رحاب محمد عثمان تكتب: البحث عن قارئ

أفياء: مرايا برس

كثيرا ماسألت نفسى وتساءل معى كثيرون ، منذ أن وطأت أقدامى بلاط صاحبة الجلالة لأول مرة وعندما اخترتها لى مهنة طوعا واختيارا بل عشقا كسر كفي وقوسي وأسهمي.كنت كثيرا ماأتساءل وربما شاركني آخرون : لمن نكتب ؟  ماجدوى مانكتبه وماصداه لدى القارىء والمتلقي بل والمسؤول ؟ من هم جمهورنا ، ومن هم قراؤنا ؟ هل نكتب لجمهور بعينه أم لقارىء خاص؟.

تحاول كل إصدارة جديدة أن تجيب بكل صدق وشفافية على هذه الأسئلة ، وتحاول كذلك جاهدة إرضاء كل الجماهير ، لكن رضاء الناس غاية لاتدرك !.

لكنا فى السودانية  نبذل كل الممكن وبعض المستحيل لتحقيق هذه الغاية.

البحث عن قارىء ، كأنه بحث عن بيت شعر ، ويبدو الأمر شاقا وعسيرا لمن لم يحذق  فن الكتابة والصحافة، مانبحث عنه هو ذلك القارىء الذي يتابع ويناقش ويحاور ويعقب ، ويبدي رأيه مستحسنا أو منتقدا .. ترانا نلهث وراء سراب ، أو نطلب المستحيل؟!.

انقطعت عن الكتابة  لأمد طويل بعيد عملي فى صحيفة الأنباء ، وتنقلت بعدها في العديد من الصحف لكني لم امسك قلما لأكتب مقالا أو تحقيقا أو أحرر خبرا ، كنت وقتها قد وصلت مرحلة من الإحباط واليأس والضجر منعني من الكتابة والتواصل مع القراء ، لازمنى شعور ضاغط بأن ماأكتبه يذهب أدراج الرياح ، وأن مجهوداتي الصحفية لايحس بها أحد ، وتمثلت قول الشاعر السعودي  غازي القصيبي : صوتي يضيع فلا تحس برجعه** ولقد عهدتك حين أنشد تسمع! ، وفكرت بجدية أن أهجر المهنة وأطلقها طلاقا بائنا إلى حقل مهني آخر أجد فيه نفسي وأمارس عشقي ، وألتمس فيه التقدير المعنوي ، والتقييم المادي الذي يكافىء جهودي ، وفي غمرة هذا الإحساس البغيض كنت أتساءل : من افتقدني ؟ من أحس بغيابي وانقطاعي عن الكتابة  ؟..لا رسائل ، لا بريد ، لا هاتف ، ولا أحد يلتقيني ليعلق سلبا أو إيجابا.

إلا أن عبارة صغيرة قالتها ابنتي انتشلتني من حالة الضياع والحيرة التي عشتها ، وفعلت في نفسي مفعول السحر .. حين سألتني ابنتي عن أسباب انقطاعي عن الكتابة ، وقالت أن زميلاتها بالجامعة يسألنها بإلحاح لماذا لم تعد أمك تكتب كالسابق؟.

حينها أدركت أن هناك من يقرأ ويتابع ما أكتبه ، وان لم يكن فى حجم الجمهور ، إذا لابأس المهم أن زميلات ابنتي يقرأن لي.

مدينة بالفضل والعرفان لزوجي الذي مافتأ يدفع في دمائى شبق الكتابة ، ويشجعني كلما توقفت عن الكتابة ، ويقول لي : أكتبي ولو لم تتقاض أجرا !.

وممن افتقد كتاباتي فى الصحف وكان يهتم بما أنشره: معتصم فضل مدير الإذاعة السابق ،أحمد كمال الدين ، النجيب قمر الدين، اسحاق أحمد فضل الله ، د/ عبد السلام محمد خير، السمؤال خلف الله. وربما آخرون لم يصلني صوتهم.

يرى بعض خبراء الصحافة  إن الجمهور أو القارىء مغيب في الصحافة العربية رغم كونه أحد أركان العملية الإعلامية ، ويؤكد هؤلاء أنه بدون الجمهور تصبح الصحافة بلا معنى ولا قيمة لها ، لأن الرسالة الإعلامية تنتج أساسا لجمهور معين ، كما أن وجود القائم بالإعلام الصحفي مرهون بوجود الجمهور كحقيقة واقعة ، لأنه حين لايعي الإعلامي لمن يكتب ، ومن هو جمهوره تتحول الكتابة إلى العبثية وتزجية الفراغ ، وتتحول الصحافة بذلك من رسالة نبيلة إلى وسيلة للاسترزاق!.

تعليقات
Loading...