوانتانامو، ولديهم تجارب سيئة مع دول الغرب على وجه الخصوص، وذلك قبل اندماجهم في هياكل الدولة بمفهومها الحداثي بحيث يستطيعون تقديم تنازلات تجاه الآخر والحداثة على وجه التحديد. ولعل من الإشارات الجيدة قول المتحدث الرسمي باسم المجموعة في الدوحة، سهيل شاهين، أن طالبان منفتحة على كل الأفكار المعروضة على طاولة المفاوضات، بما في ذلك إجراء الانتخابات. ولتكفّ طالبان عن الإفتاء المتسرع والرأي القطعي في القضايا الجدلية. وأن قضية مثل قضية عمل المرأة تحتاج منها لتروي ومرونة بل أن عمل المرأة ضروري وينسجم مع تطبيق القيم الإسلامية لا سيما مجال الطب، فالطبيبة على سبيل المثال هي من يستطيع التعاطي مع متطلبات المرأة الصحية ويحافظ على خصوصياتها في إطار القيم الدينية والمجتمعية.
وفي مجال تفعيل الأداة الدبلوماسية، ربما تنطلق طالبان وتؤسس علاقاتها الخارجية على هدى المصالح المشتركة؛ ولعل العلاقة مع الجوار تشكل أولوية ومن ثم بقية الدول حول العالم. وتبدو باكستان في مقدمة دول الجوار التي يجب استهدافها، إذ يشترك البلدان في حدود طولها 2400 كم، كما أن هناك 1.4 مليون لاجئ أفغاني في باكستان، لذلك فإن باكستان لديها مصلحة كبرى في استتباب الاستقرار في أفغانستان. وكانت باكستان سباقة للاعتراف بطالبان عندما تولت الأخيرة السلطة في أفغانستان في العام 1996، كما كانت آخر دولة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الحركة. ولعل اقامة اسلام اباد علاقات مع طالبان في نسختها الجديدة سيكون أجدى اليوم أكثر من أي وقت مضى. ولتضع طالبان في اعتبارها أن معظم التجارة في أفغانستان تتم عبر باكستان، بما في ذلك المنتجات الأساسية مثل الدقيق والأرز والخضروات والإسمنت ومواد البناء. كما لباكستان مصلحة لتعبيد جسر اقتصادي مع جمهوريات آسيا الوسطى عبر أفغانستان، وهذا بدون شك يربط أفغانستان باقتصاد المنطقة الأرحب. ولعل الارتباط الاقتصادي بين الدول لا سيما المتجاورة يقود إلى التعاون الأمني لحماية المصالح الاقتصادية المشتركة التي يصعب انفصام عراها.
وتحتاج طالبان في تعاطيها الدبلوماسي والمصلحي مع الدول الكبرى مثل الصين وروسيا إلى اتباع استراتيجية دبلوماسية تقوم على إزالة القلق وتعظيم المصالح المشتركة. فالقلق الرئيسي لدى روسيا هو ما إذا كانت أفغانستان قد تصبح ملاذاً آمناً للمتشددين من منطقة القوقاز، ولعل مما يشجع على ذلك مسارعة موسكو للتعامل مع طالبان حتى قبل بدء الانسحاب الغربي من أفغانستان. كذلك الصين ترتبط مصالحها في أفغانستان بالأمن والاقتصاد. وخلق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بيئة ملائمة للشركات الصينية لاستغلال إمكانات التعدين في أفغانستان، بما في ذلك المعادن النادرة مثل الليثيوم والتي تدخل في صناعة الشرائح الدقيقة وغيرها من التقنيات المتطورة وتقدر الاحتياطيات الأفغانية من هذه المعادن بما تزيد قيمته عن تريليون دولار. وتضع بكين في اعتبارها أن أفغانستان تقع الدولة عند مفترق طرق حيوي بالنسبة لطريق الحرير الصيني. ولعل تعضيد الشراكة الاقتصادية مع الصين وروسيا من شأنه أن يقلل من مفعول أي عقوبات غربية قد يتم فرضها على كابول. فحاجة كابول اليوم إلى تعزيز الشراكات الاقتصادية مع جوارها فضلا عن الصين وروسيا أولى من الحصول على الاعتراف السياسي الغربي بطالبان.
داخليا تواجه طالبان تحديات وتعقيدات كثيرة؛ منها تمردا مسلحا في منطقة وادي بانشير صعبة التضاريس والتي استعصت على طالبان وقبلها القوات السوفياتية. وبالرغم من أن طالبان اليوم تحاصر منطقة وادي بانشير ولديها أسلحة متطورة غنمتها من القوات الأفغانية إلا أن الحل العسكري يبدو غير منطقي مع النسخة الحداثية الجديدة لطالبان. على طالبان استنفاذ جميع الحلول السياسية لا سيما أنها اليوم ليست حركة مسلحة منافسة وإنما سلطة تمثل الدولة.

تعليقات
Loading...