عثمان الشيخ يكتب :بعض آثار ونتائج مخرجات التعليم البريطاني السالبة(٥).

الخرطوم :مرايا برس

— عقدة الدستور الدائم.

حكم البريطانيون السودان بدستورهم المستمد من العقيدة المسيحية. المعلوم أن الدستور البريطانى دستور  غير مكتوب بعكس الدساتير الأوروبية و الأمريكية و غيرها.

ورثت حكومة السودان المستقل في أول ينائر ١٩٥٦ ، ضمن ما ورثت من المستعمر البريطانى ، دستورا على نهج الدستور البريطانى و أقرب إلى دستور الهند المكتوب.

حكم الوطنيون السودان بهذا الدستور و وصفوه بالدستور( المؤقت) ريثما تجيزه الهياكل الديمقراطية ( الجمعية التأسيسية أو البرلمان المنتخب) و رئاسة البلاد المنوط بهما وضع و اجازة الدستور الدائم و الذي لم يُتفق عليه حتى يومناضض هذا.السبب في ذلك هشاشة الديمقراطية و ضعف تكوين الأحزاب السياسية و مشكلة الجنوب و الحرب الأهلية و انتشار الأمية و العصبية القبلية و الصراع بين الأحزاب  حول الحكم و السلطة لا حول التنمية و السلام و العدالة الاجتماعية.

لا تشجع تركيبة السودان التي تحوي كل المتناقضات على توحيد الكلمة وجمع المكونات المتنافرة في صعيد واحد للنهوض بالامة والحفاظ على الوطن واستثمار موارده لصالح المواطن السوداني في حظه فى التنمية الإقتصادية وتوفير الخدمات الضرورية سعيا لبلوغ الرفاه الإنساني.

دخل السودان في حلقة التنافس السلطوي الجهنمي و لم يجدوا متسعا من الوقت للإتفاق حول الدستور الدائم و هذه أهم العقد التي استعصت على النجار حلها أو قطعها  بالمنشار حتى أوصلت السودان إلى هذا المستوى من الضعف و التفكك و التخلف و الإقتتال.

استمرت الحلقة الجهنمية الخبيثة في تبادل الأدوار بين فترة حكم ديمقراطي بلا إنجازات ثم انقلاب عسكري شمولي فيه إنجازات تعقبه ثورة شعبية تسقط النظام العسكري الشمولي و تعود بديمقراطية خلافية و شركاء متشاكسين و جعجعة بلا طحين وحكومة بلا منجزات سرعان ما يملها الشعب  فتنفتح شهية العسكر للانقضاض على الديمقراطية و الإستيلاء على السلطة من جديد و هكذا دواليك و على مدى ٦٥ عاما و الشعب السوداني يسير إلى الوراء بسبب حكامه المدنيين و العسكريين و سياسيه و مثقفيه النفعيين الانتهازيين في الوقت الذي تتقدم فيه الدول التي لا تملك مثل موارده. اهي لعنة التعليم البريطاني أيضا؟

السودان قطر واسع المساحة مترامي الأطراف ذو حدود دولية مشتركة مع عدة دول، تعددي الأجناس و الثقافات و اللغات و الأديان و العادات ولكنه يتميز بأنه عربي اللغة و الثقافة أفريقي الجغرافية و مسلم الديانة(غالبية السكان مسلمون)

لم يوظف السياسيون تعددية الهويات هذه في صهر هذه المكونات لتنتج أمة واحدة ذات مصالح و اشواق و طموحات قومية مشتركة و موحدة و متجانسة بل حدث العكس تماما مما لا يسع المجال ذكر أسبابه.

الدستور هو الوسيلة التي يعبٌِر بها الشعب عن هويته و ديانته و ثقافته و من ثم يُعرض على الشعب للموافقة عليه اما عن طريق الإستفتاء أو بالأغلبية البرلمانية لأن نواب البرلمان هم ممثلوا الأمة المنتخبين.

تعرض مشروع الدستور الدائم إلى الإختلافات المعوقة بين الكتل السياسية المتصارعة ففي الوقت الذي يدعو الإسلاميون لوضع و إجازة دستور يعبر عن دين و شريعة الغالبية يعارضه البعض و يدعون إلى وضع و كتابة دستور  ليبرالي أو علماني أو  على أساس لا ديني.

تتخذ الدولة الحديثة من الديمقراطية منهجا لتداول السلطة و نسبة لنشأة الأحزاب السودانية على أسس و قواعد خاطئة لم يجن المواطن البسيط ثمار الديمقراطية الحقيقية لأن الديمقراطية السودانية ديمقراطية شكلية ابتداءا من اعتماد الأحزاب السياسية على الطوائف و الإدارة الأهلية و انتشار الأمية الحرفية و الثقافية و الدينية وسط المجتمع و هشاشة  التركيبة الحزبية الخالية من البرامج و الأفكار و المعتمدة اساسا على الأفراد والزعامات.

لكل هذه الأسباب و لغيرها عجز السودانيون و على رأسهم المتعلمون عن الإتفاق حول قواسم وطنية مشتركة توفر لهم أرضية مشتركة لكتابة مسودة دستور دائم يصاغ صياغة قانونية محكمة و يُقدم للشعب لاجازته بالإستفتاء أو بالبرلمان كسبا لزمن الأمة و مواردها و تقريرا لمصيرها .

عندما يتوافق الناس على الدستور تتفرع منه القوانين التي تنظم الحياة العامة و تُحدد العقوبات على المخالفات الأخلاقية و الجنائية و الاقتصادية و العامة فيعيش الناس كل الناس في أمن و أمان و سلام و تقدم و تعاون.

أصابت لعنة المناهج التعليمية الشعب السوداني وحرمته من وضع دستور نابع من طبيعته و ثقافته بل ورثه الاستعمار دستورا مقُتبسا من بيئة مختلفه فعجزوا عن التأقلم عليه كما عجزوا عن وضع دستور ينبع من طبيعته .

حاولت مختلف الانظمة الوطنية المتعاقبة على حكم السودان كتابة و إجازة دستور دائم للسودان و لكنها عجزت لعدم وجود أغلبية حزبية سياسية تطلع بهذا الدور الخطير .

في أية مشكلة كبيرة في السودان  مستعصية الحل ابحث عن المناهج التعليمية البريطانىة.

نختم لاحقا بايجابيات الإستعمار البريطاني في السودان.

تعليقات
Loading...