رحاب محمد عثمان تكتب:هل النساء كائنات نهارية

أفياء

قالت محدثتي بأسي:

أتعرض لنظرات الشباب وأنا عائدة من عملي مساء ،ألا يمكن أن  أكون عائدة من الجامعة ؟ أو الكشف علي مريض مثلاً ؟ أو في زيارة لإحدى الصديقات أو أحد الأقارب ؟ ألا يمكن أن أكون في منتدى فقهي أو فكري ؟ ، هل عودة المرأة في المساء مثاراٌ للشكوك والظنون ؟ قالت أخري توافقها : أفقد الإحساس بكينونتي كامرأة عندما أعود من دراستي أو عملي ليلاً !.

وأكدت ثالثة تقول : كل إمرأة تتمني في قرارة نفسها أن تعود مبكرة الي بيتها ، الي مملكتها إن أضطرت للتأخر حتي المساء خارج منزلها تكون في ضيقٍ وحرج !

تشيعني نظرات شباب الحي وتعليقاتهم اللاذعة ، وأنا أترجل من المواصلات في المساء وأسير وحدي في الشارع لأصل الي بيتي !

أسرّت لي إحدي المذيعات بقولها :

أهلي يفهمون طبيعة عملي ويثقون بي تماماً؛  ورغم ذلك أجد نفسي محاصرة بالنظرات النارية من أهل الحي الذي أسكنه ولا أنجو من تعليقاتهم  وإشاراتهم السامة ، كلما وقفت عربة الترحيل أمام منزلي ليلاً !

هناك مهن إنسانية لايمكن أن تعمل بها غير المرأة مثل التمريض ؛ أنا لا أجد حرجاً نفسي إذا عملت وعدت إلى منزلي ليلاً !

فأنبرت لها أخري قائلة : ولكن أن يا أختي الليل عموماً لايناسب المرأة ولا خروجها !

ولو كان الأمر بيدي لجعلتُ كل الورديات المسائية في المصانع والمكاتب للرجال فقط.

إحدي الأخوات تساءلت قائلة : هل عمل المرأة وخروجها يكتسب شرعيته نهاراً ويفقدها ليلاً ؟!

نحن محدودات بنظرة المجتمع وتقاليده ؛ ولن نستطيع الخروج عليها أو تغييرها  مازال المجتمع ينظر للمرأة التي تخرج ليلاً لدراسة أو عمل أو تضطرها الظروف ؛ للتواجد خارج بيتها بعد الغروب ، ينظر إليها نظرة مستهجنة ؟!

ولكن ماذا إذا كانت جهة العمل الذي أمتهنه ، توفر لي ضمانات سلامة كافية ؛ بمعني أنها توفر لي وسيلة ترحيل  تقلني  في الذهاب والإياب وعملي يخلو من أي اختلاط محرم؟

برأيي أن المجتمع السوداني مجتمع آمن فاضل ونظرة المجتمع للمرأة التي تعود لبيتها مساء قد تغيرت ، لأن هذا كان مربوطاً في الماضي باحتمال تعرض المرأة لأي خطر أو مكروه لاتستطيع دفعه أو حماية نفسها ، ولكن و بحمدلله أصبح المجتمع نفسه يضمن للمرأة سلامتها وأمنها وحركة الحياة من حولها تبعث علي الاطمئنان.

مهما كان رأيكن تفسير الآية واضح 🙁 وجعلنا الليل لباساً وجعلنا النهار معاشاً) هل تردن أن تخالفن سنن الكون؟ خلق الله النهار لمعاش الإنسان رجلاً كان أو امرأة وخلق الليل ستراً وراحة! وآية سورة النور في تحديد أوقات الزيارات والخروج فيها تربية وتأهيل وتأصيل للمجتمع بأسره !

هذا جزء من حوار مطول ظللنا نديره ونتناقش حوله  مجموعة  من الصديقات والزميلات مما دفعني أن أتسائل : هل المرأة كائن نهاري ؟ والرجل كائن ليلي؟!

ولكن هذا الحوار يؤكد أن نشاط المرأة الحياتي والإجتماعي كله يتركز خلال ساعات النهار  وإن اضطرتها ظروف الخروج او العمل ليلاً ؛  فإنها تكون في ضيق وحرج  وتوتر .

دكتور عبدالباقي دفع الله أستاذ علم النفس بجامعة الخرطوم يري أن أفضل وقت للعمل هو النهار سواء للرجل أو المرأة وفقاً للمعطيات الإلهية والكونية هذه قاعدة وقد يأتي الإستثناء!

دكتور علاء الدين الأمين أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم يري أن عمل المرأة أو خروجها ليلاً قد يكون ذريعة للفساد ؛ والإسلام يدعو إلي سد الذرائع ولكن في ظل وجود مؤسسة توفر الحماية والأمن للمرأة ؛ فلاغضاضة في عمل المرأة أو خروجها ليلاً، إن كانت ملتزمة بالضوابط الشرعية ومضطرة بلا حرج.

أخطاء مخلصة

يقول الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي:

أنا في صف المخلص مهما أخطأ

فالكلمة يركب سبعين مساء

حتى بلد اللؤلؤ

لأن الخطأ ملازم للإنسان منذ أن وطأت أقدامه الأرض أول مرة ، وظلت الأخطاء ملازمة للتجربة الإنسانية ؛ لذلك قالوا في تعريف التجربة أنها الاسم الذي يطلقه الإنسان على أخطائه.

وذهب بعض الحكماء في قولهم بحتمية الأخطاء أن الحرية هي إمكانية الوقوع في الخطأ ، إمكانية البحث والتجريب ، وإمكانية أن يقول الإنسان لا.

الإنسان مطبوع وجبول على الخطأ والوقوع في الزلل؛ فتكون التوبة من قِبل العبد ، ويكون الغفران من رب غفور رحيم “كلكم خطاؤون،وخير الخطائين التوابون”، وجاء في الحديث القدسي مامعناه:” لولا أنكم تخطئون؛ لأتى الله بقومٍ يحبهم،يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم”.

من يحتج على الخطأ يتقرب من أولئك الذين لا يؤمنون بالحقيقة؛ لكن الجهلاء مطبوعون على التمسكبه ، والطريقة التي ينقب بها بعض الناس عن أخطاء الآخرين وعيوبهم ؛ تجعلك تعتقد أن هناك مكافأة للوصول إليها .

من الخطأ نتعلم الصواب ، ومن العثرات ندرك استواء الطرق أو التوائها، ويؤكد المثل السوداني ذلك: (العترة بتصلح المشي) ، لكن أحد الكتاب يقرر أن عثرة القلم افدح من عثرة القدم !!

هناك بالفعل أخطاء فادحة لا تغتفر ولا تنسى، وهناك أخطاء يرتكبها الإنسان وقعت منه سهواً ودون تعمد ، أو صدرت منه بحسن نية وعفوية ؛لذلك قالوا : ( في الحب والصداقة تجنب قول ما لا يغفر).

عالمة نفس غربية تؤكد أنه في الحب لا أحد يغفر، أو ينسى رغم مرور السنوات، وتضيف: من خلال عملي أرى أن أخطاء مضى عليها أكثر من عشرين عاماً ،يمكن أن تعود لتطفو من جديد ،وهي تعتقد أن الخطأ الأول يكدِّر إلى الأبد المثال الذي نصنعه للحب ويحطم الأوهام .

(خطأ شائع خير من صواب مغمور)،هذه المقولة الشائعة والتي كادت أن تصبح حكمةً أو قولاً مأثوراً، يرفضها الكثير من علماء اللغة والنحو جملةً وتفصيلاً، إلا أنني قرأت رأياً لأحد الباحثين، يبرر لهذه المقولة-وإن كنت أخالفه الرأى-،يقول الباحث: إن الخطأ الشائع خير من الصواب المغمور طالما أن اللغة تواضع واصطلاح ، ويرى أن ألفاظ اللغة اصطلاحية ،وليست توقيفية (منزَّلة)، ويقول الباحث: إن الخطأ الذي جرى على ألسنة الناس ؛ يصبح من الصعب تغييره ؛ لذلك يمكن الإبقاء  على الخطأ الشائع ،طالما كان مفهوماً.

تعليقات
Loading...