عادل عسوم يكتب :إلى أهلي في البركل الحبيب، وفي بقية قرى السودان الكبير.

الخرطوم :مرايا برس

قبل ان يقدر لي الله هذا الاغتراب حيث أقيم الآن، كنت كغيري لا أجد في أسلوب المرحوم خضر بشير الأدائي ما ينقص من جماليات ألحانه، والرجل بصدق له ألحانه الرائعة…
وكذلك لم أكن أجد في مواقف عربات المدن والأحياء العامة شيئا يقدح فيها من حيث النظام والقيم الجمالية والأمنية والصحية…
وكذلك ماكان لدي أدنى أهتمام بتمام أستقامة الحوائط في المباني،
ولا كنت أهتم كثيرا بهندامي ولابريستيج المشي، والجلسة، وثقافة التحدث ولوازمه إلاّ بما يضمن تناسق الألوان وتناسب الملبوس مع المناسبة، وما يضمن لي أداء الواجب فقط لاغير…
لكنني خالطت أجناسا حيث أقيم، وسافرت كثيرا بحمدالله، فاتسع مدى رؤيتي كثيرا، وإذا بي أتلمس فارقا كبيرا بين مصروري وما وجدته بالمقارنة مع تفاصيل وأشياء الغير…
وبالقطع ليس التقدم في العمر وفارق النضج هو السبب، فكم من كبار سن نأوا عن ملامح الجمال وتفاصيله فراسخا واميالا لاعتيادهم على القبح، والقبح لاغرو يصبح مقبولا بالمعايشة؛ انما استعداد قبلي للاستماع إلى الأقوال ورؤية المشاهد، واتباع وأخذ أحسنها، ولقد هيأنا الله كبشر لذلك عندما قال في محكم تنزيله {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا…}
فهل من غاية اسمي من اكتساب الايجاب من الغير نتاج هذا التعارف (الكوني)؟!
بل إن ربنا جل في علاه وهو يتحدث عن ركن من أركان الإسلام – وهو الحج- قرن هذه العبادة العظيمة بمنافع للناس:
{وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}.
والإمام الطبرى رحمه الله فى كتابه جامع البيان قال: عنى بذلك ليشهدوا منافع لهم من العمل الذى يرضى الله والتجارة.
انتهى.
وعندما سُئل باني ماليزيا الحديثة المهندس الدكتور مهاتير محمد عن الغاية والغرض الذي أستقدم به العرقية الصينية والهندية للاستقرار والتجنيس في ماليزيا كان رده بأن عرق الملايو – وهو العرق الأساس والأغلب في الدولة- يغلب على أفراده المسكنة الشديدة والكسل..
قال الرجل:
الأجدى بالدولة التي تود نهوضا حقيقيا وسبقا للغير، أن تضخ في شرايينها دماء لعرقيات عرفت بالمنافحة في سبيل العيش، وأثر عنها الحركة الدؤوبة في حياتها.
وعليه أقول:
لإن كان الأمر كذلك؛ فإن التفاعل مع الغير ونقل خبراتهم يضيف الكثير لمجتمعنا، إذ هناك من الشعوب من سبقنا وتهيأت له من فرص العلوم والتقانة الكثير، وليس الأمر غمط لما درج عليه الناس في بلدي، ولاهو تبخيس، بقدر ماهي دعوة للانعتاق عن أسر مثالب حياتية درجنا عليها، وزوايا ضيقة اعتدنا النظر من خلالها أحايين.. .
وبلا جدال فإن القول بأننا وجدنا آباءنا على ذلك ونحن على هداهم مقتدون ليس بتبرير يسنده منطق ولا عقل…
لنتطلع إلى كسب الآخرين، ولنقتبس منهم كثير ايجاب نجده في كسبهم الحياتي، فنبينا صلى الله عليه وسلم قال بأن طلب العلم فريضة، ولاغرو أن كل مايفيد الناس من معارف وعلوم يندرج في ذلك، تعضده (مقولة) اطلبوا العلم ولو في الصين، وهي بالطبع مقولة وليست بحديث شريف.
قبل سنوات وخلال إحدى اجازاتي السنوية جئت إلى البركل موطن اهلي فعمدت إلى (عود طورية) فجعلته طويلا حيث لايضطر المزارع إلى الانحناء وهو يعمل على حفر الأرض، واخترت رأسا للطورية أثقل قليلا، فإذا بمن حولي يستنكرون عليً ذلك في البدء، وكان تبريرهم في ذلك أنهم لم يجدوا الآباء يفعلونه، فقلت لأحدهم:
قارن بين طوريتي بعودها الطويل، وطوريتك ذات العود القصير، وكن صادقا وقل أيهما أريح لك والأسرع في الانجاز؟ ففعل ثم حك رأسه واعترف بأن استخدام طوريتي اريح وأفضل لكونه يحفر وهو واقف دون انحناء.
ولعل الدافع لتعديلي للطورية انني زرت مستشفى كريمة مرة – عندما كان الوالد رحمه الله يعمل فيها مساعدا طبيا- فعلمت منه بأن عددا كبيرا من المراجعين للمستشفى من أهل المنطقة لديهم مشاكل غضاريف الفقرات القطنية في أسفل الظهر، وكذلك في الرقبة، ورأيت بنفسي الغالب الأعم من كبار السن من أهلنا لايظل ظهرهم مستقيما بعد الخمسين! …
وكذلك هناك العديد من الأخطاء التي تكتنف حراك حياة أهلنا العملي، وينتج عن ذلك الكثير من الأضرار، عوضا عن انتفاء الفائدة المرجوة.
فها نحن لم نزل (نحش تمرنا) بذات الطريقة التي فعلها الجد السابع، لماذا نفعل ذلك وهناك طرق ابسط، وأفضل، وأحفظ للتمر من التشتت والضياع خلال حصاده؟!
بل حتى اسلوب الصعود إلى النخلة هناك تقنيات بسيطة جدا وأدوات تعين على الصعود على ساق النخلة يمكن صناعتها في أي ورشة في المنطقة، وهناك أيضا نوع من القوالب الحديدية لدق الطوب لدى الهنود يمكن به دق حوالي 25 طوبة في المرة الواحدة، وهناك تقانات عديدة بسيطة معينة لإنجاز العديد من الأعمال اليدوية، في العديد من أوجه الحياة وتفاصيلها بما في ذلك البناء، وكذلك في الأعمال البيتية، وهاهي الوسائط والميديا استطاعت أن تلغي الحواجز، وجعلت ثقافات الدنيا وابتكارات الآخرين متاحة ومعروضة في مقاطع مصورة صوتا أو صورة…
يضاف إلى ذلك مخالطة الناس والإفادة منهم – وكذلك افادتهم- وذاك أمر مندوب إليه في ديننا الحنيف، وكم أفاد المسلمون في صدر الإسلام من معارف الآخرين ممن لم يكونوا مسلمين، حيث كون عثمان بن عفان رضي الله عنه أكبر أسطول بحري، فكان عونا له على نشر الإسلام في أصقاع خارج جزيرة العرب، وما كان العرب أهل بحار من قبل…
ليت بعض شبابنا يكثرون ويتوسعون في عمل قنوات (يوتيوبية) وصفحات (سايبرية) يجمعون فيها كل الابتكارات العالمية التي تسهل وتضيف الكثيف من الايجاب لحراك حياة أهلنا، فهناك كثر من أهلنا لاشان لهم بالميديا وعوالمها.
ليتني أجد آذانا صاغية من الأبناء والبنات.
[email protected]

تعليقات
Loading...