سهير عبدالرحيم تكتب :رحلة الولايات (العَقَبة – بورتسودان)

الخرطوم :مرايا برس

كنت استمع دوماً الى الكثير من الأحاديث والأحاجي والتي تعتبر أن الداخل إلى طريق العقبة بورتسودان مفقود والخارج منها مولود، وكنت أصغي إلى تلك القصص عن الحوادث الكارثية هناك بشيءٍ من الذهول، خاصةً وأنها تنتهي جميعها إلى الموت لا محالة .
ولكني وفي كل المرات التي استمع فيها كنت أعتقد أنّ الأمر لا يعدو أن يكون أساطير وأن هنالك مبالغه في وصف الواقع..!!
الى أن جاءت رحلتي الأخيرة الى الولايات، تلكم الرحلة والتي كانت المرة الأولى بالنسبة لي التي استغل فيها طريق العقبة بورتسودان..!!
وحقيقةً عزيزي القاريء، لا أدري كيف أخبرك أن فيلم الرعب الذي عايشناه في هذا الطريق يعيشه الآلاف على امتداد اليوم ذلك دون أن يكون هنالك بصيص أمل في إنهاء هذا المسلسل.
تخيّل عزيزي القاريء أن هذا الطريق عبارة عن السير بعربة في سلسلة من الجبال وأن هذه الجبال التي تسلكها غير معبدة أو أنها كانت مسفلتة في يومٍ ما، وأن هنالك هاوية سحيقة لا تكاد ترى قرارها على بُعد فتح باب السيارة..!!
وتخيّل أن الظلام الدامس يغطي كل شيء حتى لا تكاد ترى اصبع يدك، ظلام تام لا ضوء على الإطلاق لا في آخر النفق ولا في أوله، لا ضوء سيارة ولا ضوء مبنى ولا ضوء طائرة ولا ضوء نار ولا حتى ضوء عود ثقاب أو لفافة تبغ..!!
ثم وسط هذا الظلام الكثيف ما من وجود لشبكة اتصال أو تواصل مع العالم الخارجي أو نقطة أمن أو ارتكاز شرطة أو أي جهة تمنحك الشعور بالأمان أو تعطيك الإحساس بأن هذا وطن أو بلدة أو جزيرة أو منفى..!!
لا شيء على الإطلاق غير شعور أصيل أنك في مثلث الرعب برمودا وأنه لن تمر سوى دقائق حتى يحدث تشويش لكمبيوتر السيارة ثم تتوقّف مؤشرات القراءة في التابلون، ثم تتوقف الماكينة وتتخطفك كائنات فضائية
حسناً… هل تستطيع تخيل هذا…؟؟؟ السير بعربة في طريق جبلي محطم تماماً، أنه أقرب الى رياضة تسلق الجبال فقط في رياضة التسلق هنالك درجة من الأمان والرفاهية والمتعة .
ولكن في طريق العقبة أنت أمام مجموعة من الخيارات إما أن تنقلب السيارة أو تصطدم بجبل أو تنفجر الإطارات أو تتوقف ماكينة السيارة عن العمل، لأن الخواجة الذي صنعها لم يكتب من ضمن الاستخدامات ممارسة دور الماعز الجبلي..!!
الجميع داخل العربة كان متوجساً من الشارع الذي شهد الكثير من حوادث النهب المسلح للدرجة التي أصبحت الشاحنات فيه تتحرك في شكل طوف، ولا يتحرك أحدهم منفرداً إلا لظرف قاهر، اقول إن الجميع كان متوجساً عدا السائق شوقي المتمرس على الأسفار البعيدة وطرق الولايات الوعرة وأدغال الجنوب .
وسط هذا الجو المشحون بالتوتر أجهشت زميلتنا هيفاء دياب بالبكاء وذلك عقب أن استنفدت ذخيرتها من قراءة كل ما تحفظه من سور القرآن الكريم وأذكار الحفظ والتحصين .
لم أكن أكثر شجاعة من هيفاء، ولكن الشعور بالدهشة لديّ من هول الطريق طغى على الرغبة بالبكاء، فكنت أردد عبارة واحدة.. مستحيل ياجماعة… مستحيل البحصل ده..!!
بدت مجموعة الزملاء معنا بالسيارة في محاولة لطمأنة هيفاء التي بدأت بكتابة وصيتها والطلب من الجميع أن يهتموا بصغارها فيما كانت هبة تردد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

خارج السور :
حكومات تجي وحكومات تغور تحكم بالحجي تحكم بالكجور.. والعقبة طريق الموت السريع!!!

[email protected]

تعليقات
Loading...