عثمان الشيخ يكتب : جريزالدا الأوروبية التي قاومت تحديات الاندماج في البيئة السودانية المحافظة

الخرطوم :مرايا برس

كانت طالبة فى كلية الفنون الجميلة فى جامعة لندن وقتها كان مبعوث جامعة الخرطوم عبدالله الطيب المجذوب يحضر لدرجة الدكتوراة في نفس الجامعة في علوم اللغة العربية وآدابها. كعادة الاوروبيات و البريطانيات يحببن ان يتعرفن على الشرقيين و الافارقة. تعرفت طالبة كلية الفنون الجميلة جريزلندا عليه واعجبت بنبوغه وحسن معشره و سمو اخلاقه وهي قطعا لا تعرف انه من المجاذيب اهل التصوف والقرآن. انتهت العلاقة الى الزواج بينهما. وقتها كان عدد غير قليل من مبعوثي جامعة الخرطوم لنيل الدرجات فوق الجامعية يتزوجون من البريطانيات.
ارتحلت السيدة جريزلندا مع زوجها السوداني الدكتور عبدالله الطيب الى السودان. كعادة البريطانيين و البريطانيات اتخذت اسم عائلة زوجها الطيب فكان اسمها جريزلندا الطيب او Mrs Altayyib
التحقت السيدة جريزلندا بوزارة المعارف كاستاذة للفنون الجميلة في المدارس الثانوية اعتقد في مدرسة الخرطوم الثانوية للبنات .
قاومت كل تحديات اندماج الاوروبية والبريطانية المسيحية في البيئة السودانية المحافظة والمتدينة وبالاخص البيئة الريفية حيث تربى ونشأ الدكتور عبدالله الطيب وامثاله من مبعوثي و اساتذة جامعة الخرطوم.
يعرف كل الذين درسوا في كلية الاداب جامعة الخرطوم مسز الطيب او جريزلدا الطيب زوجة عميد الكلية لانها الاكثر مرحا وتعاملا مع الطلاب و الطالبات. اعتقد انها نالت درجة بكالريوس الاداب من جامعة الخرطوم.
كانت تساعد زوجها البروفسور عبدالله الطيب في الرسومات المصاحبة لمؤلفاته المتأخرة.
كانت تتحدث معنا بعربيتها السودانية. كانت في منتهى الطيبة ونشعر انها اندمجت في  البيئة الطالبية السودانية اكثر من غيرها من زوجات اساتذتنا السودانيين.
كانت تذهب مع زوجها بروفسور عبدالله الطيب الى مسقط رأسه في احدى قرى الدامر.
قالت انها استعملت الحمير في التنقل مثلما استعملت القطار واللواري، ليس ذلك فحسب ، بل استعملت الحنة كواحدة من اساليب التجميل السودانية. للسيدة جريزلدا الطيب نوادر كثيرة تستحق ان تجمع في كتاب كشاهد للمفارقات الثقافية.
اذكر في مقابلة تلفزيونية سجلت معها اتسمت بصراحة البريطانيات و عفويتهن اذ اراد مقدم المقابلة ( انترفيو Iterview هل مقابلة ترجمة صحيحة؟السؤال لك) ان يعرف كيف استطاعت السيدة جريزلدا ان توائم تلك السيدة البريطانية المنتمية الى امة معروفة و مشهورة بالبرود و عدم الانفعال، حياتها مع زوجها السوداني المنتمي الى امة سريعة الغضب والانفعال؟. فكان ردها في غاية الطرافة والعفوية والشفافية. اجابت بلكنتها المحببة الينا 🙁 ابدلله التيب (عبدالله الطيب) بنزين. فاجأها مقدم المقابلة وانت كيف؟ فاجأته باجابة صادقة وعفوية وطريفة قالت: انا بردو (برضو) بنزين. يعنى بدل ما تؤثر على طبع عبدالله الطيب تأثرت هى بطبعه. 
اعتنقت السيدة جيرزلدا الاسلام كما علمت سنة ١٩٧٧م و ذلك يعني سماحة الاسلام في التزوج من الكتابيات و لم يجبرها زوجها على اعتناق دينه ابدا . تخلت عن اسمها البريطاني وسمت نفسها جوهرة الطيب ولم تلحق نفسها باسم والدها.
بدأت ترتدي الطرحة الساترة والملابس الطويلة.
للذين لا يعلمون ان السيدة جوهرة الطيب لها دور جد عظيم في حياة زوجها البروفسور عبدالله الطيب وكانت الاكثر وفاءً له حياً وميتاً، و لا يخفى عادة السودانيين في ملاحقة امثال البروفسور عبدالله الطيب من الذين تزوجوا اوروبيات او اجنبيات ان يتزوج سودانية. ادركت جيرزلدا كل ذلك وتحملت كل هذه الضغوط. للسيدة جوهرة الطيب فضل كبير على اهلها المجاذيب. لم يرزقا ( عبدالله و جيرزلدا) ذرية فعوضت ذلك بانها تبنت عددا من ابناء وبنات اهل زوجها وربتهم معها و واشرفت على تعليمهم ذكورا واناثا حتى تخرجوا و تخرجن من الجامعات.
لاحظت ان بعض زيجات اساتذتنا السودانيين اصطدمت بالواقع السوداني فانتهت بالطلاق و وظلت جيرزلدا وفية للسودان والمسلمين والمجاذيب.
اكرمت حكومة الانقاذ هذه الزيجة الاسطورية بأن اطلقت اسم عبدالله الطيب على الشارع الذي يتفرع من شارع برى ويتجه جنوبا حينما اكملت ذلك العرفان المستحق للعالم و مفسر القرآن، بتكريمها للسيدة جوهرة الطيب بأن سجلت المنزل الحكومي التابع لجامعة الخرطوم والذى كان يقيم فيه الزوجان باسم جوهرة الطيب علما ان للبروفسور عبدالله الطيب منزلا خاصا فى الخرطوم في حي العمارات في شارع ١٥.
اكرم الله تبارك وتعالى السيدة جوهرة الطيب عندما جعل رحيلها وانتقالها الى جواره جل جلاله يوم الجمعة المبارك وفي  شهر شوال. نشهد نحن الذين تلقينا بعض العلم المتواضع على يدي شيخنا البروفسور عبدالله الطيب المجذوب ان رفيقة دربه السيدة جوهرة كانت اكثر الناس برا له في حياته وبعد مماته و ليس اعظم من وصيتها ان يوارى جثمانها في قبر بجوار زوجها ورفيق دربها سليل المجاذيب البروفسور عبدالله ابن الطيب بللت قبره سحائب الغفران في مقابر حلة حمد بالخرطوم بحري. نشهد للسيدة جوهرة الطيب انها عشقت السودان وتراب السودان وناس السودان و تدين للسودانيين و تصوفهم لدرجة الذوبان عشقا فيه.
لا اشك ابدا ان كل من عرف البروفسور عبدالله الطيب استاذا في جامعة الخرطوم و وعميدا لكلية الاداب ثم مديرا لها ثم مؤسسا لكليةAdo Byro College [A. B. C للدراسات العربية و الاسلامية فى مدينة كنو في شمال جمهورية نايجيريا الاتحادية في اواخر ستينات القرن الماضي و التابعة لجامعة احمدو بللو في زاريا. A. B. U في شمال نايجيريا و التي تطورت الى جامعة مستقلة فيما بعد وكل هؤلاء وأولئك يذكرون جيرزلدا (جوهرة الطيب) و يترحمون عليها ويبكون طيبتها و عفويتها و وفائها و حسن معشرها .
لا يسعنا نحن الذين اكرمنا الله بنيل بعض العلم على يدي زوجها بروفسور عبدالله الطيب المجذوب الا ان نبتهل الى الله صادقين في يوم الجمعة ان يتغمدهما بواسع رحمته و غفرانه و ان يرزقهما رفقة الصديقين و الشهداء و الابرار و حسن اولئك رفيقا.

تعليقات
Loading...