عادل عسوم يكتب : صور من الماضي.. قبل الظلط والخزان(١).

الخرطوم :مرايا برس

الحاج، هيي آ الحاج
مالك اللّيلي، الرجال في الخلوة قرّبوا يصلوا؟
نهض الحاج منزعجا وأخذ أبريقه وهيأ نفسه -بسرعة- لصلاة الفجر، وتلفّح بشال عريض كان قد اتى له به ابنه الحسن من السعودية…
فتح باب الكُشَر ويمم وهو يَخُب تجاه الخلوة، وأدرك الناس وقد شرعوا في الركعة الأولى…
في تلك الأثناء كانت عَرَفَة قد أدّت فرضها، ثم حلبت البهايم ووضعت اللبن فوق اللدايات، وجلست تسند خدها الايسر بيسراها وتلملم الجمر تحت حلة اللبن بعود صغير في يدها اليمنى…
أنتبهت عرفة لوقع مركوب الحاج فشرعت تمسح دمعتين كانتا قد تحدرتا من عينيها!
وعاد الحاج ود علي وجلس على بمبر بجوار عرفة وربت على كتفها وقال…
-أياعرفة مو ياهو حال الوليدات يجي اليوم اليمرقو فيهو!.
-عاد يالحاج سلوى دي ياها الحتالي، والراجل الغريب دة أنا مااااا كُتْ راضي أديهو ياها، كمان يقوم يمرقا لينا في مريكا ديكي القالوا في آخر الواطا؟
– البلود ياهن كللللهن البلود، وتراها بت ودعمتك عوض الله ود الجاك ماخودة في بكانا قريييب من محل ناس سلوى دي…
فجأة يفور اللبن فتنزله عرفة بطرف توبها وتكشح فيه حب الشاي ثم تملأ للحاج كباية شب تضع معها قرقوشتين على صينية صغيرة موروثة منذ قديم…
يكمل الحاج الشاي والقرقوش ثم ييمم تجاه البئر وينشل منها دلوين يصبهما في طشت كبير ثم يطلق الحمارة ويدعها لتشرب…
يمم الحاج من بعد ذلك الى المخزن فتناول السلوكة وشوال وضع فيه بعض بذور اللوبي والويكي والطماطم، وتأتيه الحمارة طائعة مختارة فيخلف عليها ويصيح…
-عرفة حصليني بالفطور… جم موز ناس تويريب العند الجدول التحت
-نان انت ماك ماشي على الجروف
– أيّي ماشي علّي ماشي ارقع الطماطم داك في اللّول وبعدين نمشي سوا على الجروف
-سمح يالحاج
يامسهل ياالله
ويفتح الحاج الباب وينطلق الى بلد بي تحت…
وشرعت عرفة في دخّيل العنقريبين بما عليهما من لحافين وملايتين خوفا من غبار اللواري والفوردكيهات أذ اليوم أربعاء وهو يوم سفر القطار من كريمة…
بيتهم يقع مباشرة على الجانب الأعلى من الطريق العام …
مازالت به غرفتين لم يكتمل بناءهما أذ البيت قد تهدم في الاشهر الماضية من جراء الفيضان ومن بعد أن ارسل لهم ابنهم حسن مبلغا أعادوا به بناء جزء من البيت فأصلحوا من شأن بعض غرفه لمقابلة مراسم زواج أبنتهم سلوى…
دخلت عليها بخيتة تصبّح عليها أذ أعتادتا الرفقة للنزول الى بلد بي تحت…
– أياعرفة كيفن أصبحتو؟
-تصبحي علي منى وعرفات يابخيتي أدخلي لاجوة يابت امي…
-بسم الله النبي نوح باقي هكركم اللميتو من بيتكم الهدّمو البحر دة قع يبقى فيهو الدوابي
-أيا بخيتي الواطة صباح أنتي أصلك آب تعايني آيمّة؟
-أها، ناس سلوى ما رسلولكن جواب قالو وصلوا الخرتوم؟
-عاد من خشمك ولي ألله يابخيتي أخيتي أنا ماني شفقاني علي سفرن لا برة قدر شفقتي عليهن من سفرتن لي الخرتوم دي
– آيمّة تحدثيني؟ حمّد سعيد ولدي مي قعد لو سبعة أيام في الخلا السني الفاتت ولوريهن علّي قالوا جابولن تركتر من الخرتوم حتن جا مرقو من الوحل!…
-تفّي من خشمك دة آبخيتي، ولدك تراهو راجل علّة أنا سلوى بنيتي عاد واشريري عليها شن قدرا علي الدرادر دي؟…
-أها ماكي نازلي لا تحت؟
-بس اللّعوس لي طرقتين زيادي باقي الحاج اللّيلي ماشي علي تويريب في اللّول وتويريب باقي خجيجي اللّتو زي ماكعارفاها مشت تنفس فاطني بنيّتا في بُرْسودان
-هي دحين ما قالوا جابت لها تيمان؟
-أي الصلا علي النبي قالوا بنيتين يااااحلاتن…
أها كدي هاكي الطرقي دي أربطي لي كورتي دي فشان أجيبلي بصلات من لاجوة باقي الحاج قع يدور البصل
-أي آالمطيورة دي البصل من بي تحت أخخخخخدر وسمح؟
– أي والله نسيت أها يلاّ قوماكي آبخيتي…
وتكشر عرفة بابها وقد أعتادوا من قبل تركه مفتوحا كعادة أهل البلد جميعا الاّ أن عدم وجود آخرين في المنزل جعلهم يقفلون بابهم خوفا من دخول الكلاب …
ووصلت عرفة ومعها بخيتة الى طرف شارع العربات وهما في طرقهما الى بلد بي تحت…
وتمنطقت عرفة بطرف توبها أتقاء لغبار الطريق الكثيف وهي تحادث رفيقتها بخيتة…
-يايمّة بتين عاد يسوّلنا الظلت دة بس اليوقفلنا الحيبي المكندكالنا البيوت والحلّي دي كل صباح…
-انتي قولي بتين يسولُن شارعا تاني يجيب لواري البلود البعيدي ديك الشي قلعن أضنينا كل يوم قطر …
وفجأة ينادي حسن عبدالحفيظ بصوته الجهوري من مكرفونه اليدوي:
(الحاج ود علي تلفون، الحاج ود علي تلفون). فتصيح عرفة آيمة وااااجيد لي الّيلي، ديل ناس سلوي بنيتي ان ما تبقالي كضبة، كدي خبّاكي آبخيتي انّصل الحاج دة فسراع فشان يجي يكلم التلفون…
ويسرعان بخطوهما وبمجرد وصولهما الى مشارف التمور تصيح عرفة، يالحاااااج الحاااج.
-أييّ آلمطيورة دي، مالك تكوركي من صباحات الله؟!
-آيابة ألحق ود عبد الحفيظ يكورك لك للتلفون.
فيرمي الحاج الطورية ويغسل آثار الطين من يديه وقدميه في الجدول الفوق ثم يهرول متجها صوب (كلولبكس) حسن عبدالحفيظ وهو يصيح ايّ ياحسن أنا جاييك…
ويصل الحاج فيجد نسيبه الجديد زوج أبنته سلوى على الجانب الآخر
-ألو، كيف الحال ياعمي
-الحمد لله ياولدي طيبين ونصيحين أها أنت…
-نحنا الحمد لله وصلنا أمبارح بعد ما وحل اللوري في قوز أبو ضلوع وكسر عمود جمب
-أها والبت المعاك دي كيفنها؟
-الحمد لله ياعمي هي بخير وأنا هسع وديتا تسلم على ناس خالتا وجيت أطمنكم.
-أها بالله سلم عليها وقول لها ترسلنا جواب تكلم أمها ديك عن سفرة الخرتوم دي أصِلا من يوم سفركم شايلي الليل سُقُد…
-أن شاء الله ياعمي، بالله سلملي عليها كتير أها مع السلامة.
-مع السلامة ياولدي وربنا يحفظكم ويغتيكم…وما تنسوا ترسلوا الجوابات وتورونا فيها سفركم للبلد البعيدي ديك بتين.
ويناديه حسن عبدالحفيظ، أيا ود علي، الشي دة قطع نسيبك دة آب يسمعك بي غادي
-نان أنا شن عرفني مالك آب تقول لي؟
ويعود الحاج مسرورا الى بلد بي تحت وتتلقاه عرفة عند أول تمرة من لافوق وهي تتحرق شوقا الى معرفة أخبار ابنتها سلوى…
-أها يالحاج انشاالله يبقا يا هن ناس سلوى؟
-أي ياهن، كلمني علي وقال وداها عن ناس أختك فاطني في الدروشاب.
-علييييك الله قالك طيبي؟
-يامرة ماقتلك قال طيبي وينو الفطور ؟
-ياهو داك الفطور تحت الموز، ياحليلك آسلوى يابنيتي وشرعت في البكاء…
-أنا عشان بكاكي دة ماكت جاي اقل لك ياهن ناس سلوى، كدي أخزي الشيطان وأمشاكي على الفطور داك ناكلّنا تريمي…
ويجلس الحاج الى فطوره من بعد أن صاح فاجتمع اليه أكثر من ثلاثة اضافة الى تويريب.
وجلس الرُجال على أحد التقاند للفطور وقد تولى تويريب أحضار البصل اللّخدر من حيضان ناس ود احمودي …
الناس هنا يؤمنون بالفطرة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من غرس غرسا فاكل منه انسان او حيون او طير كان له بذلك أجر!…
فلك أن تأكل حتى الاشباع رطبا كان أم منقة أو قريب فروت …
ولك أن تمعط ماتشاء من جرجير أو رجلة دقاقة أوبصل أخضر تغمسها في جدول الباجور الذي أمامك وتأكل ما شاء لك الله من أكل ثم تغرف بكفيك ماء زلالا سلسبيلا فتحمد الله…
لم يكن فطور عرفة هو الأوحد اذ وصلهم عمود يخص ود بريقع أحد الذين دعاهم الحاج وكان في معية العمود ترمسة شاي وسعتهم جميعا…
-أها ياعرفة كدي قوماكي علي الجروف ديكا وجيبي معاكي شوال التيراب دة.
-سمح ألحاج أمش أنتا قدامي وأنا وبخيتي دي عندنا راس واقود من اول امس ململمنو جم حصاياتنا الفي حوض الراس ديلك بنجيبو لا برة علي درب الترك دة فشان وليد الحرم داك قال جاي يجيب حمارتن يشيلوا.
-سمح لا تتأخري وتدينا الهجيري نحنا باقي للّيلي جرفنا داك ماكملناهو وكمان باقي جرف سعيدي وحمّد علي أخوي لا هسع ماهبشناهن.
ويخُبّ الحاج ميمما صوب الساموري وفي يده السلوكة وتغوص عرفة ومعها بخيتة بين شتول التمور والبراسيم يبحثان عن راس الواقود حيث كل شئ يبقى عادة كما تركه صاحبه في أمان تام!.
يمضي شطر النهار ويتعالى صوت أذان الظهر من مئذنة على الضفة الغربية من النيل حيث الماء يعد من أفضل الموصلات للصوت ويخرت الحاج بإبهام يمينه سيل العرق من جبينه فتلحقه عرفة بطرف ثوبها فتجفف له ماتبقى …
ثم يتأبط الحاج السلوكة ويأخذ ذات الشوال من بعد أن أفرغ التيراب في رحم الأرض واستعاضت عنه عرفة بشئ من بامية واسود وجرجير وبعض طماطم جمعتها من ارضهم …
يسير الحاج في الأمام يحتقب السلوكة على كتفه ويداه تعلوانها وتتدليان الى الأمام تتبعه عرفة وهي تحمل الشوال بما فيه…
-أنت يالحاج، علي دة ماقالك بتين سفرن على البلد البعيدي ديك؟
-أهااااا جينا تاني لي حجوة ام ضبيبيني دي؟
-آيابا أنا ان كان ود عبدالحفيظ دة بيخليني أنضم من تلفونو دة ماكان بطني دي بتبرد.
-أمشي كمان سويلك كلام حريم في الكُلبُكسي باقي انا عااارفك جاي تشيلي حالي وتجيبي أجلي في آخر عمري دة.
-آيابا تف من خشمك دة انشاالله يومي يبقا قبل يومك آود عمي
-هي كدي أحشي النسمع الصايح دة قع يقول في شنو؟
ويتعالى صوت الصايح…
الحي الله والدايمااااااالله عباس ود عبدالسلام راح في حقااااااالله الحي …
-الليلي ووووب علي وووووب علي، دة مي عباس اللّمّو بت خالة حبوبتي الشام.
وتضع الشوال وتجلس على الارض وتسند راسها بيديها وتجهش في البكاء…
-يامرة ماتقومي من الهجيري دي الله ينعل شيطانك.
وتلحق بها بخيتة ومعها السيدة وتبدأ النسوة في النحيب ومطايبة عرفة في قريبها المتوفى
ويصيح الحاج، بخيتي أنا ماني راجيكن شي درجنها وجيبنها على البيت انتي والسيدة…
ويأخذ الحاج الشوال مع السلوكة ويواصل المسير ثم تتبعه النسوة تتوسطهن عرفة المكلومة…
وتمضي عرفة أيام الفُراش الثلاثة في بيت البكا ثم تعود الى بيتها
ويصبح يوم جديد
فتنهض مع اذان الفجر هي وزوجها الحاج وينخرطان في حراك يوم جديد
-أياعرفة
-أيّي يالحاج
-كدي جيبيلك زيت سمسم تعالي مسّيحّيلي رقبتي دي
-مالة رقبتك آيابا؟
-آبعرفة تراها منّها وليها من صباحات الله متعسِّمي
-ان بقا كدي لا تنزل لاتحت اللّيلي
-نان باقي الجروف ديك الجاي يتمّهن منو؟
-آيابا الجروف يطيرن انشا الله انتا تبقا طيب
-كدي جيبي الزيت دة خلّي نضم حبوبتك الشام المسيخ دة
-أها كدى انبطح علي بطنك اللّدعكا ليك
ويعلو صوت بخيتة وهي تدخل مسرعة
-أ ياعرفة ياعرفة اللّيلي واااااجتلي وااااجيتلي
-المرة دي مالا مغلبانا من صباحات الله، يطنطن الحاج
-مالة عاد والله عاد ياها جارتي وصاحِبتِي، حبابك آبخيتي أدخلي لاجوة
ولا تنتظر بخيتة اذ الباب مفتوح كعادة كل أهل البلد
-يايمّة حمّد سعيد ولدي قالوا كسب التوت كورة في الخرتوم
-توت كورة دي شنيها كمان آبخيتي
-آبعرفة تراهو وليد هاشم أرباب داك جا أمس من الخرتوم وجاني هسِّع وقالّي كسبلو قروشا كييييفن كتار وكمان معاهو خالتو حوّة قالت عِلّي يدّوها البشارة
-أنتا يالحاج التوت كورة دي شنيها؟
-أسما توتو كورة قع يسوّها ناس الكورة زي الكرتلّة كدي
-أي كيفنك ألحاج
-الحمد الله طيب ماعندي عوجي
-أنتا آيابا الشي دي بالصح فيها قروشا كتار أنا وحات الله أديت حوّة طرادة بي كَمَلة
-لا لا قروشا كتارا بالحيل مبروك يابخيتي
-آيابا يتباركن أيامك
-أها ماقالّك جايي قريب؟
-ايّي قال خلاس أستلم قروشو وجاي اللّربحا الفي وشينا دي
ويعم الخبر كل القرية ويأتي الناس زرافات ووحدانا ليباركوا لبخيتة وزوجها المُقعد حيث لم تنسى بخيتة بأن تمر على دكان على الله لتشتري كيسين من حلاوة كرملة وتخلطهم بحلاوة ريّا والفرحة تكاد تقفز من وجهها…
بخيتة تزوجت على كِبَر من الحاج ورّاق …فهي عاطلة من أيما مسحة من جمال أضافة الى شفّة ارنبية ولدت بها، لذلك كم حمدت الله على زواجها من الحاج وراق والذي بدوره قد أصابه شلل أطفال فاقعده منذ العاشرة من عمره…
ولكون الحاج وراق من الوراريق فقد تيسر له أن يحفظ القرآن على يد جده الشيخ وراق الكبير ثم تنازل له أخوته عن حقوقهم من أرض ونخيل في البلد، هاجر منهم أثنان ليستقرا في الخرطوم عمالا وموظفين في السكة الحديد، وثالث أستقر في مدني موظفا في مشروع الجزيرة، والرابع أستقر في مدينة عطبرة…
أما أختاه مدينة وست البنات فليس لهما حق في طين كما هو العرف الذي كان سائدا لدى الشايقية!! ,انما تعطيان من ثمار النخيل التي ترسل أليهما قبيل رمضان من كل عام هناك حيث تقيمان في أمدرمان!
محمد سعيد ولد وحيدا وتيسر له بأن ينال قسطا لا باس من التعليم حيث أكمل الصف الثالث وسطى.
لم يجد يجد نفسه في عوالم أهله الوراريق أذ كان لا يستطيع حفظ آية واحدة من القرآن، بينما يمكنه حفظ كل أغاني النعام آدم وصديق أحمد عن ظهر قلب!.
وتعلق قلبه بالطمبور لدرجة أن أتى بقدح أم درينقة اصطادها بنفسه وقام بمساعدته الله جابو صانع الأزيار فصنع له طمبورا…
وأجاد محمد سعيد العزف على الطمبور ساعدته على ذلك اذنه الموسيقية…
وكان بالأضافة الى ذلك ماهرا في الصفقة حيث كان وبعض اصدقائه لا يكادون يتركون حفلة الاّ ذهبوا اليها ليشاركوا الكورَس ولو كانت على الضفة الأخرى من النيل!.
وكم كان هذا يؤلم اباه المُقعد فيقول لبخيتة متأوها
-أنا يبقالي ربنا دة مااااهو راضي عليّ آبخيتي!
-مالك آشيخنا تحمد الله تراكا مدلّي القرآن بي كَمَلوا تاني شنو؟
-طيب يابخيتي أنا ابقا حافظ القرآن ووليدي الويحيد طمباري الناس شن يقولوا؟!
-آيابا فترنا من نضم الناس…تراهو حاج الماحي كان طمباري قبل يبقا مداح
ويسافر محمد سعيد قبل ثلاثة أعوام الى الخرطوم ليعمل في الفرقة القومية للفنون والموسيقى
تمر السنوات ليأتي يوم الاربعاء الموعود وتغرب شمسه دون قدوم محمد سعيد!…
وتسالها عرفة التي أتتها من بعد صلاة العصر
-أنتي دحين آبخيتي حمّد سعيد دة قالّك اللّربحا دي واللاّ الجايي؟
-وحات الله ياعرفة رسّل الجواب معا وليد هاشم ودارباب وقال فيهو اللّربحا الفي وشينا دي.
وفجأة يعلو صون زغاريد فرح من مكان قريب!
-أنتي دحين الزغاريت دي ماها عن ناس بت ود صالح آبخيتي؟
-أيّي والله …كدي آكوثر بت عثمان أمشي أتخبّريلنا شوفي الفي شنو؟
-سمح آخالتي
وتنطلق كوثر ثم تاتيهم بعد لحظات لتقول بأن أبنهم عبدالرحمن قد أتي من بورسودان وقال بأن محمد سعيد قد أتي معه على نفس البص ووصلوا جميعا الى مروي منذ ظهر اليوم ولكن تعطّلَ البنطون في كل من مروي ونوري حال دون حضورهم!!.
-كدي قوماكي آعرفة النمشي نبارك لي بت ود صالح جيّة وليدا ونسعلو من حُمّد سعيد.
ويخبرهما عبدالرحمن بأن محمد سعيد يحمل معه عددا من الحقائب الكبيرة مما أدى لعدم تمكنه من استقلال الفلّوكة معه!…
وتعود بخيتة حزينة تتبعها عرفة لتتركها بدورها وتذهب الى بيتها.
ويطل صباح جديد وينتصف النهار ثم تغرب الشمس ولا اثر لمحمد سعيد!
ويمر يوم ثان بكامله ليزيد من حزن بخيتة والحاج وراق!!
وفي صباح اليوم الثالث يطلُّ محمد سعيد ليهطل مطر الفرح على بخيتة وحاج وراق…

كانت الأخبار قد وصلت الى الخالة بخيتي بأن بنطون مروي قد انصلح حاله وبدأ في تعدية كم اللواري والباصات المتكدسة بالضفة الغربية…
فما كان منها الاّ أن رابطت على طرف شارع العربات منذ أن بزغت شمس اليوم…
حتى شاي الصباح، أتت به عرفة وشربنه على قارعة الطريق بجوار سبيل ماء بت الفقير…
وما لبثت أن انضمت اليهن حاجة كمير وبت الصلاّي وبت شلبي وعاشة بت العمدة…
-ايا بخيتي ان شاالله ربنا يجيبو ليكي طيب ويبرد نار حشاكي آيمة
فترد الخالة بخيتة
-الله يبارك فيكي ياعاشة وان شا الله يباركولك عرس اخلاس بنيتك يابت امي

وهنااااك عند دكان حاج طيفور وقفت اخلاص ترنو الى شارع العربات وقلبها يتعالى وجيبه انتظارا لوصول محمد سعيد

لقد هاجت اشجانها واكتنفتها نسمات الذكريات الجميلة…
ايامها كانت طالبة في ثانوية كريمة…
قال لها محمد سعيد يوما:
-صدقيني يااخلاص انتي أكتر واحدة في حلتنا دي بحس انها قريبة لي
فتسأله وهي تتغابى مراداته:
-يعني عشان أمي بتبقى لي أمك بت خالتا؟
-داك بي دربو يااخلاص…
أنا بقصد انو ناس الحلة ديل كلللهم زول فاهمني قدرك مافي!

أما اخلاص، فهي منذ أن وعت الى الدنيا كانت ترى في محمد سعيد اختلافا دون صبية القرية
كان أكثرهم حسبا وأظهرهم وسامة …
اذ أخذ من اهله الوراريق طول القامة وبياض الاهاب
وقد تميز دون رصفائه بحلو المعشر وطيب الحديث
اذ كانت جل فتيات القرية يقصدنه عندما تروم احداهن قصيدة او اغنية من اغاني صديق أحمد أو ود كرم الله أو ود جبارة
وكم كنّ يتناقلن الحديث في خلواتهنّ عن رشاقته عندما يصفق مع الصفاقين
انتهرها يوما شقيقها معتصم-وقد سمعها تتحدث مع صديقتها حنان عن محمد سعيد-قائلا:
-والله تاني اسمعك تتكلمي عن الزول دا الاّ أكسر لك رقبتك دي…
وأضاف…
بالله مالقيتولكم زول تتكلمو عنو غير دا الفاشل والمباري اللعبات دا؟!
فترد عليه حنان
-انت البيخليك تتصنت كلام النسوان شنو؟
وبعيدن نحنا ما قلنالنا شيتا كعب…
نحن بس قلنا صفقتو أحسن من صفقة الباقين بس!
ويتوقف الفوردكي المحمّل بالعديد من الحقائب الكبيرة ويترجل منه محمد سعيد
فتتعالى الزغاريد
ويتعالى وجيب قلب اخلاص أكثر عندما لاح لها وجه محمد سعيد من بعيد
(يتبع)
[email protected]

تعليقات
Loading...