رغم التطبيع السري: تل أبيب للخرطوم…كلما سألت عليك صدوني أحزابك.

عايدة سعد

بين الفينة والأخرى تذكر تل أبيب الخرطوم بما قطعته على نفسها من وعد بعدم تطبيع علاقتها معها مهما كلفها الثمن، فتأتي الضربات الإسرائيلية للخرطوم داخل معقلها لتقول لها أنها قادرة على أن تطولها في عقر دارها، وكثير من الهجمات التي قادتها إسرائيل ضد مواقع حيوية في السودان بحجة أنها تمد المقاومة الفلسطينية بالسلاح مما يشكل تهديدا لأمنها القومي، وقد ظلت الخرطوم دائماً تشير بأصابع الإتهام في كل ضربة إلى إسرائيل، وهو ما لا تقوم تل أبيب بنفيه أو إثباته، وبهذا الغموض الذي يصاحب أي عملية تجاه الخرطوم، يجعل كل التحليلات تقول بأنها تقود حرب غير معلنه ضد الأخيرة لكسر شوكتها وإجبارها على التطبيع وأن لم يكن فالحياد، فكانت هناك عدد من الضربات التي هزت الخرطوم وإكتفت فيها بالشجب والإدانة مثل ضربة مصنع اليرموك وسوناتا البحر الأحمر ووادي سيدنا، فمنذ العملية العسكرية الإسرائيلية (الرصاص المصبوب) على قطاع غزة في 2009م ، كثف سلاح الجو الأسرائيلي والموساد عملياته ضد السودان، متهماً إياه بتهريب السلاح إلى فلسطين ومركزاً للتزود بكل أنواع الأسلحة خاصة الإيرانية. جاءت ضربة مصنع اليرموك في أكتوبر 2012م ، وفي رد على هذه أعلن الرئيس المعزول البشير وقتها (أن المصالح الإسرائيلية أهداف مشروعة)،وظلت العلاقة بين الخرطوم وتل أبيب محلك سر إلى أن سقط نظام البشير بثورة شعبية غيرت موازين الحكم داخل السودان ، ورغم ذلك ظل موقف عدم التطبيع مع إسرائيل ثابت وهو ما أكده رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك عند لقاءه قبل أيام بوزير الخارجية الأمريكي بومينو ،حيث أوضح له أن أمر تطبيع العلاقة مع إسرائيل ليس من اختصاص حكومته الإنتقالية.
مارثوان التطبيع.
تقول بعض التقارير أن العلاقة السرية بين السودان وإسرائيل تعود إلى مطلع ثمانينات القرن المنصرم، عندما تمت لقاءات سرية بين الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ووزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون، عبر وسيط عربي، مهدت لاحقاً لصفقة ترحيل اليهود الفلاشا (الإثيوبيين) إلى تل أبيب،وبعد أن كشفت الصحافة العالمية اللقاء، طلب الرئيس نميري من إسرائيل وأميركا إيقاف العملية وعدم كشف دوره في تهريب اليهود الفلاشا،غير أن الولايات المتحدة الأميركية عادت في عام 1985م ومارست ضغوطاً كثيفة على النميري، خلال زيارة قام بها نائب الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، إلى الخرطوم، لإستئناف عمليات ترحيل الفلاشا التي عرفت بإسم عملية (سبأ) الشهيرة،ورضخ الرئيس نميري للضغوط الأميركية، بيد أنه اشترط أن يتم نقل الفلاشا إلى دول أوروبية ومنها إلى إسرائيل.
من جهته، ناصب نظام الرئيس المعزول عمر البشير، منذ مجيئه بإنقلاب عسكري في عام 1989م، ناصب إسرائيل العداء، لتوجهاته الآيديولوجية الإسلامية المتشددة، وانخرط في معسكر الدول المعادية للوجود الإسرائيلي في المنطقة.
ظل ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل حاضراً خلال المفاوضات الماراثونية التي جرت بين نظام الرئيس المعزول، والمخابرات الأميركية (CIA) في ملف مكافحة الإرهاب، بعد أحداث11 سبتمبر (أيلول) 2011م. ،وتفيد معلومات موثوقة بأن من بين الشروط التي ظلت تضعها الولايات المتحدة الأميركية على طاولة التفاوض مع الجانب السوداني، لرفع إسمه من قائمة الإرهاب وإنهاء العقوبات الإقتصادية، اتخاذ موقف إيجابي من إسرائيل، الذي لم يقابل بالرفض من المفاوضين السودانيين،وسرب موقع {ويكيليكس} حديثاً لمستشار الرئيس المعزول، مصطفى عثمان إسماعيل، أنه دفع بإقتراح للولايات المتحدة، أن تتضمن عودة العلاقات مع واشنطن تطبيع العلاقات مع تل أبيب وأثير موضوع تطبيع العلاقات مع إسرائيل بكثافة خلال مجريات الحوار الوطني، بين حزب النظام المعزول، وبعض الأحزاب السياسية، في عام 2015م، وجرى التداول حوله في أجواء مفتوحة لأول مرة فى السودان.
تغيير الادوار والاهتمام..
ويري مراقبون ان القّمة العربية التي إنعقدت في الخرطوم في ١٩٦٧/٨/٢٩م ، والتي تبّنتْ الإلتزام بالثوابت الثلاث تجاه العدو الاسرائيلي ، وهي : لا سلام ، لا اعتراف ، لا تفاوض مع إسرائيل قبل أن يعود الحق لأصحابه، ومنذ ذلك الوقت إعتاد العربي أن لا يقرأ و أنْ لا يسمعْ كلمة إسرائيل مالم يسبُقها وصفٌ يدلُ على طبيعة العلاقة بيننا و بين إسرائيل ، و كان مصطلح العدو الإسرائيلي أو العدو الصهيوني هو السائد ، أما اليوم و بعد مُضي نصف قرن ، على مؤتمر اللاءات الثلاث ، ما أنجزه العرب تجاه إسرائيل هو حذف اللاءات فبدلاً من لا سلام مع إسرائيل ،بدأنا معها بالسلام عام ١٩٧٧م، خلال زيارة السادات للقدس ، و بدلاً مِنْ لا إعتراف بإسرائيل ،تمَّ الإعتراف بها من قبل السلطة الفلسطينية و بموجب اتفاقيات اوسلوا ،الموقعة في واشنطن عام ١٩٩٣م ،و بدلاً مِنْ لا تفاوض مع إسرائيل ، تتسابق بعض الدول العربية مع الزمن من أجل التفاوض بالسّر و بالعلن مع إسرائيل .
ماهو مؤسف ، و دال ايضاً على القدرة على تسويف حقوق الفلسطينيين و العرب هو الإستمرار في نهج التنازل لإسرائيل ، و حذف اللاءات ،الواحدة تلو الأخرى، (لا سلام، لا اعتراف ، لا تفاوض)، رغم إمعان إسرائيل في إنتهاك حقوق الفلسطينيين و العرب ، و الإستمرار في الإحتلال و في التوسّع و الإستيطان ،حيث
إتجه المسار العربي نحو إسرائيل اذاً ، ومنذ قمة السودان ، بعكس ثوابت القمّة و بتسلسل زمني و حدثي مدروس و مرسوم ، حيث الإعتراف بإسرائيل ثُّم إتفاقيات السلام ،ثُمَّ التفاوض معها الآن ، وغاية المسار هَدفيّن: تصفية القضية الفلسطينية و ضمان هيمنة إسرائيل ، و هذا ما يشهد عليه الواقع وما يتضح للعيان. فلسطين اليوم لم تَعُدْ قضيّة العرب المركزية إلا في الحديث و على الورق ، كما أصبحت همّاً على بعض العرب ، و تراهم حائرون في كيفيّة تصفيتها .
علاقة الخاطبة..
وفي حديث له قبل أيام وصف رئيس حزب الأمة الإمام الصادق المهدي، العلاقة بين حكومة حمدوك وإسرائيل بأنها ستكون أشبه بعلاقة الخاطبة على حد تعبيره، وإستشهد بعدم إستفادة دولة الإمارات العربية المتحدة من العلاقة مع إسرائيل وما واجهته من مقاطعة شعبية من كثير من الشعوب، وإشترط المهدي التطبيع مع إسرائيل، بحيث يكون ضمن المبادرة العربية فقط.
رغبه ورهبه..
وفي آخر حوار وطني للحكومة السابقة تجددت المطالبات داخل أروقة لجان الحوار كثيراً بضرورة تطبيق العلاقة مع إسرائيل وأصبحت مسار جدل لكثير من المراقبين بإعتبار أن موقف الحكومة ظل ثابتاً بالرفض تجاه التطبيع مع إسرائيل منذ مجيئها في العام 1989م،وقد كان ينظر لتلك المطالبات بأنها زوبعة في فنجان كما يقولون الى أن فاجأت الحكومة الجميع بإعلان أنها لا تمانع بتطبيق العلاقة مع إسرائيل، فالعبارة التي كانت تكتب وتختم بالشمع الأحمر على الجواز السوداني السابق ذو اللون الأخضر ( يسمح لحامل هذا الجواز بالسفر لكل الدول عدا إسرائيل)، ربما حان إلغاؤها بعد التقارب الواضح بين السودان وإسرائيل حتى بعد تصريحات رئيس الوزراء بأنهم غير مخولين بالتطبيع مع إسرائيل.
علاقة غير مرغوبة..
في العرف الدبلوماسي هناك مبدأ معمول به وهو القيام بطرد سفير أومبعوث خاص بعبارة، (شخص غير مرغوب فيه أو بيرسونال نغريتا)، وهو ما أعلنته الخارجية الإسرائيلة في وقت سابق بعد سماع حديث مفاده أن الخرطوم سوف تدرس إمكانية التطبيع معها لترد نائبة وزير الخارجية تسيبي حوطوبيلي بالقول: (نرفض أو لا نرغب في التطبيع مع السودان بإعتباره دولة معادية لإسرائيل)، وأضافت. أن إسرائيل تغلق أبوابها أمام أية محاولات من حكومة السودان للتطبيع معنا).
الشعب ضد..
يرى محللون سياسيون أن هناك أسباب كثيرة لعدم تطبيع العلاقة مع إسرائيل منها أسباب عقائدية وأنسانية، خاصة أن كل القوى المحبة للسلام في العالم بغض النظر عن إنتماءاتها الدينية تنظر إلى إسرائيل بإعتبارها كيان عنصري وتسلطي، وإحتلال صريح ووصمة عار على جبين الإنسانية يجب أن تزال،كما أن لكل دولة تقديراتها في تطبيع علاقتها مع إسرائيل، لكن سوف تواجه في داخلها تيار شعبي عارم رافض للعلاقة مع إسرائيل وذلك لأن المزاج الشعبي العام ضد التطبيع مع إسرائيل تماما، ولكن الحكومات تخضع لمنظمات وقيود وضغوط مرتبطة ببقائها في الحكم وضغوط من الدول العظمي عليها.
علاقة ذات هوى..
ويؤكد خبراء إستراتيجيين أن القاعدة العامة أن أية دولة ساعدت الولايات المتحدة في الحرب ضد الإرهاب ، هي بالضرورة على علاقة وتنسيق مع أسرائيل، كما أن العداء الذي يضمره الشعب السوداني لإسرائيل ينطلق من عوامل أخلاقية ودينية ، أجبر كل الحكومات على عدم الإعتراف بإسرائيل كدولة أو حتى تجرؤ على التعاون معها، كما أن العلاقة مع إسرائيل هوى تجنبته كل الحكومات.
ندم وخسران..
وفي منحى ذي صلة يقول الأستاذ الصحفي فتح الرحمن النحاس. ان التطبيع مع الكيان الصهيوني، (هدف خبيث) من أهداف الماسونية والصهيونية، مضيفاً أن هناك شواهد كثيرة لعلاقات دول بالمنطقة مع اليهود والصهاينة تحكي عن بشاعتهم في (نقض العهود والمواثيق) مع غيرهم.وتساءل النحاس هل هنالك فائدة جنتها أي دولة عربية مسلمة من خلال علاقتها مع إسرائيل؟!.

تعليقات
Loading...