عادل عسوم يكتب : سُنّة (إمامة المستضعفين).

الخرطوم :مرايا برس

يقول الحق جل في علاه:
{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} القصص 5
وقال تعالى:
{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} الأعراف137
معلوم أن هذه الآيات الكريمات تنزلت في شأن يخص بني اسرائيل الذين استضعفوا في الأرض، ولكن هذا القرآن لايقصر أثره وخطابه على أسباب النزول وشخوصه فقط، إنما هو خطاب رباني يتعدى الأزمنة والأمكنة، وهي سنة من سنة الله في هذه الدنيا…
لقد سبقت الآية الأولى آية تقول:
{نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 3 القصص.
وهنا فإن سياق (لقوم يؤمنون) يعني جليا بأن الخطاب الرباني عام لأمة الإيمان في أي مكان وزمان!.
وهذه السنة الإلهية وهذا الوعد الرباني يطال كل المستضعفين على وجه هذه الكرة الأرضية، ما إن أتلو هذه الآيات أو تطرق أذني، إلا وتحتشد في خاطري صور أهلنا في فلسطين وفي الشيشان ومن قبل في البوسنة والهرسك وكذلك الصومال وفي ميانمار، وهناك أيضا الذين ركبوا البحر من أهل سوريا والعراق، إذ أن فعل الاستضعاف لم يكن قاصرا على فرعونٍ بعينه، إنما يفعله فراعنة كُثُر عَلَوا في الأرض، وجعلوا أهلها شيعا، وضيقوا عليهم في أرزاقهم وسائر حياتهم، فإذا بشعوب تضطر إلى ترك الديار والضرب في الأرض عشما في {مٍراغِمَا كثيرا وسَعَة}، وإنهم -بوعد الله- لواجدون.
الله جل في علاه استفتح الآية الكريمة الأولى بفعل مضارع، فقال جل في علاه {ونريد}، مما يجعل اليقين بأن الوعد الإلهي مدخور لكل المستضعفين في الأرض من الشعوب والإثنيات والأفراد!.
والله يقدّر الأمر، ويهيء الأسباب، وهو جل في علاه من قال وقوله الحق بأنه ليس بظلام للعبيد، فهو جل في علاه من كتب النصر للمظلوم ولو بعد حين، فالعبرة كانت ببني إسرائيل ممن وصل بهم الحال إلى استضعاف مابعده استضعاف، من تقتيل لمواليدهم، واستحياء لنسائهم وتسخيرهم في أعمالٍ تهلك الأجساد، وتقتل في الإنسان كل مشاعر الآدمية، ولكن إذا بمن ظلمهم وجيشه مغرقٌ في اليم وهم ينظرون، وإذا بهم أئمة وارثين!.
وإنّي -والله- لانظر بعين البصيرة إلى أجيالٍ من أحفاد أهلنا من فلسطين ومن سوريا ومن العراق ومن الصومال ومن أثيوبيا وقد أصبحوا أئمة ووارثين في جلّ -إن لم يكن كل- دول اوربا والأمريكتين وسواها من دول العالم، وإنّي كذلك أرى بذات العين شعب أراكان وقد دانت له الأرض، وورث الجنّات والزروع والمقام الكريم، بعد أن بلغت القلوب منهم الحناجر، وظنّوا -وظننا معهم- بالله الظنونا، حسبنا الله ونعم الوكيل.
والإمامة كذلك -وبحول الله- أراها بذات العين تطال أهل السودان، ممن كانت ظلامتهم من ذوي القربى، ولَظُلم ذوي القربى أشد مضاضة على القلوب والأنفس من وقع الحسام المهند، دعك من ظلم أهل الاستكبار العالمي، ولكن لكل أجل كتاب، فَمَنٌّ الله آت بحوله وطوله، وإني لأرى نخلا مثمرا يسمق في الآفاق، تتدلى عراجينه في دلال، ودونه قمحٌ ولحمٌ ينداح في الدُنا إطعاماً لفقراء العالم، ونصرةً للمساكين، وإبتسامة صدقة وطيبة جبلّة في وجوهٍ اسمرت نتاج احتشاد القيم ومحاسن الأخلاق.
اللهم إن وعدك الحق فلاتحرمنا إياه،
اللهم نصرك المبين.
[email protected]

تعليقات
Loading...