عثمان الشيخ يكتب:قرية البرياب كانت مخبأ الإمام عبدالرحمن المهدي.. مرايا برس

معادلات:عثمان الشيخ

حرص اثنان قادا هذه المعركة الفاصلة على إخلاء الصبي عبدالرحمن  ووالدته و بقية النساء بعيدا عن الشكابة أرض المعركة إلى موقع آمن.

إختار القائدان، الشريف الفقيه حافظ القرآن و معلمه الحسن ود علي  والشريف الحافظ الفقيه عبدالله البريابي( جد السيد إبراهيم الشيخ عبدالرحمن، مؤسس حزب المؤتمر السوداني واول رؤسائه و رجل الأعمال و المتحدث الرسمى بإسم قوى الحرية و التغيير) موطنهما، قرية البرياب لتكون مكان الإخلاء الآمن، لما تبقى من أسرة الإمام المهدى لسبب جوهري، ضمان حياتهم  ورعايتهم بعيدا عن العيون و أرض المعركة.

عاد الإنجليز بنصف نصر عسكري و بهزيمة معنوية كاملة. أين عبدالرحمن أصغر أبناء الإمام؟ لم يكن بين الموتى و لم يكن بين الأحياء ليأخذوه أسيرا، إذ تمنع الأعراف الحربية قتل القصر والأطفال؟

شغلت هذه المعضلة قصر الحاكم العام في الخرطوم كثيرا.

تأتى أهمية الشيخين الحسن ود علي و عبدالله البريابي من أنهما كانا من أكبر مستشاري الإمام المهدي،  كان الأول مستشارا فقيها وكان الثاني يشرف على بيت مال الدولة المهدية في أم درمان. أهلتهما هذه الصفات لتصدر المشهد العسكري والسياسي الأخير في تاريخ الدولة المهدية.

التحق الصبي عبدالرحمن بخلوة الشريف الحسن ود علي التي استعادت نشاطها بعودة مؤسسها الشريف الحسن من الجهاد.

وجد الصبي عبدالرحمن و والدته و نساء آل الإمام كامل الرعاية و الحماية من أهل البرياب الذين رحبوا بهم كثيرا و تسابقوا لحمايتهم و اكرامهم  فشيدوا لهم مساكن تأويهم في إقامة مستدامة إذ انهم ضيوف على مستو عال من الخطورة و كانوا يوفرون لهم كل وسائل الأمن  والحماية و مستلزمات العيش الكريم الذي يستحقونه.

لم ينته الأمر عند مخابرات الإمبراطورية بإلقاء جثماني الفاضل و البشرى طعاماً  للتماسيح و الأسماك بل أرقهم و أرهقهم لغز الصبي المحير. أين وكيف و متى اختفى؟.

لم يطل زمن إجابة الأسئلة حتى اكتشفت عيون المخابرات أن هدفهم حي يرزق و يعيش فى قرية البرياب آمنا مطمئنا.

أسرعوا للقبض على هدفهم لكن هذه المرة بوسائل شرطية فكلفوا مفتش مركز ود مدني للقبض على الهدف. تغيرت  وسيلة التعامل مع آخر صفحات العدو المهدوي من القوة و العتاد العسكري إلى القوة الشرطية الصغيرة المنقولة بالخيول.

توجهت هذه القوة قاصدة البرياب الواقعة على ضفة النيل الأزرق الغربية والتي تبعد ٣٨ كم جنوب مدني و فتشت كل بيوت القرية و محالهم التجارية و مسجد القرية و الخلوة تفتيشا إحترافيا دقيقا. لكنهم عادوا، محبطين ، إلى رئاستهم في مدني بدون الهدف.

أصاب هذا الفشل قصر الحاكم العام و قلم المخابرات بإحباط قاتل.

تأكدوا تماما عندما تحركوا للبرياب أن هدفهم هناك و بالرغم من ذلك لم يقبضوا عليه لأنهم لم يجدوه، حيا أو ميتا.

ارتفعت علامات الدهشة و الحيرة من جديد. لن يهدأ للحاكم العام فى الخرطوم و لا وزارة الحربية في لندن حتى يحل لغز هذا الطفل الذي دوخهم جميعا.

يتمتع الشريف الحسن ود علي مضيف الصبي عبدالرحمن و والدته و النساء و هو شيخ الخلوة التي ألحق بها الوديعة الأقيم، آخر أبناء الإمام، بحس أمني متقدم.

تشاء أقدار الله أن يكون مدخل البرياب الرئيس من الجهة الشمالية الغربية و تقع خلوة الفقيه الحسن ود علي في الطرف الأقصى للبرياب، الجنوب الشرقي. يقع مسيد وخلوة الشيخ تحت ظلال ( حبوبة جانجيرا،وهي شجرة عملاقة لها قصة سنأتي عليها). بالقرب من شاطئ النهر.

ألهم الله تعالى هذا الشريف الصالح و دبري خطة في غاية الذكاء ألا يسلمهم الوديعة و لا أن يضيع أية ثانية في تحقيق ذلك الهدف. إذ أن الخطر محيط بالقرية و الهدف أثمن و أغلى من أي شيئ في الدنيا عبدالرحمن آخر أبناء الإمام.؟؟!!

استغل الزمن القاتل في تنفيذ خطته و كأنه يسمع صهيل خيل الشرطة و جلبة تفتيش البيوت بالقوة و الإحتجاجات و فزع النساء و الأطفال و دهشة الرجال و إحتجاجاتهم غير المجدية.

حدثت المعجزة و تصرف القائد العسكري الحكيم. أسرع الشريف الحسن ود علي، مستعينا بالحيران و الشباب فأزالوا حطب تقابة الخلوة و أزاحوا منها الرماد الكثير و حفروا حفرة في مكان التقابة تسع الصبي و هو جالس القرفصاء و شرح له الشيخ الخطة الذكية ﻹخفائه من قوة الشرطة التي تطلبه حيا.

أدخل الشريف الحسن ضيفه و أمانته و استودع الله هذه الأمانة و أسرع بوضع الفلكاب أو الاعواد الصغيرة التي تستعمل لسقف البيوت و صنع منها سقفا متينا لهذه الحفرة الصغيرة. فرش على سقفها البروش و أعاد الرماد إلى مكانه و فوقه حطب التقابة  و صرف، سريعا، الحيران و الشباب و أبعدهم عن محيط الخلوة منصرفا إلى صلاته وتسبيحه.

انتهى التفتيش الشرطي الدقيق المتقن للخلوة لأنها كانت آخر المواقع الجغرافية المستهدفة كلها بالتفتيش و لعلها تكون ملجأ الهدف المؤكد لأنهم لم يجدوه في كل بيوت القرية.

عادوا أيضا محبطين بعد تفتيش الخلوة و المسيد.

أربكت هذه الأحداث المخابرات البريطانية ربكة شديدة. ما هذا الذى يحدث؟ و لماذ يستعصي عليهم هذا الهدف بالذات؟

الجواب أيضا يأتى من البرياب.

اجمع حكماء البرياب على أن حفرة التقابة و ملجأ الصبي عبدالرحمن المؤمن برعاية الله وحمايته و قدرته و أقداره ربما تكون آخر سطور هذه الملحمة.

أجمعوا على  أن يصحبوا أمانتهم الغالية َمع والدته و النساء ميممين شطر ام سنط القريبة من مدني  ليودعوا إبنهم عبدالرحمن أمانة عند أحد أقرباء الإمام المهدي الفقيه ( الفكي محمد ود شقدي) بكسر الشين و القاف و الدال المشددة.

لم يكن الراعي الجديد ، الشيخ محمد ود شقدي معنيا بالجهاد مثل الشريفين المجاهدين الحسن و عبدالله و لكنه كان معنيا بصلة الرحم و كان على علم بعظم المسئولية و هدف الإنجليز.

اصطحب الشيخ محمد ود شقدي الصبي عبدالرحمن الي مفتش المركز الذي أذهلته المفاجأة.

لم يكن تصرف الفكي ود شقدي تصرفا تآمريا بدليل ذهول و دهشة المفتش الإنجليزي و لم يكن خيانة للأمانة بدليل أن شيوخ البرياب هم الذين أشاروا عليه بهذا التصرف.

أدرك الإنجليز أن الهدف قاصر لا يستحق القتل ولا الأسر فقرروا الإبقاء عليه على مسئولية قريبه الفكي ود شقدي الذي طلب منه المفتش الإنجليزي  الحضور برفقة الصبي يوميا صباحا للتمام والتأكد أنه تحت أعينهم. و للقصة بقية معلومة تفاصيلها نحكيها في حلقات قادمة.

هاكم المعادلة مكون البرياب مكون أساس في تكوين حزب الأمة و طائفة و كيان الأنصار لولا هذا المكون لما وجد الحزب و الطائفة و الكيان.

تعليقات
Loading...