عثمان الشيخ يكتب :ديمقراطية الطلاب (٤)

الخرطوم :مرايا برس

استطاع الانقلاب العسكري آنذاك مصادرة جميع الحقوق الديمقراطية في السودان ومن ثم دخل في صراع حاد وحقيقي مع اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكان يرمز اليه بالحروف الانجليزية
(KUSU) Khartoum University Students Union
استمد (كوسو) اي اتحاد طلاب جامعة الخرطوم قوته من عناصر عدة
فهو تنظيم مدني طوعي فئوي قانوني معترف به. تكمن قوته في انه منتخب انتخاباً ديمقراطياً حقيقياً وتعززه قاعدته الطلابية الواعية بالتأييد المعنوي والمادي (حاضنةسياسية) ورغم انه يمثل الطلاب فقط الا انه يجد المساندة المعنوية والدعم الإعلامي والسياسي من خارج اسوار الجامعة، بل يجد فيه السياسيون البديل العملي للمعارضة التي تتبناها الاحزاب السياسية المحظورة.
كان مدير جامعة الخرطوم هو ممثل الدولة ولذلك كان يتحمل اعباءً سياسية فوق حدود مهنته الأكاديمية.
من المفارقات اتفاق التنظيمين السياسيين المتنافسين الشيوعيين والاخوان على معارضة النظام العسكري النوفمبري(عن طريق عناصرهما الطلابية) بحجة مصادرته للحريات السياسية وحل الأحزاب والبرلمان وإغلاقة دور الصحف ومنعه المظاهرات.
كان كل تنظيم سياسي يعارض ويقاوم العسكرتارية بطريقته.

يرى فيه الشيوعيون انه نظام يميني رجعي امبريالي يخضع للأمريكان. وكان الاخوان المسلمون يعارضونه لقمعه الحريات ومصادرة الرأى وكان اكثر معارضتهم لنشاط الحكومة في منع التمرد في الجنوب ويعتبرونه نشاطا غير شرعي.
من المفارقات ايضا تخلي الجبهة الديمقراطية، و هو التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي السوداني ، عن معارضة النظام العسكري الرجعي اليميني الموالي للاستعمار بأمر مباشر من الاتحاد السوفيتي واكثر من ذلك بموالاة النظام العسكري النوفمبري ومهادنته و الدخول في منظماته السياسية و الدستورية (المجلس المركزى _ برلمان العسكر).
خفت حدة المعارضة السياسية الطلابية للعسكر بتماهي الحزب الشيوعي مع نظام عبود بعد زيارة بيريجنيف الرئيس السوفييتي للسودان والتقائه الرئيس عبود ولا شك ان احد اجندة اللقاء كان تخلي الشيوعيين عن معارضتهم لنظام عبود.
انفرد الاخوان المسلمون بمعارضة النظام العسكري عندما وظفوا مهادنة الشيوعيين توظيفا حميدا مما اكسبهم شعبية وسط الطلاب فارتفع عدد مقاعدهم في المجلس الاربعيني واللجنة التنفيذية.
اضر أمر الحزب الشيوعي السوفيتي بمهادنة الشيوعيين للرئيس عبود كثيرا بشعبيتهم وسط الطلاب فخسروا رئاسة الاتحاد الذي فاز به الاخوان لأول مرة.
صعَّد الاخوان المسلمون الصراع بينهم وبين الحكومة العسكرية الى درجة الصدام الدموي و ذلك في الندوة المشهورة التي فرقها العسكر باستعمال القوة المسلحة وسقط في هذه المواجهة اول شهداء الثورة فى السودان الشهيد احمد القرشي طه الطالب بالسنة الاولى بكلية العلوم ومن طلاب خورطقت الثانوية ومن قرية القّرَّاصة بالنيل الابيض.
تخلى الشيوعيون تماما عن خاصية النضال ضد العسكر بل كانوا يعارضون الاخوان المسلمين في الاتحاد ليثنوهم و يخذلوهم عن المواجهة والتصعيد بحجج عدم تكافوء القوة بين الطلاب العزل والعسكر المسلحين.كان ذلك الموقف الطلابي المتردد اكبر دليل على انتهازية الشيوعيين الفطرية واثبات عمالتهم للاجنبي وتلقيهم الدعم والاوامر من الخارج.
شكلت معارضة اتحاد طلاب الجامعة السافرة و المباشرة ضد حكومة عبود بسبب الحرب في الجنوب هاجساً امنياً وسياسياً يصعب على النظام العسكري الحاكم تجاهله او تجاوزه.
اوعزت الحكومة لسلطات الجامعة بعدم الاعتراض على اعتقال رئيس وأعضاء الاتجاه الإسلامي في اللجنة التنفيذة المعارضين للسلطة. تم ذلك باعتقال الطالب حافظ الشيخ الزاكي رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والطالب بكلية القانون من خريجي مدرسة خورطقت الثانوية ومن قرية المزروب بكردفان.
حسبت السلطات انها باعتقال رئيس الاتحاد انها ستكسر شوكة المعارضة الطلابية الشرسة والمدعومة معنويا وسياسيا من الاحزاب خارج اسوار الجامعة خاصة وانهم ضمنوا صمت الشيوعيين داخل الجامعة.
استبق الاخوان المسلمون في الجامعة التكتيك العسكري لاخماد جذوة المعارضة المتسارعة بذكاء خارق وذلك بالاستفادة من التقاليد الديمقراطية الطلابية ولم يهدروا الوقت الاستراتيجي الحاسم في صراع كسر العظم في معالجة الصدمة بعد اعتقال زعيم الطلاب بل كونوا بديلا سريعا وهو لجنة تنفيذية جديدة برئاسة الطالب ربيع حسن احمد من كلية القانون ومن خريجي مدرسة مدني الثانوية و من مدينة مدني. 
واصل ربيع حسن احمد رئيس الاتحاد الجديد سياسة التصعيد الذي انتهى بالمواجهة بين الطلاب تحت قيادة الاتجاه الإسلامي وحكومة الرئيس عبود في الندوة الشهيرة التي اقامها اتحاد الطلاب الذي يرأسه الاتجاه الإسلامي لمعارضة القمع الذي تمارسه الحكومة العسكرية ضد المواطنين في الجنوب و التي كانت الشرارة التي اشعلت ثورة أكتوبر واسقطت اول حكومة عسكرية في السودان.
يسجل التاريخ لطلاب جامعة الخرطوم انهم اسقطوا نظاما عسكريا بديمقراطيتهم الطلابية الحقيقية.
المتابع لتسلسل الاحداث يجد ان طلاب الاتجاه الإسلامي كانوا يستمدون قوتهم السياسية من القاعدة الطلابية العريضة التي فوضتهم لاتخاذ القرار السليم في معارضة النظام العسكري المستبد والذي كان يحارب جيشه مواطنين سودانيين كانوا ينادون بتقنين العلاقات الدستورية بين الشمال والجنوب اتحادية كانت ام فدرالية ام كونفدرالية. عكس ذلك تماما كان موقف الطلاب الشيوعيين الذين يعارضون كل الانظمة التي لا تلبي اشواقهم في نشر الماركسية ولكنهم سرعان ما تخلوا عن ذلك في انتهازية سياسية عندما مال الرئيس عبود نحو المعسكر الشرقي لتقديرات سياسية.
ساعد اعلام الاتجاه الإسلامي(الصحف الحائطية والندوات العامة) داخل الحرم الجامعي في  تنوير الطلاب بقضية الجنوب  ونشر الوعي الدستوري وشرح مصطلحات الدولة الاتحادية والدولة الفدرالية والدولة الكونفدرالية و خصائص كل نظام . و توسعوا في شرح الحقوق الدستورية التي يمنحها الاسلام للمواطنين مسلمين وغير مسلمين وقدموا ولاول مرة الدستور الاسلامي وصلاحية الاسلام لكل زمان ومكان بعد ان ألصق الشيوعيون كثيرا من الصفات الطاردة المنفرة زورا بالاسلام.
انتهت ليلة المواجهة بين الاتحاد والحكومة العسكرية الى تنازل الرئيس عبود عن السلطة وتكوين اول الحكومات الانتقالية في السودان.

(نواصل)

تعليقات
Loading...