عادل عسوم يكتب : قراءة على هامش عملية لاس فيجاس (الإرهابية).

الخرطوم :مرايا برس

يلوح لي دوما كتاب الراحل سيد قطب رحمه (أمريكا التي رأيت) كلما عرضت القنوات الفضائية خبرا سالبا عن أمريكا، وقبل شهر ونيف مرت ذمرى عملية لاس فيجاس المفجعة التي نتج عنها مقتل 58 نفس بشرية وجرح 400 منهم من كانت جراحه خطرة، أولئك جاء بهم أجلهم إلى مهرجان موسيقي شهير ليكون القاتل (موسيقى) أمريكي إسمه ستيفين بادوك، وقد كان يبلغ من العمر -قبيل انتحاره- ال64 عاماً.
لقد كتب سيد قطب في كتابه بأن المجتمع الأمريكي الذي رآه في عام 1950 -وهو العام الذي كتب فيه كتابه- بأنه مجتمع لم ينصهر بعد في بوتقة الدولة برغم السنوات العديدة التي مرت على (ديمقراطيته)!، وان مصير أمريكا هو التفكك والانهيار من داخلها!.
وللعلم فقد كتب سيد قطب كتابه هذا قبل ان ينضم الى جماعة الأخوان المسلمين المصرية ويعتمر افكارها، لقد عرض صورة حية للمجتمع الامريكي ووضح بأنه على الرغم من كل الانجازات في المجال المادي و الانتاجي و ما تعرض كل يوم من معدات ومنتجات؛ إلا ان الامريكان ما زالوا يرسفون في أغلال البدائية، ومافتئ المواطن الامريكي بدائي مشاعرا وعاطفة وأنسنة!.
فبرغم الذي تقدمه أمريكا للعالم كل يوم في عوالم التطور المادي، إلا انها لم ولا تساهم بشئ يوازي ذلك في النطاق الإنساني و الروحي، حيث يستدل ببعض الوقائع التي حدثت سواء التي عاشها هناك أو الوقائع التاريخية التي تدحض بجلاء مقولة أن الشعب الأمريكي شعب محب للسلام وهو (المهووس) بالألعاب الدموية والمصارعة، ويكفي انه اتى بدونالد ترمب رئيسا يوما ما.
سيد قطب رحمه الله تحدث عن (بدائية) في الفنون، وفي (ثقافة) الطعام واللباس، وكل مايكتنف حياة الناس هناك!.
والأجمل في هذا الكتاب أن سيد قطب رحمه الله سعى إلى تلمس كل ذلك بنفسه، وذلك من خلال ذهابه الى الأندية ودور الأوبرا، وكذلك أحاديثه التي وثقها مع بعض الشباب الأمريكي، مما يضيف حياداً و موضوعية في تقييمه ذاك.
لكن الذي لم يقله سيد قطب رحمه الله والذي أراه سببا لكل هذا ال(تدحرج) في القيم والارتكاس في جماليات الأنسنة وانتفاء الارتقاء وانتفاء التسامي بالذائقة في المجتمع الأمريكي؛ لهو الإرتهان إلى القوانين التي تسن في هيئات الولايات الأمريكية الخمسين دون أن يكلف المشرعون أنفسهم جهد القراءة في اطروحات الأديان السماوية في القضايا التي تمس أمن البشر من لدن أبينا آدم عليه السلام.
قد يقول قائل بأن الدستور الأمريكي ينص على (مدنية) الدولة، نعم ذاك أمر يمكن القبول به استصحابا للصراع الذي حدث في أوربا خلال القرنين الماضيين ليفضي إلى مآل سالب وقسمة ضيزى بأن (الثلثين لقيصر والثلث للرب)!
لكن هناك جوامع لاتكاد تختلف عليها أديان الملة الإبراهيمية وقد كتب الله بأن (يتوه) كل من ينأى بنفسه عنها كما حدث ل(إيليا ابي ماضي) وهو يبث البحر (طلاسمه) ويقول:
جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنّى أنّني أدري ولكن…
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير
أم كلاّنا واقف والدّهر يجري؟
لست أدري!
ليت شعري وأنا في عالم الغيب الأمين
أتراني كنت أدري أنّني فيه دفين
وبأنّي سوف أبدو وبأنّي سأكون
أم تراني كنت لا أدرك شيئا؟
لست أدري!
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّا
أتراني كنت محوا أم تراني كنت شيّا
ألهذا اللّغز حلّ أم سيبقى أبديّا
لست أدري… ولماذا لست أدري؟
لست أدري!
البحر:
قد سألت البحر يوما هل أنا يا بحر منكا؟
هل صحيح ما رواه بعضهم عني وعنكا؟
أم ترى ما زعموا زوار وبهتانا وإفكا؟
ضحكت أمواجه مني وقالت:
لست أدري!
أيّها البحر، أتدري كم مضت ألف عليكا
وهل الشّاطىء يدري أنّه جاث لديكا
وهل الأنهار تدري أنّها منك إليكا
ما الذّي الأمواج قالت حين ثارت؟
لست أدري!
وقد يعذر المرء إيليا على توهانه لكونه كتب طلاسمه تلك خلال سنيه التي ابق خلالها عن دينه واصبح ملحدا لايؤمن بخالق للكون ولا منتهى لحساب، لكن مابالنا نحن وبين يدينا أديان سماوية تتفق جميعها بلا خلاف على:
حرمة قتل النفس
وحرمة شرب الخمر وتعاطي المخدرات.
وحرمة النأي عن القيم التي تتسق مع العرف الإنساني السليم؟!
قاتل لاس فيجاس لم يكن سوى سكير ومتعاطي للمخدرات، ثم مستفيد من قانون أمريكي خاطئ ينص على (حرية) استخدام السلاح لكل فرد أمريكي بالغ!
ألم يعتبر مشرعوا أمريكا في جل ولاياتها إن لم تكن كلها بالجرائم العديدة التي كان سببها الأساس (حرية) التسلح لكل أمريكي؟
اقرأوا عن هذه الجرائم:
* 32 قتيلا في إطلاق نار داخل جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في بلاكسبرج بولاية فرجينيا، والذي وقع في 16 أبريل/ نيسان عام 2007، ونفذه سيونغ هوي تشو، طالب بالجامعة كان يبلغ من العمر 23 عاما، أطلق النار في موقعين داخل الحرم الجامعي ما أسفر عن مقتل 32 شخصا وإصابة عدد غير محدد من الأشخاص، قبل أن ينتحر.
* 27 قتيلا في هجوم إطلاق نار على مدرسة “ساندي هوك” الابتدائية بولاية كونيتيكت، في 14 ديسمبر/ كانون الأول عام 2012، ونفذه آدم لانزا، الذي كان يبلغ من العمر 20 عاما، وأطلق النار على 20 طفلا تتراوح أعمارهم بين الست والسبع سنين، وستة بالغين منهم موظفي المدرسة وأعضاء هيئة التدريس، قبل أن يوجه السلاح إلى نفسه. وفي وقت لاحق أثناء التحقيق، عثرت الشرطة على نانسي لانزا، والدة آدم، مقتولة إثر طلقة نارية، وكان العد النهائي لضحاياه هو 28 قتيلا ضمنهم مطلق النار، آدم.
* 23 قتيلا في هجوم إطلاق نار على كافيتيريا “لوبيز” في ولاية تكساس، في 16 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1991، ونفذه جورج هينارد، الذي كان يبلغ من العمر 35 عاما، حطم شاحنته الصغيرة عبر جدار الكافتيريا، ثم خرج منها وأطلق النار على الموجودين، ما أسفر عن مقتل 23 شخصا، ثم انتحر.
* 21 قتيلا في هجوم إطلاق نار على مطعم “ماكدونالدز” في منطقة سان يسيدرو بولاية كاليفورنيا، في 18 من يوليو/ تموز عام 1984، ونفذه جيمس هوبرتي، الذي كان يبلغ من العمر 41 عاما، مسلحا بمسدس رشاش من طراز “أوزي” وبندقية ومسدس، وقتل 21 شخصا من البالغين والأطفال الموجودين في المطعم، قبل أن يقتله قناص الشرطة بعد ساعة واحدة من بداية الهجوم.
* 18 قتيلا في هجوم إطلاق نار في منطقة أوستن، بولاية تكساس، ونفذه تشارلز جوزيف ويتمان، أحد جنود مشاة البحرية الأمريكية السابقين، حيث أسقط 16 قتيلا وأصاب 30 آخرين على الأقل، مطلقا النار من برج جامعة تكساس، وقتله ضباطا الشرطة راميرو مارتينيز وهيوستن مكوي في البرج، وكان ويتمان قد قتل والدته وزوجة في وقت سابق من ذات اليوم.
* 14 قتيلا في هجوم إطلاق نار في مركز إنلاند الإقليمي، لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، في سان برناردينو، بولاية كاليفورنيا، في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول عام 2015، ونفذه سيد رضوان فاروق، الأمريكي البالغ من العمر 28 عاما والذي عمل كمتخصص بيئي لمقاطعة سان برناردينو لمدة خمس سنوات، مع زوجته تاشفين مالك، البالغة من العمر 27 عاما، ما أسفر عن مصرع 14 شخصا وإصابة 17 آخرين.
* 14 قتيلا في هجوم إطلاق نار في مكتب خدمة البريد في منطقة إدموند بولاية أوكلاهوما، في 20 أغسطس/ آب عام 1986، ونفذه باتريك هنري شيريل، الذي كان يعمل ساعيا للبريد بدوام جزئي، مسلحا بثلاثة مسدسات، يقتل 14 عمال البريد خلال عشر دقائق، ثم ينتحر بطلقة في الرأس.
* 13 قتيلا في هجوم إطلاق نار في قاعدة “فورت هود” العسكرية بولاية تكساس، في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2009، ونفذه نضال مالك حسن، رائد في الجيش الأمريكي، ما أسفر عن 13 قتيلا و32 جريحا، ثم قبضت السلطات عليه وأدانته وحكمت عليه بالإعدام.
* 13 قتيلا في هجوم إطلاق نار في مركز اجتماعي للمهاجرين في منطقة بينغهامتون بولاية نيويورك، في الثالث من أبريل/ نيسان عام 2009، ونفذه جيفرلي ونغ، ما أدى إلى مقتل 13 شخصا وإصابة أربة آخرين، قبل أن يقتل نفسه.
ياترى كل هؤلاء من يتحمل ذنب موتهم؟
اليسوا مشرعوا الولايات الأمريكية الذين جعلوا من مسمى (الحرية) غاربا يلقون عليه حبل هوى النفس فيتوافقون على تشريعات لاتلقي بالا لما جاءت به الأديان السماوية الثلاث والتي يؤمن بها الغالب الأعم من الشعب الأمريكي؟!
بالله عليكم اي (حرية) هذه التي تصل بمجلس تشريعي يناقش بل ويجيز زواج انسانة بكلبها؟!
والله إني لاقرا قول الله هذا ولا اخاله الا قد ورد في حال المجتمعات التي حسبت أنها قد ملكت أمر نفسها فأصبحت تشرع كيفما حكم العقل البشري والهوى دون أن يتبينوا بأن الشيطان قد قال ساقعدن لهم صراطك المستقيم!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) سورة فصلت53.
ف هاهو العالم يتبين كل يوم أمرا قد تسببت فيه تشريعاتهم البشرية فإذا بالمآل جرائم تقض مضاجع الشعوب وتحيل أمنهم خوفا وهلعا.
ولعلي أطلقها صرخة لعلها تصل إلى مسامع عضو لمجلس تشريعي في إحدى الولايات الامريكية:
اجعلوا لله نصيبا من تشريعاتكم لأنه جل في علاه الخالق للبشر والاعلم بما يصلح مسار الشعوب والحضارات
[email protected]

تعليقات
Loading...