عثمان الشيخ يكتب: عريس يشارك في زواج نسيبته

حكايات :مرايا برس

أغسطس قمة موسم الأمطار في وسط السودان. الأرض خضراء و الرطوبة عالية . اصطحبني والدي ، يوم الاثنين و عمري وقتها عشر سنوات تنقص و لا تزيد . في السفر إلى ود مدني باللوري الاوستن(الهوستن) البريطاني الصنع الذي يشغل بالبنزين . المعبأ  في صفيح ( لا تتذكروا الصفوف و الصفوف) .تستغرق الرحلة من القرية إلى ودمدني عاصمة المديرية أكثر من ساعة ، على طريق ترابي متعرج و موحل يمر بقرى بعضها داخل مشروع الجزيرة و بعضها خارجه مثل ود النور و ود النو و  و ام سنط و مارنجان  و حلة حسن . خيار الرحلة  بين الخرطوم و مدني الأفضل ، هو القطار المسير بالبخار،و الذي يغادر محطة ودمدني مساءا إلى الخرطوم في رحلةتستغرق أكثر من ست ساعات . خيار اللواري إلى الخرطوم أثناء فصل الخريف خيار غير مأمون العواقب . أقرب محطة لقريتنا اسمها محطة العقدة و بها سوق و مدرسة أولية و مركز صحي(شفخانة) كان الناس يتهكمون بالاسم الغريب لماذا العقدة؟ الخيار غير مناسب لعدم وجود استراحة تسع هذا العدد. استبعد الوالد و مرافقوه و هم جدي لوالدي ابن عم العريس و حبوبتي لوالدي و هي اخت العريس و عمي و احد أجدادي ابن عم العريس و العمدة و عبدالرحيم مكين من أصدقاء العريس و بنت  العريس الوحيدة التي انجبتها له  زوجته المتوفاة عليها رحمة الله و تصغرني قليلا و والدة العريس و  شقيقتة  و ربما زاد العدد شخص او اكثر .

نزلنا في لكوندة المحطة  ، و هذا اسمها الرسمي ، و تقع في قبالة محطة السكة حديد صاحبها خضري و ينطق(خُدٓرِي) و لعله من أصول مصرية . متعة الرحلة بين  ود مدني و الخرطوم و التي تستغرق ست ساعات  او  أكثر قليلا انها اكثر راحة من اللواري الذي يقفز بالركاب كالارنب و يغير اتجاهات جلوسهم أو وقوفهم احيانا أن لم يكونوا منتبهين . لا تتيح الرحلة الليلية المشاهدة . يجلس المسافرون في القطار على كنبات متقابلة و في غرف لها أبواب و نوافذ .  حجزوا لنا غرفتين  في درجة ثالثة غرفة للرجال و غرفة للنساء . يصدر القطار صوتا مزعجا و هو يسير فوق قضبان الحديد يقولون لنا أن العجلات تشكو قائلة ( قلبي انقطع.. قلبي قطع قلبي انقطع فعلا كأنما عجلات القطار تئن) من ثقل ما تسحب من العربات و الركاب و امتعتهم )  . المفاجأة الثانية اللوكاندا نفسها اسم غريب اسمعه لأول مرة و هي الدار التي يبيت فيها المسافرون ليلا أو يرتاحون نهارا بالمقابل ، ريثما تحين مواعيد سفر. البعض إلى الخرطوم و البعض إلى سنار  و الدمازين و كوستي و الأبيض و نيالا)  مفاجأة أخرى هي ان أرى لأول مرة في حياتي   المصباح  الكهربائي وهو لا يشبه لمبة الكيروسين  ذات الشعلة المجدولة أو الشريط و انه لا يشعل بعود الكبريت بل بمفتاح كهربائي مثبت على الحائط .  و آخر المفاجآت أن في العربة التي تقلنا توجد أسرة من سنجة عبدالله متجهة إلى الخرطوم مثلنا و ان بنتهم في سني تسمى عرفة و تصادقنا لسويعات و انه كان لديها لعبة بلاستيك مجسدة للضب تحتفظ بها مع ملابسها اخرجتها لتخيفني،  فلم يحدث ذلك لأن الضب من الزواحف المألوفة لدينا.

مررنا بمحطات الحصاحيصا و ابوعشر و الكاملين و ود لميد(تنطق الدال ضادا) و الباقير و سوبا ثم للخرطوم. أسماء المحطات مكتوبة على مداخلها بحط كبير على يافطة كبيرة .  يطلق القطار عندما يقترب من المحطة صفارة تنبيه عالية يكررها السائق  عدة مرات  لتنبيه المسافرين للاستعداد لركوب القطار  او النزول منه. يخفض القطار ، عندما يقترب من المحطة ، سرعته تدريجيا و تتباعد اصوات قلبي انقطع قلبي انقطع قلبي… حتى تتوقف تماما . عندما يتوقف القطار المكون من الراس( القاطرة) و العربات درجة أولى و ثانية و ثالثة و رابعة و عربة الفرملة و هي الأخيرة يصدر اصتكاك العجلات الحديدية بالقضبان الحديدية أصواتا تشبه الصراخ العالي المتصل و عندما يتوقف القطار تماما ، تصطدم العربة التي تلي رأس القاطرة بالقاطرة ثم تصطدم بها الثالثة ثم التي تليها واخر العربات اصطداما عربة الفرملة .  على الركاب الحذر إذ ربما يحدث اصطدام أو سقوط للشخص . يغادر بعض  الركاب القطار و يصعد الجدد و هكذا في كل محطة . عندما يطل الصباح تطلب الأسر  الشاي من البوفيه الذي يأتي  إلى العربة في صينية وأواني رائعة يحمله شخص يلبس زيا ابيضا جلابية و عمامة  ويلف وسطه حزام أخضر و ينتعل حذاء جلديا لامعا ، يسمى المرمطون اي النادل أو الجرسون .

 استقبلنا أصهارنا الجدد عند وصولنا محطة السكة حديد في الخرطوم بسيارتي تاكسي حملتنا إلى حي العمدة بأم درمان عبر كبري النيل الأبيض الحديدي بأشكاله الهندسية المقوسة المقببة فوق رؤوسنا و حركة مرور الترماي و السيارات القادمة إلى أم درمان و المغادرة إلى الخرطوم .

وصلنا دار الصهر الجديد الشيخ عبدالله الخضر أحمد المقاول الذي يمتلك منزلا واسعا .

احتفى بنا الشيخ عبدالله الخضر و أولاده احتفاءا كبيرا شقيق العروس خضر في مثل سني كان صديقي و دليلي إلى التعرف على معالم أم درمان . كانت العزومه و عقد القران  ظهر و عصر الخميس. اصطحبني صديقي خضر ، التحق بالسلك الدبلوماسي و توفي و هو في درجة القنصل عليه رحمة الله، في مشوار للسوق لإحضار عدة الطباخين و هي حلل كبيرة و متوسطة الحجم و صواني في مثل احجامها و كوانين كبيرة و صحون و غيرها من أواني المناسبات.

أقيمت المناسبة الجامعة يوم الخميس عصرا . قضينا قبله ساعات في رش أرضية الحوش الترابية بالماء بالخرطوش و إعدادها ﻹستقبال المحتفلين . كانت الغرف مفروشة بالسجاد العجمي و المراتب و الملايات الجميلة . كان الطعام كثيرا و فاخرا .

لا أذكر كيف احًييت ليلة أو سهرة الفرح لأنني في الغالب بقيت مع جدي المتصوف الختمي الذي ينام بعد العشاء مباشرة . قطعا كان هناك فنان شعبي أو حديث يطرب المحتفلين  و لكني لم اشاهده .

عرفت  من معالم أم درمان قبة الإمام المهدي المسمى عليه جدي العريس(عبدالرحمن المهدي ) و دار الإذاعة و دار الرياضة و ميدان للخليفة .

قضينا أياما جميلة كانت أول رحلة سياحية خارج القرية يبدوا أنه كان لها أثر كبير على مسار حياتي من مشاهد كثيرة وأسماء  ومعالم ومدن ومشاهد ومعلومات و مفردات رسخت في الذاكرة .

عاد وفدنا للقرية و كانت الرحلة موضوع الحديث الممتع مع الأقران .

مرت الايام و تحول الأمر إلى خزانة الذاكرة .

كانت الزوجة الجديدة وصولة لأهل زوجها كريمة جدا هدّاية و عطّاية  عطوفة على الصغار مواصلة للكبار تحمل من الصفات الإنسانية النبيلة

 الكثير.

 للحكاية بقية.

تعليقات
Loading...