عثمان الشيخ يكتب :قنبلة مناهج التعليم البريطاني 3

يوهمنا المستعمر انه جاء لينقلنا من التخلف و لكنه يكذب اذ أن الهدف الإقتصاد لا الحضارة و هو إستغلال الموارد الطبيعية. فوجئ البريطانيون بصعوبة إخضاع السودان لسيطرتهم و غادروه سريعا و هم حانقين.. لا بد من الثأر من السودانيين .

التعليم الذي وضعه الإنجليز لم يصمموه لمصلحة المواطنين بل لمصلحة المستعمر.

الطاهر  و علي مثالان لمخرجات هذا التعليم.

استقر الطاهر و علي بعد تخرجهم من الجامعات و حققا أحلامهما في العيش الرغيد في المدينة . الزواج من  بنات المدينة دون الإلتفات لبنات العم اللآتي بعد اكمالهن المدرسة الأولية اكتفى أهلهن بهذه المرحلة و كانوا في انتظار عودة الطاهر و علي ليزفوهما إليهما و لكنهما تعللا بأنهما لم يجمعا بعد ما يتزوجا به من مال. انتبهت البنتان إلى  ما ينتظرهما من مصير أن هما تعلقتا  بخيوط العنكبوت فقبلتا بالزواج من ابني خالهما التاجرين البسيطين و أنجبتا لهما بنينا و بنات.

بذل الطاهر جهدا في الحصول على قطعة أرض في احد أحياء العاصمة الطرفية فانفق كل ما وفره من اغترابه و انتقل إليها هو و زوجته و ٣ أطفال في بدايات مراحل التعليم.

اكتشف الطاهر أن رصيده بدأ يتناقص و ان تكاليف المعيشة مع نفقات التعليم و العلاج بدأت تتضخم فجرب دخول السوق مستعينا باصدقائه القدامى. نصحوه أن يدخل السوق معهم. حقق الطاهر نجاحا محدودا لأنه كثير الورع و الصدق و لم تغيره مظاهر الثراءالسريع.

أهمل الطاهر أهله في القرية و انقطع عنهم لا يشاركهم مناسباتهم لضيق ذات اليد واضطر لبيع نصيبه في ورثة الأرض الزراعية لينقطع الخيط الذي يصله بمسقط رأسه . تحول الطاهر إلى ترس في آلة استهلاكية ضخمة هي السرطان الذي يقضي على المدينة المتمددة أطرافها المتباعدة علاقاتها الإنسانية. تتبدل الأنظمة و الحكومات و يزداد الحال سوءا و لكن لا فكاك. كلما مضت السنوات كلما ازداد سوء الحال. يخشى الطاهر على أبنائه الذكور من أن يصيروا ترسا استهلاكيا مثله. يخشى عليهم من بيئة المدينة المتوحشة و يأسف انه قطع خط الرجعة بالقرية و الريف حيث البساطة و الود و العافية و التعاون.

كبر أبناء بنت خاله خطيبته السابقة و توسعت تجارة زوجها بفضل الله ثم باجتهاده و جمعه بين الزراعة و التجارة و تربية الماشية. انضم أولاده إليه يساعدون في نشاطه التجاري و يتزوجوا من القرية و القرية المجاورة.

لم يكن علي مختلفا كثيرا عن الطاهر إذ قضى عمره كله في خدمة الحكومة و حظي بامتلاك قطعة سكنية حكومية شيدها و سكن فيها معتمدا بعد الله على ما يساعده به ابناه المغتربين من مال خاصة بعد أن تزوجت بناته الثلاث.

لم تكن رابطة علي بأهله قوية و لكنها لم تنقطع.

الطاهر و على مثالان للطبقة الإجتماعية الوسطى التي تكبر عددا و تزداد فقرا. الطبقة الوسطى هي عماد الخدمة المدنية و موظفي القطاع الخاص. تليها الطبقة الفقيرة من العمال التي تعيش رزق اليوم باليوم تعاني مشاكل السكن و الاستقرار و التعليم والعلاج.

تمددت العشوائيات السرطانية حاملة معها الفوضى والجريمة و العطالة .

تلتقط العين الإستخباراتية المهتمة بالتغييرات المجتمعية مثل تفريغ الريف من القوة المنتجة و الهجرة إلى المدينة للعمل في المهن الهامشية و ضيق سكان المدن ذرعا بهم لأنهم يضايقونهم في المواصلات و السكن و يرفعون الأسعار وميل بعضم للتكسب من المهن الوضعية.

تصمم المخابرات الأجنبية المنظمات الطوعية بمبرر مساعدة المحتاجين و الحقيقة انها اذرع مخابراتية تجمع المعلومات و تؤجج الفتن و تساعد على الفوضى والإنهيار.

ترك الإستعمار البريطاني قنبلة المنهج التعليمي الذي ينتج مستهلكين لا منتجين ويقسم المجتمع إلى طبقة موظفين و طبقة عمال وطبقة أعمال حرة. تتنافر هذه الطبقات وتثير

[contact-form][contact-field label=”Name” type=”name” required=”true” /][contact-field label=”Email” type=”email” required=”true” /][contact-field label=”Website” type=”url” /][contact-field label=”Message” type=”textarea” /][/contact-form]

التوترات والفوضى و تهدد الإستقرار. تستنزف هذه الطبقات موارد الدولة المحدودة التي تهتم بالسلطة أكثر من التنمية و تخشى سكان المدن لأنهم يستطيعون تغيير الحكومات و تهمل الريف المنتج متيحة بذلك حجة و مبررا لنمو دعوات المظلومية و النزوع إلى العصبيات و الثورة والإنفصال.

هذا ما نعيش تفاصيله اليوم.

علاج هذه الظاهرة يحتاج وقتا طويلا و صبرا و تخطيطا علميا واقعيا و إيمان بجدوى التحول من المنهج البريطاني الإستهلاكي إلى المنهج الأمريكي الإنتاجي . السودان قطر موارده متعددة و متجددة.

ما حك جلدك متل ظفرك.

بالإنتاج لن نحتاج.

السودان واسع يسع الجميع على ماذا يتقاتل أهله؟

تعليقات
Loading...