د.ياسر محجوب الحسين يكتب : واشنطن وخصومها.. مخاطر الحرب الباردة

الخرطوم :مرايا برس

الخرطوم :مرايا برس 

أمواج ناعمة.. د. ياسر محجوب الحسين

في خضم الصراع الروسي الأمريكي حول أوكرانيا وتصاعد حدة الحرب الكلامية والحرب أولها كلام، يبرز سؤالٌ حول طبيعة وأدوات صراع الكبار، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار وجود طرف آخر في مواجهة الولايات المتحدة بجانب روسيا ألا وهو الصين. فكيف تواجه واشنطن كل من موسكو وبكين في آن واحد؟. وإن كان الغريمان التقليديان، روسيا والولايات المتحدة لا يزالان يعتمدان أدوات صراع تقليدية، سلما، عبر الحرب الباردة، أوحربا عبر الحشد والتحشيد العسكري، فهل لدى الصين أدوات وتكتيكات أخرى؟. في القمة الافتراضية الثلاثاء الماضي بين الرئيسين الروسي والأمريكي بدا جليا أن الخصمين اللدودين مازالا في ضلالهما القديم. الرئيس الأمريكي أبلغ نظيره الروسي بأن موسكو ستواجه أقسى العقوبات في حال غزوها أوكرانيا، وأن تشمل هذه العقوبات أكبر البنوك الروسية، بل وفصل روسيا عن نظام الدفع الدولي الذي تستخدمه البنوك في جميع أنحاء العالم. وذكرت مصادر صحفية كذلك أن واشنطن ستدفع برلين لوقف مشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2”. وقبيل ذلك قال البيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن بحث مع قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا القلق المشترك بشأن الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا. وتقول روسيا إن اقتراب حلف شمال الأطلسي (الناتو) من الحدود الروسية والتصعيد في أوكرانيا خطوط حمراء، وتأتي هذه التصريحات وسط تقارير أوكرانية وغربية عن حشود عسكرية روسية ضخمة على حدود أوكرانيا، وأيضا في ظل توتر شديد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، في ظل سعي أوكرانيا ودول أخرى في منطقة البلطيق للانضمام إلى الحلف.
إنها الحرب الباردة إذن، وما أدراك ما الحرب الباردة؟، فهي حالة صراع وتوتر تصيب شظاياها العالم أجمع لاسيما الدول الضعيفة والشعوب المستضعفة، الكبار يعقدون التحالفات العسكرية وتزدهر عندهم صناعة الأسلحة والتطور الصناعي والتكنولوجي ويحتدم التسابق الفضائي. ويحكي التاريخ القريب أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق قد جعلت منظمة الأمم المتحدة كبئر معطلة وقصر مشيد بدون فعالية لأن كلتا القوتين العظميين حاولتا معارضة الإجراءات التي يقترحها الخصم، وبدا ذلك في الأزمة الكورية وأزمة الصواريخ الكوبية وحرب فيتنام. وقد تسببت تلك الحرب في نشوء عالمٍ ثالثٍ، ممثلا في حركة عدم الانحياز وهي دول حاولت النأي بنفسها عن تصارع القوتين العظميين. وعلى الرغم من ذلك خلقت التحالفات والتحالفات المضادة أجواءً مقلقةً في أرجاء العالم، فلم يكن من الممكن إقامة سلامٍ دائمٍ في العالم. كذلك بقي انشغال المتصارعين بإنتاج الأسلحة حاجزًا ضد تقدم الدول المستضعفة، وأثر سلبًا عليها ومنع تحسين مستويات معيشة مواطنيها.
هذا بشأن روسيا، فماذا بشأن الصين، فهل كذلك تتجه الولايات المتحدة والصين إلى حرب باردة؟. وأيهما أكثر قابلية للاستفزاز والاصطدام؟. في خضم هذه النذر المتمثلة في تصاعد الشكوك والعداء والصراع، تشخص حقيقة مهمة، إذ لا يبدو أن الانفصال الكامل بين اقتصادين متماسكين بإحكام أمر وارد. ولعل “برود” بكين مقابل “تحفز” واشنطن أمر قد يؤجل نشوب حرب باردة. في لقاء قمة افتراضي بين الزعيمين الأمريكي والصيني منتصف الشهر الماضي، طبعته عبارات المجاملة لم يخلُ من تحذيرات متبادلة حول قضايا خلافية. بيد أن الزعيم الصيني عمد إلى تفادي الاصطدام، وقال لنظيره الأمريكي أن بكين وواشنطن قوتان اقتصاديتان متنافستان، لكن هذا التنافس لا يقتضي بالضرورة التصادم وإنما يمكن أن يسيرا في خطين متوازيين دون أن يصطدما. وصف الرئيس الصيني نظيره الأمريكي الذي التقاه لأول مرة بعد انتخاب الأخير، بأنه “صديق قديم”، ودعا إلى التعاون والتعايش السلمي بين البلدين وتعزيز الاتصالات والتعاون لمواجهة التحديات الكثيرة المطروحة. يذكر أن واشنطن أعلنت مقاطعة دورة الألعاب الأولمبية التي تستضيفها الصين بحجة تجاوزات ملف حقوق الإنسان في الصين.
ويرى البعض أن التعاطي الأمريكي مع الصين ظل يختلط فيه الخوف بالغيرة، وقد يبدو ذلك في حديث الأكاديمي الأمريكي فرانسيس فوكوياما أهم مفكري المحافظين الجدد، الذي قال إن النظام الصيني سينهار بسبب فقدان قنوات الاتصال بين قمة الهرم السياسي والقاعدة الجماهيرية. ويرى مؤلف كتاب (نهاية التاريخ والرجل الأخير) أن الصين دولة مركزية قوية تاريخياً استطاعت أن تقود نمواً اقتصاديا مستمرا، ويعود لها الفضل بأداء رائع في العقود الأخيرة، لكن غياب آليات المحاسبة تجعل البلاد معرضة لما أسماه “مشكلة الامبراطور السيء”.
وللصين مسيرة تأريخية حافلة وجهود معاصرة مضنية شكلت الصين كقوة اقتصادية وسياسية، دولية مؤثرة. وهناك معدل نمو قياسي فاق كل المعدلات المعهودة، وتحولت الصين إلى عملاق يسهم في تغيير موازين القوى التي تشكلت وبرزت عقب الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، التي غيرت الخارطة السياسية والعسكرية والبنية الاجتماعية في العالم. ويعتقد خبراء اقتصاديون أمريكيون أن بلادهم غير قادرة حاليا على القيام بأي خطوة للضغط على الاقتصاد الصيني المتنامي بقوة، تنحو لاعتماد سياسات أخرى عند الضرورة قد تصل إلى القيام بعملية عسكرية ضد الصين.
وتتباين أساليب كل من الصين والولايات المتحدة على سبيل المثال في الحصول على النفط في العالم؛ ففي حين يقوم الأسلوب الصيني على الاتفاقيات الاقتصادية الندية التي يعتقد البعض أنه تحفظ للدول كرامتها وسيادتها. بينما الأسلوب الأمريكي قائم على افتعال الحروب لإفساح المجال أمام الشركات الأمريكية النفطية كي تعقد اتفاقيات استثمارية غالبا ما تكون مجحفة بحق الدول التي تفرض واشنطن عليها سيطرتها العسكرية والسياسية كما الحال مع العراق الذي احتلته وليبيا التي فرضت عليها تدخل حلف الناتو العسكري أو الخليج الذي تربط اقتصاداته بها عبر اتفاقيات غير منصفة.

تعليقات
Loading...