عادل عسوم يكتب:مولد النور(4-4)

الخرطوم:مرايابرس

إن حب الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واجبة، وقد جمع الله تعالى في آية واحدة كل محبوبات الدنيا وكل متعلقات القلوب وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ، وحب الله وحب رسوله في كفةٍ مقابلة، وابان للناس الحكم حين رجحان أيهما لديهم: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة 24
والمسلم حري به أن (يتعبد) الله بحب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبته من شروط الإيمان، روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، كما أن محبته صلى الله عليه وسلم سبب لحصول حلاوة الإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)، وذكر أولها: (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) والحديث رواه مسلم.
وحب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم سبب لمرافقته في الجنة، فقد ورد في الحديث الشريف أن رجلاً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب) متفق عليه.
ولكن كيف نعبر عن حبنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
أيما مسلم يتلو سورة الفاتحة خلال الصلوات المفروضة 17 مرة، وقد يصل العدد اضعاف ذلك إن كان ممن يحرصون على صلاة السنن والنوافل، وفي هذه السورة العظيمة ندعو الله تالين:
{اهدنا الصراط المستقيم}، ياترى ماهذا الصراط المستقيم؟!
لنعد إلى عهد آدم عليه السلام وما فعله ابليس لاخراجه من الجنة، لقد غضب الله تعالى على ابليس فأيقن بأن نهايته سوداء وأن الله سيهلكه، فدفعه ذلك إلى الانتقام من أبينا آدم ونسله فتوعد قائلا: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} الأعراف 16.
المفسرون والعلماء ابانوا بأن الصراط المستقيم هو منهج الله الذي انزله على رسله من البشر، ومعلوم أن الدين عند الله منذ الأزل دين واحد وهو الإسلام، والذي تعددت هي (شرائع الأنبياء)، قال الله سبحانه: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} الشورى 13، وذلك يعني أن كل الأنبياء والرسل كانوا يدعون إلى الإسلام، ولكن تفرقت الأمم من بعدهم.
وقال محمد بن الحنفية رحمه الله فى قوله عز وجل: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}: «هو دين الله الذى لا يقبل من العبادة غيره».
ابليس لعنه الله توعد بأن يقعدن لبني آدم صراط الله المستقيم، أي المنهج الذي شرعه الله لعباده في كل زمان وعلى لسان كل الرسل عليهم السلام، ليصرفهم عن طاعة الله بأي صورة وبأي كيفية.
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ • إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ص 82- 83. ويؤكد ربنا هذا بقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} الحجر 42.
عندما ننظر إلى الغرب نجده يتميز بالعلوم والمعارف التي تعنى بالضبط والمعيارية، وتنتظم كل دوله مراكز البحوث والابحاث في كل العلوم والمعارف، فهل سألنا أنفسنا يوما عن السبب الذي يجعلهم يؤمنون بالتثليث وتتخللهم كل هذه العقائد والمفاهيم الدينية التي لاتكاد تقبلها حتى عقول الأطفال؟!
إنه ابليس ونسله وقد (قعد) لهم صراط الله المستقيم…
ياترى ماذا يكون حالنا في العالم الاسلامي مع (قعاد) ابليس لنا الصراط المستقيم ونحن من تتفشى فينا ال(سبهللية) في كل شئ؟!
لقد ولج ابليس الينا من باب للطاعة عظيم، ألا وهو حب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، ووصل إلى أعلى سقف وهو هدم عقيدة التوحيد في قلوبنا ووجداننا، والله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء.
يقول ابن القيم رحمه الله:
من مداخل الشيطان على المسلم دفعه للتعبد بما لم يأذن به الله من الأوضاع والرسوم المحدثة في الدين التي لا يقبل الله منها شيئا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ».
متفق عليه.
ويقول ابن القيم «والظفر به في عقبة البدعة أحب إليه، لمناقضتها الدين ودفعها لما بعث الله به رسوله، وصاحبها لا يتوب منها ولا يرجع عنها بل يدعو الخلق إليها، ولتضمنها القول على الله بلا علم ومعاداة صريح السنة ومعاداة أهلها والاجتهاد على إطفاء نور السنة»
المصدر (مدارج السالكين).
منذ صغري كنت أنأى بنفسي عن (مظاهر) الاحتفال بالمولد، حيث لا اجد فيها تعبيرا (صادقا) عن الحب لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وكنت كلما انسربت إلى إحدى الخيم في ميدان المولد أجد جل المدايح مصوبة إلى شيخ الطريقة، وان سعى الناس أحايين إلى قراءة شئ عن مناقب الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، فإن حراكهم وجلبة الطبول/النوبة تذوي بالقليل من المشاعر التي تغشتني نتاج تلك القراءة، فيكتنفني احساس أوحد ب(أفريقيتي)، ووثنية كانت تخيم على اجدادي قبل آلاف السنوات، بالله عليكم، ان كان سبب ومبرر اعتمار هذه الطبول والايقاع مولج للدعاة في يوم ما لجلب اجدادنا الوثنيين وتعريفهم بالاسلام؛ فما المبرر لبقائها عندنا دون بقية الشعوب المسلمة إلى الآن؟!
وبالله عليكم هل حراك الراجزين والمتأرجحين من حولها بأزيائهم وحركاتهم وكأن الشياطين تؤزهم أزا، هل ذلك يعد مظهر من مظاهر الحب لنبينا؟!
ندعي بأننا أكثر شعوب الأرض حبا لنبينا، بينما لاتكاد تجد سنته الشريفة إلا لدى قلة فينا، لعمري إنه (قعاد) ابليس لنا صراط حبنا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صراط مستقيم، فأصبح قول شيخ الطريقة عندنا مقدس يعلو على سنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
لست بالذي يجعل الله عرضة لايماني، لكنني على يقين بأن الذي نفعله خلال احتفالات المولد الحالية لايعبر عن حب لنبينا، بل قد يطالنا بسببه غضب من الله وعدم رضى من الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، ولاتجعل لابليس وعقبه قعودا عليه.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله ماسبح لك من حي وجماد، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
وبهذا المقال اختتم سلسلة مقالات أربع بعنوان (مولد النور).
آمنت بالله.
[email protected]

تعليقات
Loading...